استمع إلى الملخص
- **الترويج الإعلامي للإنجازات العسكرية:** بعد الإخفاقات الكبيرة، قامت القيادات العسكرية والسياسية بحملة ترويج إعلامية لإقناع المجتمع بإنجازات الجيش في غزة، مثل القضاء على 60% من قوات "حماس"، رغم استمرار العمليات العسكرية المكثفة.
- **التوتر السياسي داخل التحالف الحكومي:** تصاعدت التوترات داخل التحالف الحكومي برئاسة نتنياهو، مع تهديدات من أحزاب اليمين المتطرف بتفكيك التحالف في حال وقف الحرب على غزة أو التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى.
ادعت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية منذ بداية الحرب على غزة أنه من دون أن تضع الحكومة الإسرائيلية تصوراً لليوم التالي للحرب على غزة في الجانب السياسي، ومن دون بناء بديل لإدارة "حماس" في قطاع غزة سيكون من الصعب تحقيق أهداف الحرب والقضاء على سلطة "حماس" في قطاع غزة. شكّل هذا الادعاء جدلاً وخلافات بين المؤسسة العسكرية والحكومة الاسرائيلية، وتحديداً رئيسها بنيامين نتنياهو. غالبية المحللين العسكريين والسياسيين في وسائل الإعلام والقنوات الإسرائيلية، تبنوا موقف المؤسسة العسكرية من دون أي اعتراض أو نقاش، وباتوا يكررون هذا الموقف يومياً في مقالات التحليل وفي النشرات الإخبارية وبرامج التحليل التلفزيونية. وقد أجمع غالبيتهم على أنه من دون خلق بديل لحركة حماس في إدارة قطاع غزة ستفشل الحرب على غزة في تحقيق أهدافها بل إن طرح بديل لإدارة قطاع غزة هو ما يمكن أن يشكل عامل ضغط مؤثر جداً على "حماس" لقبول شروط إسرائيل في مفاوضات تبادل الأسرى والمخطوفين.
بهدوء لافت ومن دون أي إعلان رسمي أو مقدمات، غيرت المؤسسة العسكرية في الأسابيع الأخيرة من سلم الأولويات في مواقفها، فانتقلت من ادعائها بأن طرح بديل لإدارة غزة هو العامل الأهم في الضغط على "حماس"، إلى ترويج مقاربة تدعي أن ما يمكن أن يؤثر بشكل حقيقي على "حماس" هو فقط الضغط والعمل العسكري المكثف، من دون التخلي عن فكرة خلق بديل للحركة في إدارة غزة وحكمها. تغيير موقف المؤسسة العسكرية ترافق مع نغمات جديدة لدى نفس المحللين وذات الخبراء والمراسلين، مع تبنيهم المقاربة الجديدة للمؤسسة العسكرية.
تراجعت مكانة جيش الاحتلال كثيراً بعد الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر
"إنجازات" الجيش في غزة
القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية وأيضاً المؤسسات الإعلامية، تقوم في الأيام الأخيرة بجهد خاص وحملة ترويج إعلامية ضخمة، لإقناع المجتمع الإسرائيلي بأن الجيش يحقق إنجازات كبيرة في غزة. ففي نقاش خاص في الكنيست الإسرائيلي الأربعاء الماضي، بذل وزير الأمن يوآف غالانت جهداً خاصاً لعرض إنجازات الجيش الإسرائيلي أمام أعضاء الكنيست، وقال انه تم القضاء على 60% من قوات "حماس". وقبلها بيوم أطلق رئيس الأركان هرتسي هليفي من داخل قطاع غزة تصريحات شبيهة، وزعم أنه لا يوجد أي تعثر للجيش في غزة ولا إحباط، وأن هناك العديد من الإنجازات الكبيرة. للمفارقة، المؤسسة العسكرية أطلقت ادعاءات الإنجازات الكبيرة بعد مرور تسعة أشهر من حرب الإبادة على غزة فيما عادت في الوقت نفسه إلى العمل العسكري المكثف والقتل والدمار والتهجير، في المناطق ذاتها التي عملت فيها سابقاً، وادعت حينها أنها أنجزت القضاء على قدرات "حماس" العسكرية الجدية فيها.
يمكن تفسير التغيير في ادعاءات واستراتيجية المؤسسة العسكرية حول أهمية الضغط العسكري، بما هو عامل أساسي للضغط على "حماس" بدل ترتيبات اليوم التالي للحرب، بأن هذا التحول، أولاً، يخفف من حدة الخلاف بين المؤسسة العسكرية والحكومة عامة وخصوصاً بنيامين نتنياهو؛ ثانياً لا يُدخل المؤسسة العسكرية والسياسية في متاهات البحث عن بديل غير قائم لحركة حماس في اليوم التالي للحرب قبل التوصل إلى اتفاق تبادل، بعد أن فشلت كافة الاقتراحات التي جاءت بها الحكومة، منها تشكيل بديل محلي من العشائر والعائلات في غزة أو بديل من الدول العربية بشراكة أميركية، وطبعاً رفض نتنياهو المطلق الحديث عن السلطة الفلسطينية بديلا لإدارة غزة. ثالثاً تخفف هذه الادعاءات، إلى حد ما، من ادعاءات حركات الاحتجاجات المطالبة بوقف الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل مع "حماس" عبر المفاوضات؛ رابعاً، يبدو أن تسويق الادعاءات أن المجهود الحربي هو الذي يدفع إلى اتفاق تبادل، أسهل على المؤسسة العسكرية والسياسية، وللمجتمع الإسرائيلي عامة، لتبرير استمرار حرب الإبادة على غزة.
وأخيراً فإن عودة المؤسسة العسكرية إلى العمليات العسكرية الكثيفة في مناطق سبق أن عملت فيها، هدفت إلى ترميم صورة الجيش ومكانته في المجتمع الإسرائيلي وفي عملية صناعة القرار، بعد أن تراجعت هذه المكانة كثيراً إثر الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبعد مرور تسعة أشهر من حرب الإبادة من دون تحقيق أهداف الحرب. وطبعاً من غير الممكن فصل كل هذا عن العودة إلى المفاوضات حول اتفاق لتبادل الأسرى والمخطوفين، إذ أعلن الجيش منذ فترة دعمه التوصل لاتفاق وقال إن هذه الإمكانية الوحيدة لتحرير الأسرى والمخطوفين. محاولة تحسين مكانة المؤسسة العسكرية يمكن أن تساهم في توفير أدوات ضغط من قبل المؤسسة العسكرية على الحكومة الإسرائيلية لدفعها باتجاه التوصل إلى اتفاق.
التحول في المشهد العسكري في غزة وفي استراتيجية المؤسسة العسكرية، يمكن أن يكون سيفاً ذا حدين في الجانب السياسي وعلى استمرار تماسك التحالف الحكومي. فهو قد يساهم في تخفيف الاحتقان السياسي الحالي داخل التحالف الحكومي، وربما يساعد نتنياهو على تخطي الأزمات بين مركّبات التحالف الحكومي، لكنه يمكن أن يتحول إلى عامل يهدد استمرار التحالف الحكومي، في حال ضغطت المؤسسة العسكرية والأمنية بشكل كبير للتوصل إلى اتفاق يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى وقف الحرب على غزة ولو من دون الإعلان عن ذلك صراحة.
خرج وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي ميكي زوهار، من حزب الليكود، في عدة مقابلات صحافية يوم الثلاثاء الماضي، حذّر فيها من تفكك محتمل للائتلاف الحكومي، بسبب تصاعد التوتر بين مركبات الائتلاف المكون لحكومة اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو. وقال زوهار إن "وضع الائتلاف سيئ وقد ينهار"، معتبراً أن "سلوك التحالف وسقوطه يمكن أن يؤدي إلى خسارة الحرب على غزة". تصريحات زوهار عكست حالة التخبط والتوتر السياسي في المشهد السياسي الإسرائيلي، وأوضحت الترابط البنيوي بين الحالة السياسية والأمنية. وباتت المناوشات السياسية بين أطراف التحالف الحكومي عائقاً أمام إدارة التحالف الحكومي وعرقلت طرح التحالف قوانين في الكنيست، وأنذرت بزيادة التوتر بين مركبات التحالف وسعي هذه المركبات لتحقيق، قدر الإمكان، مصالح حزبية وإنجازات للفئات الاجتماعية والسياسية التي يمثلونها. وعلى ما يبدو بدأت أحزاب التحالف بالتعامل بجدية مع إمكانية الذهاب إلى انتخابات مبكرة ولو كان ذلك مطلع العام المقبل.
الأحزاب المتزمتة دينياً الحريدية فشلت في تحقيق إنجازات سياسية جدية للفئات الحريدية
فشل الأحزاب الدينية
الأحزاب المتزمتة دينياً الحريدية فشلت لغاية الآن، من وجهة نظرها، في تحقيق إنجازات سياسية جدية للفئات الحريدية، منها الفشل في سنّ قانون ترتيب إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، وعدم سنّ قانون ينقل صلاحيات تعيين الحاخامات الرئيسية في المدن الإسرائيلية إلى وزير الأديان، وغيرها. وبرز أخيراً عدم رضى واضح وعلني لدى قيادات الأحزاب الحريدية من أداء نتنياهو وأسلوب إدارة التحالف، ومنها مواقف علنية لرئيس حزب شاس أرييه درعي الذي قرر عدم التصويت لعدة أيام مع التحالف الحكومي بسبب فشل نتنياهو طرح وتمرير قانون الحاخامات الرئيسية في المدن الإسرائيلية. إلا أن الأحزاب الحريدية رغم امتعاضها وعدم رضاها عن أداء وسلوك نتنياهو لا تهدد لغاية الآن بشكل جدي وواضح بتفكيك الحكومة، فهي تدرك أن كافة البدائل للحكومة الحالية ستكون أكثر سوءاً للفئات الحريدية. التهديد الجدي والحقيقي على استمرار التحالف الحكومي جاء من قبل أحزاب اليمين المتطرف، حزب القوة اليهودية برئاسة إيتمار بن غفير، وحزب الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش، اللذين عبّرا بشكل واضح وعلني أن وقف الحرب على غزة أو التوصل إلى اتفاق سيئ من وجهة نظرهم يعني تفكيك التحالف الحكومي. وهما جادان في هذا الموقف، ونتنياهو مدرك تماماً لذلك، بفعل تعبيرهما عن موقف إيديولوجي من جهة، وأيضاً لأنه يخدم مصالحهما وأهدافهما السياسية والانتخابية.
وأظهرت كافة الاستطلاعات التي أجريت منذ السابع من أكتوبر الماضي، أن حزب القوة اليهودية هو الوحيد من داخل التحالف الحكومي الذي استفاد سياسياً وانتخابياً من الوضع الأمني والسياسي الجديد. وتوقعت الاستطلاعات ارتفاع عدد مقاعد الحزب إلى نحو 11 مقعداً في أي انتخابات مقبلة، في مقابل ستة مقاعد حالياً. ورأى بن غفير أنه جنى ثمار تبنّي سياسة معارضة من داخل التحالف الحكومي وإصدار مواقف متطرفة، وزادت من قوة الحزب وشرعيته.
في المقابل، شككت الاستطلاعات في إمكانية عبور "الصهيونية الدينية" نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة. مع العلم أن سموتريتش باشر السعي لتحسين مكانته السياسية والانتخابية، عبر تبني مواقف أكثر يمينية وتطرفاً تجاه الحرب على غزة والمطالبة بالبدء بحرب على حزب الله. بهذا المعنى فإن التهديد الجدي الوحيد لتفكيك التحالف الحكومة مرتبط بإدارة الحرب أو التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى ومخطوفين يفضي إلى وقف الحرب. التصعيد العسكري والعودة إلى العمليات الواسعة قد يخفف بشكل مؤقت من حدة الخلافات داخل مركبات التحالف الحكومي، لكنه قد يؤدي على المدى الأبعد إلى تفكك التحالف بسبب رفض أحزاب اليمين المتطرف لأي اتفاق لوقف الحرب تدفع إليه المؤسسة العسكرية، التي تسعى إلى تغيير تحسين مكانتها عبر العودة إلى العمليات العسكرية المكثفة، وتغيير مقاربة الضغط على حماس عبر الأدوات العسكرية بدل التهديد بتغيير سلطة غزة في اليوم التالي للحرب.