يعيد إعلان رئيس الحكومة المكلف عزيز أخنوش، اليوم الأربعاء، عن تشكيل ائتلاف حكومي يقوده حزب "التجمع الوطني للأحرار" بمعية حزبي "الأصالة والمعاصرة " و"الاستقلال"، رسم المشهدين السياسي والبرلماني في المغرب، وذلك بفرض واقع جديد دفع في اتجاه اصطفاف جميع أحزاب اليسار في المعارضة.
وإذا كان الانتصار الانتخابي، الذي حققه التحالف الثلاثي بقيادة "التجمع الوطني للأحرار"، قد دفع في اتجاه بديل ليبرالي يدير الشأن الحكومي خلال الـ5 سنوات القادمة، فإن أسئلة عدة تطرح حول قدرة حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، الذي أعلن، أمس، اصطفافه في المعارضة، على قيادة قطب يساري معارض بمعية الأحزاب اليسارية الأخرى الممثلة في البرلمان المقبل.
وأعلن أخنوش أن "المنطق الذي حكم اختيار هذه الأغلبية، هو توجه الإرادة الشعبية، حيث أن هذه الأحزاب الثلاثة نجحت بغالبية كبيرة في إقناع الناخبين كما عبرت عن ذلك نتائج صناديق الاقتراع، وهي أيضا أحزاب نتقاسم معها الشيء الكثير، تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً".
وبدا من اللافت تأكيد المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، التزامه بـ"الدفاع عن المكتسبات الاجتماعية سواء القائمة أو تلك التي جاءت في التوجيهات الملكية، ومواجهة أي قوانين تمس بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنات و المواطنين"، في إشارة إلى نوعية المعارضة التي سينتهجها في مواجهة الحكومة المقبلة.
وفي ظل مخاوف العديد من المتابعين من ضعف المعارضة المقبلة وتشتتها مقابل تغول الحكومة وأغلبيتها، تبدو أحزاب اليسار الممثلة في البرلمان القادم مرشحة لتكون أكبر صوت معارض، في حال نجاحها في تشكيل قطب يساري يجمع 61 مقعداً بتواجد كل من الاتحاد الاشتراكي بـ 35 مقعدا، والتقدم والاشتراكية بـ21 مقعدا، و"جبهة القوى الديمقراطية" بثلاث مقاعد، بالإضافة إلى مقعد نيابي لتحالف "فيدرالية اليسار الديمقراطي"، وآخر لـ"الحزب الاشتراكي الموحد".
وبالنسبة للقيادي في الاتحاد الاشتراكي، والرئيس السابق لكتلته النيابية، إمام شقران، فإن عودة حزبه إلى المعارضة تمثل فرصة لأحزاب اليسار مجتمعة، رغم عدم حصولها على عدد كبير من المقاعد، من أجل التنسيق بينها، معتبراً أنه إذا لم تستطع تلك الأحزاب تجاوز خلافاتها وتقريب وجهات نظرها خلال الخمس السنوات القادمة من الولاية البرلمانية الجديدة، فإننا سنكون أمام ضياع فرصة تاريخية لإيصال صوت الشعب.
ويرى القيادي في "الاتحاد الاشتراكي" أن على قيادات الأحزاب اليسارية التعاطي مع اصطفافها في المعارضة بكل مسؤولية، وتجاوز مشكلة اليسار المغربي المرتبطة بخلافات الأشخاص وبمزاجية القيادات أكثر منها بالمشاريع والتصورات، لافتاً، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه لا يتعين أن يدفع اليسار ثمن تلك الخلافات والمزاجية، وأن على تلك الأحزاب الاستفادة من تواجدها وتمثيلها في البرلمان لتحقيق التنسيق بينها على مستوى العمل البرلماني والنقابي والأذرع الموازية.
من جهته، لم يستبعد قيادي في حزب "التقدم والاشتراكية "، تحفظ عن ذكر اسمه لأنه غير مخول له بالتصريح للصحافة، إمكانية تنسيق حزبه مع بعض الأحزاب اليسارية خلال الولاية التشريعية المقبلة، لافتاً، في حديث مع "العربي الجديد "، إلى إمكانية تطور ذلك التنسيق مع جميع تلك الأحزاب خاصة الاتحاد الاشتراكي في حال زالت عوامل القطيعة التي تعيشها علاقات الحزبين حالياً بسبب التوتر الذي يسود، وذلك بقدوم قيادة جديدة عوضاً عن القيادة الحالية خلال مؤتمر الاتحاد الاشتراكي المرتقب في ديسمبر / كانون الأول المقبل.
بالمقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية رشيد لزرق، أن فوز "الأحرار" بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية وتعيين أمينه العام رئيساً للحكومة وتشكيلها بمعية أحزاب ليبرالية، كشفت عن حاجة البلاد المستعجلة لتشكيل وضوح أيديولوجي قصد إعطاء حلول للخيار الديمقراطي الذي أضحى من ثوابت المملكة المغربية.
واعتبر أن الاتحاد الاشتراكي مدعو لاستكمال رسالته التاريخية بقيادة القطب اليساري من موقع المعارضة من أجل مواجهة القطب الليبرالي في الحكومة. ووفقاً للزرق، فإن هذا الاصطفاف يدخل المغرب عهد القطبية الثنائية، والتي أكد عليها الملك محمد السادس في أكثر من محطة.
ولفت، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن تأسيس القطب اليساري هو تطوير استراتيجية النضال الديمقراطي الدستوري من داخل المؤسسات والذي يقتضي تفعيل الاختصاصات الكبرى التي منحها الدستور الجديد للمعارضة، إذ ضمن الفصل 10 من الدستور للمعارضة مكانة تخولها حقوقاً، من شأنها التمكين من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية.