تواجه حكومة عزيز أخنوش في المغرب، التي تتولى السلطة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، تحديات كبيرة، في ظل عجزها عن التعامل مع الأزمة المعيشية التي يعيشها البلد جراء الارتفاع المهول في التضخم، الذي انعكس بارتفاع الأسعار وأنهك القدرة الشرائية للمغاربة.
وبينما بات تأثير غلاء المعيشة بالغاً وجلياً، لا سيما أنه مسّ سلعاً رئيسية بشكل غير مسبوق، وأثّر بشكل مباشر على المستوى المعيشي اليومي للطبقتين الفقيرة والمتوسطة، عاد احتمال اللجوء إلى تعديل حكومي إلى التداول داخل الأوساط السياسية والإعلامية المغربية في الأيام الأخيرة.
وفي وقت يبقى فيه الترقب سيد الموقف، على اعتبار أن تحديد موعد التعديل الحكومي رهن بجملة من المقتضيات التي تتجاوز رئيس الحكومة، ومن أبرزها تلقّي إشارات من أعلى سلطة في البلاد، فإن الانتقادات طاولت الحكومة من جميع فئات الشعب ومن مسؤولين كبار في الدولة، مثل والي البنك المركزي عبد الرفيع الجواهري، والمندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي.
نفي نيّة تعديلات حكومية سابقة
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيه الحديث عن تعديل وزاري، إذ سبق أن أوردت مجلة "جون أفريك"، التي توصف بأنها مقرّبة من بعض مراكز القرار في المغرب، في صيف 2022، خبراً عن الاتفاق على تعديل وزاري بطلب من العاهل المغربي الملك محمد السادس، وذلك خلال اجتماع وصفته بـ"السري" في 5 أغسطس/آب الماضي، بين أخنوش ومستشار الملك فؤاد عالي الهمة.
مضيان: لسنا أمام ظروف قاهرة وملحّة تستدعي التعديل، وربطه بغلاء الأسعار لا يستقيم في ظل ما يعيشه العالم
وبينما ألقى خبر التعديل حينها بظلاله على المشهد السياسي، كان لافتاً خروج المتحدث الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، في الأول من سبتمبر/أيلول 2022، لنفي الخبر، والإشارة إلى أن التعديل يرتبط بإجراءات وشروط دستورية وسياسية، وأنه "في حال توفّر تلك الإجراءات يمكن آنذاك الحديث عن الحاجة إلى هذا التعديل".
وفي 7 إبريل/نيسان من العام الماضي، نفت الحكومة أيضاً وجود أي مشروع لتعديل حكومي مرتقب، رداً على نشر تقرير صحافي تحدث عن تعديل يشمل وزارات كبرى من بينها وزارات السيادة. وأشار التقرير حينها إلى أن التعديل سينهي مسار ما بين 6 و8 وزراء "في ضوء المآخذ التي سُجلت على قطاعات يشرفون عليها، لا سيما ما يتعلق بالتواصل مع المواطنين، والبطء الشديد في تقديم بعض المشاريع، وعدم التفاعل مع التحديات والإكراهات، بما فيها ارتفاع الأسعار"، وفق التقرير.
وفي التقليد المتعارف عليه في المغرب، فإن التعديل الحكومي هو إجراء يتم عادة في منتصف الولاية تقريباً (ولاية الحكومة 5 سنوات)، وهذه المدة تكون كافية للكشف عن مَواطن الضعف في الإدارة الحكومية والاختلالات الموجودة في الأداء.
وتعليقاً على عودة الحديث عن تعديل مرتقب لحكومة أخنوش، قال رئيس الكتلة النيابية لحزب "الاستقلال" (المشارك في الحكومة)، نور الدين مضيان، لـ"العربي الجديد"، إن قرار التعديل الوزاري لا يرتبط بما يتم تداوله، والحسم فيه يخضع لإجراءات دستورية وسياسية وبناء على تقدير المؤسسات المرتبطة به.
وأضاف: "لنكن موضوعين: هل هناك ما يوجب إجراء التعديل حالياً؟ لسنا أمام ظروف قاهرة وملحّة تستدعي ذلك، وربطه بغلاء الأسعار لا يستقيم في ظل ما يعيشه العالم". وتابع: "عموماً التعديل في المغرب يكون عادة في منتصف الولاية الحكومية من أجل إعطاء دينامية جديدة وتعزيز الفريق الحكومي بوجوه جديدة لإحداث التغيير المنشود".
دوافع المطالبة بتعديل حكومة أخنوش
لكن رئيس "مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية"، رشيد لزرق، رأى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الانزلاق الذي عرفته حركة الأسعار وصمت الحكومة عن الاحتكار والتلاعب بقوت المغاربة، وعجزها عن التحكّم في هيكلة الأسعار بداية من الإنتاج إلى المساحات والفضاءات التجارية، مسّ بالثقة فيها.
ولفت إلى أن هذا الوضع يقتضي من أخنوش، باعتباره المسؤول السياسي الأول وقائد الحكومة، المبادرة إلى طرح تعديل حكومي باعتباره بات أمراً ضرورياً وليس خياراً سياسياً فحسب. وأشار إلى أن هناك حالة فراغ على مستوى عدد من القطاعات الحكومية، وضعفاً لبعض الوزراء، ما ولّد انطباعاً بوجود حالة تسيّب سياسي، بالإضافة إلى شبهات فساد وتضارب مصالح لدى بعض الوزراء.
لزرق: التعديل في هذا الوقت من مصلحة رئيس الحكومة والأحزاب المشاركة فيها
وتابع لزرق: "على رئيس الحكومة إظهار قوته السياسية والتحرك من أجل إجراء التعديل قبل منتصف ولاية الحكومة، بغية المحافظة على البعض من مصداقيتها، وإضفاء مزيد من الفعالية على عملها، واستدراك نقاط ضعفها، وكذلك مواجهة التحديات الحالية لتحقيق الدولة الاجتماعية".
واعتبر أن التعديل في هذا الوقت بالذات، من مصلحة رئيس الحكومة والأحزاب المشاركة فيها الذين بنوا البرنامج الحكومي على تحقيق الدولة الاجتماعية، كما أنه فيه رسالة سياسية مفادها أن هناك تقييماً للأداء الحكومي بعد مرور ما يزيد من سنة ونصف السنة على تنصيب الحكومة.
ولفت لزرق إلى أنه "في هذه المرحلة بالذات التي يئن فيها المواطن المغربي من موجة الغلاء، يجب بعث رسالة عنوانها أن أطراف الحكومة متفاعلة مع الشعب، وتؤكد الحرص على دفع التنمية ومعالجة القضايا الجوهرية التي تتعلق بمصالح المواطنين"، مؤكداً أن الهدف من التعديل الحكومي هو رفع الفاعلية والنجاعة بما يتلاءم مع التحديات التي تواجهها الحكومة.
من جهته، أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني في سطات، عبد الحفيظ اليونسي، لـ"العربي الجديد"، أنه بغضّ النظر عن الفقرة الدستورية التي تحدد جهة الاختصاص وطريقة ممارسة سلطة التعديل الحكومي، إلا أن الظروف الموضوعية كلها تشير إلى ضرورة إجراء هذا التعديل لثلاثة اعتبارات على الأقل: أولها ضعف المنجز لجهة الإدارة الحكومية، فهناك وزراء بالكاد قد تجمع بين اسمهم وصورهم، ولا يقدّمون ولا يبدعون حلولاً، بل إن بعض وزراء هذه الحكومة تحوّلوا إلى موظفين إداريين يقومون بالعمل الإداري اليومي.
ثاني الاعتبارات يكمن، وفق اليونسي، في وجود دلائل وليس شبهات حول تنازع المصالح الممنوع دستورياً، وتواترت وقائع كثيرة في ذلك، بما أصبح يهدد استقلالية ودور مؤسسات دستورية كالبرلمان ومجلس المنافسة مثلاً.
في حين يتمثل الاعتبار الثالث، بحسب اليونسي، في أن "الدولة سياسياً التقطت أنفاسها بعد مرحلة 8 سبتمبر/أيلول 2021 وما تلاها من زلزال سياسي، وأن حالة الارتباك لم يعد مسموح بها بعد مرور أزيد من سنة ونصف على تنصيب الحكومة، واستمرار حالة اللاحسم تزيد من تعقّد الوضع".
ورأى اليونسي أن الرهان الأول للتعديل الحكومي يبقى تفعيل الإدارة الحكومية ونجاعتها من خلال تقليص القطاعات الوزارية ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، معتبراً في هذا الصدد، أن "التكنوقراط" في الحكومة الحالية لم يقدّموا الشيء الكثير. وأضاف أن الرهان الثاني يكمن في حكومة قادرة على تعبئة الرأي العام لإنجاح الأوراش (المشاريع) الملكية الكبرى أساساً الحماية الاجتماعية والاستثمار.