يعقد مجلس الأمن الدولي، الإثنين، جلسة مغلقة لمناقشة التطورات المتسارعة التي عرفها ملف الصحراء منذ التمديد لبعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكان آخرها إبلاغ الإدارة الأميركية، الأسبوع الماضي، منظمة الأمم المتحدة بموقفها الجديد المتمثل في اعتبار الصحراء جزءاً من التراب المغربي.
ويُنتظر أن تعرف جلسة مجلس الأمن، التي تعقد بطلب من ألمانيا، العضو غير الدائم، استعراض نائبة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو، الوضع القائم منذ أزمة معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا، والتي انتهت بتحريره من طرف المغرب في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وإعلان جبهة "البوليساريو" انتهاء التزامها بوقف إطلاق النار من جانب واحد.
كما يُرتقب أن يقدم كل من بينتو كيتا، الأمين العام المساعد لأفريقيا، وكولين ستيوارت، الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء، إحاطة حول الأوضاع بالمنطقة منذ قرار مجلس الأمن في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تمديد بعثة الأمم المتحدة في الصحراء لمدة سنة، وما تبع ذلك من تطورات كادت أن تشعل الحرب في المنطقة.
وفي الوقت الذي ما زال فيه إعلان الرئيس الأميركي الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء يثير مواقف متباينة؛ تتجه أنظار المتابعين إلى ما سيخرج به مجلس الأمن من قرارات بشأن الوضع في الصحراء، وما ستكشف عنه المناقشات بشأن تعاطي الدول المؤثرة في المجلس مع الخطوة الأميركية، لاسيّما بريطانيا التي لا يستبعد مراقبون مغاربة أن يعرف موقفها من قضية الصحراء تغييراً في اتجاه دعم مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط لطي الملف، وهو التغيير الذي من شأنه إحداث تحول جذري في النزاع.
وفيما تراهن جبهة "البوليساريو" والجزائر على دفع الإدارة الأميركية الجديدة نحو التراجع عن موقف دونالد ترامب، القاضي بـالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء وفتح قنصلية بالداخلة وتصحيح ما تعتبره خطأ؛ تبدو الدبلوماسية المغربية مطمئنة لمخرجات جلسة مجلس الأمن، لاعتبارات عدة من أبرزها أنها ظفرت بدعم العضو الأكثر تأثيراً في المجلس، وأنها لم تخل خلال أزمة معبر الكركرات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بالتزاماتها القائمة في المنطقة، بما فيها وقف إطلاق النار الموقع في عام 1991 والاتفاقات المرتبطة به، بل أكثر من ذلك حظي تدخلها بشكل سلمي لتأمين المعبر بتأييد دولي.
حظي تدخل المغرب بشكل سلمي لتأمين معبر الكركرات بتأييد دولي
إلى ذلك، توقع الباحث المغربي في القانون الدولي، بوبكر أونغير، أن تشهد جلسة مجلس الأمن نقاشات حامية الوطيس بين روسيا والولايات المتحدة حول سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، مرجحاً أن يجمع أعضاء المجلس على ضرورة تعيين مبعوث أممي جديد يشرف على المفاوضات بين الأطراف، وكذلك على دور الأمم المتحدة في تسريع إيجاد حل دائم ونهائي لقضية الصحراء المغربية.
ولا يستبعد الباحث المغربي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "يخرج اجتماع مجلس الأمن بتوصية تطالب الأطراف بالتحلي بضبط النفس واحترام وقف إطلاق النار في أفق تعيين مبعوث جديد يباشر عملية التفاوض بين جميع الأطراف المعنية بما فيها الجزائر، التي ظهر للعالم تورطها في تأخير أي حل سلمي لقضية الصحراء المغربية".
حثّت واشنطن الطرفين على الانخراط في مناقشات انطلاقاً من مخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب، كإطار العمل الوحيد للتفاوض على حل
وكان اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 10 ديسمبر/كانون الأول الحالي؛ قد دخل منعطفاً جديداً، بعد أن وجهت المندوبة الدائمة للولايات المتحدة الأميركية لدى منظمة الأمم المتحدة، كيلي نايت كرافت، الثلاثاء الماضي، رسالة إلى رئيس الجمعية العامة للمنظمة الأممية، تخبره فيها بالإعلان الرئاسي القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء.
واستبقت واشنطن خطوة إخبار الأمم المتحدة بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، بالإقدام على نشر المرسوم الرئاسي الذي وقعه الرئيس دونالد ترامب، في السجل الفيدرالي.
وجاء في المرسوم الرئاسي أن الولايات المتحدة "تعتقد أن قيام دولة صحراوية مستقلة ليس خياراً واقعياً لحل النزاع، وأن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن".
وحثت واشنطن "الطرفين على الانخراط في مناقشات دون تأخير، انطلاقاً من مخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب، كإطار العمل الوحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين". ولتسهيل التقدم نحو هذا الهدف "ستشجع الولايات المتحدة الأميركية التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع المغرب، بما في ذلك في أراضي الصحراء الغربية، ولهذا الغرض ستفتح قنصلية في أراضي الصحراء الغربية، في الداخلة، من أجل تعزيز الفرص الاقتصادية والتجارية في المنطقة".
وجاء الاعتراف الأميركي في وقت يواجه فيه النزاع انسداداً واضحاً، فيما يرى فيه مراقبون مؤشراً على بداية "مرحلة جديدة"، قد يكون لها ما بعدها على الملف الذي دخل في مرحلة جمود منذ استقالة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة هورست كوهلر، في 21 مايو/أيار 2019.
كما يشكل الاعتراف، لأول مرة، ترجيحاً لكفة المغرب في نزاع الصحراء وتكسيراً لقاعدة التوازن التي كانت تسلكها الإدارات الأميركية المتعاقبة بهذا الشأن.