وجدت الناشطة والمعارضة السياسية الجزائرية، أميرة بوراوي، منذ بداية هذا الأسبوع، نفسها في قلب زوبعة دبلوماسية بين فرنسا وتونس والجزائر، على خلفية تدخل القنصلية الفرنسية في تونس لمنع ترحيلها إلى الجزائر بعدما خرجت منها بطريقة غير قانونية عبر مسالك التهريب على الحدود البرية، لكونها ممنوعة من مغادرة التراب الجزائري ومحكوماً عليها بالسجن في الجزائر.
وبوراوي، البالغة 46 عاماً، هي من الوجوه البارزة في الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر، وحكم عليها بالسجن سنتين بتهم من بينها "المساس بالإسلام"، ومنعت إثر ذلك من مغادرة البلاد.
ورغم أنها سارت على خطى والدها الضابط السابق في قطاع الصحة في الجيش بتخصصها في الطب، إلا أنها اختارت التمرد على السلطة والانضباط الذي يفترض، حيث انخرطت في الحراك دفاعاً عن "الديمقراطية والحريات" ضمن حركات شعبية متعددة، من دون أن تنخرط في أي من الأحزاب السياسية. وانشغلت أحيانا بإثارة الجدل والتجرؤ على المقدس الديني، ما ألب عليها قسما واسعا من الرأي العام بسبب ذلك، وقادها، بالإضافة لمواقفها ونشاطها السياسي، إلى مخافر الشرطة وأروقة المحاكم، قبل أن تجد نفسها في قلب الأزمة بين الدول الثلاث.
الناشطة الجزائرية أميرة بوراوي، التي شغلت الرأي العام في الجزائر وفرنسا وتونس، منذ الإثنين الماضي، بعد هروبها من الجزائر بطريقة غير قانونية الى تونس وترحيلها الى فرنسا بتدخل من القنصلية الفرنسية في تونس، مدافعة عن الديمقراطية والحريات بالنسبة لكتلة من الجزائريين، وصاحبة أجندة سياسية غير محمودة بالنسبة لكتلة أخرى.
لم تكتف بوراوي بحمل مشرط الطب حيث عملت بعد تخصصها في التوليد واشتغالها في مشفى حكومي في العاصمة الجزائرية، بل إن مواقفها المعارضة ونشاطها السياسي، لاحقا، تسببت في دفع السلطات إلى إرسالها للعمل في مشفى في منطقة تيسمسيلت غربي الجزائر، في محاولة لثنيها عن النشاط السياسي وإبعادها عن العاصمة، لكنها اضطرت بعدها إلى الاستقالة من العمل والانتقال إلى العمل صحافية.
وفي العام 2011، شاركت بوراوي برفقة شخصيات ونشطاء في إنشاء "التنسيقية من أجل التغيير والديمقراطية"، للمطالبة بالتغيير السياسي في البلاد، بعد أحداث الربيع العربي. لكن بروزها الأهم في الساحة كان ضمن صخب سياسي تصاعد في الجزائر في أعقاب مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد الوعكة الصحية التي ألمت به في إبريل/ نيسان 2013. وفي بداية العام 2014، أسست بوراوي مع مجموعة من الناشطين ينتمون إلى تيارات سياسية ومرجعيات فكرية مختلفة حركة "بركات" (تعني كفاية)، وستبرز بوراوي عبر هذه الحركة في التظاهرات التي نظمتها الحركة، في بداية مارس/ آذار 2014، للاحتجاج على ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة رغم وعكته الصحية.
في العام 2017، عادت بوراوي ضمن حملة سياسية وشعبية تطالب بتطبيق المادة 102 من الدستور (كانت تنص على إقرار شغور منصب رئاسة الجمهورية)، بسبب غياب بوتفليقة عن المشهد السياسي في البلاد حينها. وفي العام 2018، شاركت بوراوي مع مجموعة من الشخصيات السياسية، بينها رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور ورئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان وقضاة سابقون ومحامون ونشطاء مستقلون، في تشكيل حركة "مواطنة"، التي كانت تنظم تحركات احتجاجية كل يوم سبت.
سيمهد نشاط هذه الحركة جزئياً في تهيئة المناخ لكسر حاجز الخوف، للحراك الشعبي الذي اندلع في فبراير/ شباط 2019، وقبل ذلك كانت بوراوي دائمة الحضور في النقاشات التلفزيونية حول التغيير والديمقراطية والظروف السياسية في البلاد، ونشطت أيضا في الحراك الشعبي منذ بدايته.
وخلال كل هذا المسار، تعرضت بوراوي، بسبب نشاطها ومواقفها السياسية ومنشوراتها غير المنضبطة أحيانا، لسلسلة من الاعتقالات والملاحقات القضائية. ففي يونيو/ حزيران 2020، أدانت محكمة جزائرية بوراويي بالسجن مدة عام نافذ، بتهمة "إهانة رئيس الجمهورية" و"التحريض على التجمهر"، قبل استئناف الحكم. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أصدر القضاء الجزائري في حقها حكما بالسجن بتهمة "إهانة رئيس الجمهورية وهيئة نظامية ومنشورات من شأنها المساس بالأمن".
أُطلق سراحها في يوليو/ تموز 2020 مع منعها من مغادرة البلاد، وحاولت مرات عديدة زيارة ابنها في فرنسا، لكن من دون جدوى لكونها محل حكم قضائي مؤجل التنفيذ منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفي تونس، استفادت بوراوي من حملها جوازَ سفر فرنسياً، لتطلب تدخل القنصلية الفرنسية، التي منعت إعادتها إلى الجزائر وساعدت على سفرها إلى مدينة ليون الفرنسية.
ونتيجة لذلك، استدعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مساء الأربعاء، السفير الجزائري في باريس سعيد موسى للتشاور، احتجاجاً على تدخل فرنسا لترحيل بوراوي.
يأخذ كثيرون على أميرة بوراوي، التي حصلت عام 2007 على الجنسية الفرنسية بعد زواج من جزائري مقيم في فرنسا وهي أم لطفين، المغالاة في تبني الأفكار التقدمية والعلمانية وانفلاتها في التعبير عن القضايا الدينية وسب الصحابة والإساءة الى النبي الكريم. ولاقت بسبب ذلك انتقادات حادة، بسبب عدم احترامها المجتمع المحافظ والشعور الديني، وجرت محاكمتها بتهمة ثانية تخص "المساس بالمعلوم من الدين والاستهزاء بالصحابة الكرام"، فيما كان محسوبون على التيار الديني قد أصدروا في حقها أحكاماً بـ"التكفير" نتيجة منشوراتها المنفلتة.