خيّرت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، أكبر الفصائل "المتشددة" في شمال غربي سورية فصيل "جند الشام"، الذي يشكل مسلحون شيشانيون قوامه الرئيسي، بين حل نفسه والانضمام إلى صفوفها، أو مغادرة مناطق سيطرتها، في خطوة أخرى من هذه الهيئة للتفرد بالقرار بكل جوانبه في محافظة إدلب ومحيطها بشمال غربي سورية.
وقال الصحافي الأميركي المقيم في شمال غربي سورية بلال عبد الكريم (ولد باسم داريل فيلبس وغيّر اسمه بعد إشهار إسلامه في مطلع شبابه)، في فيديو نُشر على موقع "يوتيوب"، أول من أمس الأحد، إن "هيئة تحرير الشام" طلبت من فصيل "جند الشام" الذي يقوده مسلم أبو الوليد الشيشاني، الانضمام إلى صفوفها أو مغادرة مناطق سيطرتها خلال مدة زمنية لم يعلن عنها. وأكد عبد الكريم، الذي سبق لـ"هيئة تحرير الشام" أن اعتقلته لأشهر عدة في العام الماضي، أنّ مسلم الشيشاني رفض عرض الهيئة. ويتحدر الأخير، واسمه الحقيقي مراد مارغوشفيلي، من القبائل الشيشانية التي تعيش في جورجيا، وهو مصنف من قبل وزارة الخارجية الأميركية على أنه قائد جماعة إرهابية مسلحة في سورية منذ سبتمبر/ أيلول 2014، إذ اتهمته الوزارة ببناء قاعدة للمقاتلين الأجانب في سورية، بحسب وكالة "رويترز". ودخل مسلم الشيشاني إلى سورية في العام 2012، وشكّل لاحقاً فصيل "جند الشام" الذي يضم بضع مئات من المسلحين القادمين من منطقة القوقاز. وينتشر مسلحو هذا الفصيل في مناطق عدة في ريف اللاذقية الشمالي، وفي سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي.
قائد "جند الشام" مسلم الشيشاني رفض عرض الهيئة
من جهتها، أوضحت مصادر مقربة من "هيئة تحرير الشام" لـ"العربي الجديد"، أن الهيئة "بصدد التعامل مع كل التنظيمات التي تحمل فكراً جهادياً عابراً للحدود"، مضيفة أن "فصيل جند الشام من ضمن هذه التنظيمات، كون جل عناصره من خارج سورية". وأشارت المصادر ذاتها إلى أنّ قائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني "يحاول تصدير صورة مغايرة عن الهيئة، من خلال التضييق والتعامل الأمني مع كل التنظيمات المتشددة في شمال غربي سورية، وهذه رسائل للمجتمع الدولي أنه بالإمكان التفاهم مع الهيئة لتكون جزءاً من أي حلول سياسية لملف الشمال الغربي من سورية". ولفتت المصادر إلى أنه "لا قدرة عسكرية لدى مسلم الشيشاني على مقاومة رغبة هيئة تحرير الشام"، مشيرة إلى أن الأخيرة "تحاول اكتساب ثقة الفاعلين الإقليميين والدوليين لجهة كونها الفصيل الوحيد القادر على تفكيك بنية التنظيمات الراديكالية في الشمال الغربي من سورية".
وكانت "هيئة تحرير الشام" قد شرعت منذ مطلع العام الحالي في حملة أمنية ضد تنظيم "حراس الدين" المتشدد الذي يتزعمه المدعو أبو همام الأردني، في الشمال الغربي من سورية. وطاولت الحملة كبار القياديين في هذا التنظيم الذي يضم مجموعات تعد الأكثر تطرفاً وتتبنّى فكر السلفية الجهادية في محافظة إدلب ومحيطها. وكانت الولايات المتحدة قد عرضت مكافآت وُصفت بـ"الخيالية" لمن يدلي بمعلومات تساعد بالقبض على ثلاثة من متزعمي تنظيم "حراس الدين"، وهم: سامي العريدي، وأبو عبد الكريم المصري، وفاروق السوري.
ومن الواضح أن محاولة الهيئة احتواء تنظيم "جند الشام" تندرج ضمن الخطوات التي تقوم بها من أجل التفرد بالقرار الأمني والعسكري في شمال غربي سورية، وإقصاء كل المجموعات التي يمكن أن تشكل حجر عثرة أمام هذا الهدف. وطيلة سنوات، أقصت "هيئة تحرير الشام"، كلياً أو جزئياً، العديد من المجموعات المتشددة، أو بعض فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب ومحيطها، منها "جبهة ثوار سورية"، وحركة "حزم"، وفصيل "أحرار الشام".
الهيئة بصدد التعامل مع كل التنظيمات التي تحمل فكراً جهادياً عابراً للحدود
في السياق، أوضح الباحث المختص في شؤون الجماعات الإسلامية عرابي عبد الحي عرابي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مسلم الشيشاني كان صديقاً للمدعو أبو عمر الشيشاني الذي كان مع "جبهة النصرة" ومن ثم انتسب إلى تنظيم "داعش" بعد عام 2014، مع عدد كبير من المسلحين الشيشانيين. وأشار إلى أنّ "مسلم الشيشاني رفض الالتحاق بتنظيم داعش، وبقي مع جماعته في شمال غربي سورية، قبل أن يطلق عليها في عام 2015 تسمية جند الشام"، مضيفاً أنّ "هذا التنظيم صغير، ولا يزيد عدد المسلحين فيه عن 60، وربما مع أفراد عائلاتهم يصل العدد إلى 150 شيشانياً فقط". وأوضح عرابي أن "مسلم الشيشاني يتحدر من جورجيا، والرجل صاحب خبرة قتالية، وهو ينشط في أقصى الشمال الغربي من سورية منذ عام 2016 ولا سيما في ريف اللاذقية مع حلفائه مسلحي الحزب الإسلامي التركستاني".
وأشار عرابي إلى أنّ "الضربة التي وجهتها هيئة تحرير الشام إلى تنظيم حراس الدين خلال العام الحالي، أفقدت المجموعات الصغيرة التي تدور في فلكها ومنها جند الشام، أي سند"، مضيفاً: "ليس أمام هذه المجموعات إلا الحل والانضواء في هيئة تحرير الشام أو تعرّض نفسها للضغط الأمني". ورأى أنّ "هيئة تحرير الشام تريد وضع يدها على كامل الملف الجهادي في شمال غربي سورية"، لافتاً إلى أن "الهيئة ربما تغازل روسيا من خلال هذا الإجراء، خصوصاً أن مسلم الشيشاني مصنّف على أنه قائد جماعة إرهابية. كما أن تحرير الشام تبعث رسالة بأنها قادرة على تنظيف محافظة إدلب ومحيطها من كل الجماعات المتطرفة".
لا يزيد عدد المسلحين في تنظيم "جند الشام" عن 60
من جهته، أشار الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "هيئة تحرير الشام، ومنذ دخول الجيش التركي إلى المناطق المحررة في شمال غرب سورية، تحاول تقديم نفسها كقوة قادرة على ضبط المنطقة أمنياً وعسكرياً". ولفت إلى أنّ الهيئة "تقدّم نفسها على أنها الجهة القادرة على منع أي فصيل عسكري من الانفراد بقرار الحرب والسلم، والقادرة على ضبط العناصر والفصائل الأجنبية من الانفلات والتحرك المستقل". وتابع: "يبدو أن الفصيل الذي يقوده مسلم الشيشاني، ويسمّى أيضاً أجناد القوقاز، يرفض الانصياع لتوجيهات هيئة تحرير الشام، لذلك لم يكن أمام الأخيرة إلا وضعه بين هذين الخيارين؛ الخروج أو الانضمام إلى صفوفها، أسوة بما فعلته بباقي الفصائل، مثل أنصار التوحيد وحراس الدين وأنصار الإسلام".