يختلف وضع سكان قرى ريف اللاذقية الشمالي، التي كانت حاضرة على بداية التدخل العسكري الروسي في سورية نهاية العام 2015، عن باقي المناطق السورية التي روج فيها النظام لعودة المدنيين، حيث منعت قوات النظام السوري طوال هذه المدة سكان قرى جبلي الأكراد والتركمان من العودة إليها، رغم بعدها لاحقا عن خطوط المواجهة العسكرية.
هذا الوضع الاستثنائي اعتبره أهالي المنطقة، التي تضم خليطا من سكان عرب وتركمان، نوعا من العقوبة انتهى قبل أيام مع سماح النظام السوري لسكان 6 قرى بالعودة إليها، مع وعود بالسماح تدريجيا لباقي سكان المناطق بالعودة إلى منازلهم وأرزاقهم.
وقال الناشط أبو يوسف جبلاوي، لـ"العربي الجديد"، إن القرى التي سمح النظام بعودة سكانها إليها هي قرى دورين والمريج والكوم في جبل الأكراد والغنيمة والعوينات والقصب في جبل التركمان.
وأشار جبلاوي إلى أن عودة الأهالي ترافقت مع احتفالات أقامها النظام في هذه المناطق، تخللها رفع صور رئيس النظام بشار الأسد، وحضور مسؤولين في اللاذقية، وقياديين من "حزب البعث"، مع وعود لباقي سكان القرى بالعودة تدريجيا إليها، ومنها بلدتا سلمى (مركز جبل الأكراد) وربيعة (مركز جبل التركمان).
وأكد الناشط نفسه أنه لن يتم السماح إلا لمن يحصل على ترخيص أمني بالعودة إلى منزله، ولن يشمل هذا القرار إلا من كان يقيم في اللاذقية، مشيرا إلى أن معظم سكان هذه القرى في الأصل هم نازحون يقيمون في مناطق سيطرة المعارضة على الحدود السورية – التركية.
وكان ريف اللاذقية الشمالي شهد أولى العمليات الحربية الروسية في سورية في نهاية العام 2015، حيث خسرت قوات المعارضة حينها معظم مناطق سيطرتها في المنطقة لصالح قوات النظام خلال بضعة أشهر، وسمح هذا التدخل لقوات النظام بالوصول إلى الحدود السورية – التركية ومناطق غرب إدلب.
ريف اللاذقية الشمالي شهد أول العمليات الحربية الروسية في سورية في نهاية العام 2015
كما اتهمت روسيا مرارا قوات المعارضة في ريف اللاذقية باستهداف قاعدتها الجوية في حميميم عبر صواريخ محلية، وشهدت بلدة سلمى في عام 2016 معارك طاحنة بين الطرفين.
ومنذ سيطرة النظام على هذه القرى، أقام حواجز عسكرية منع بموجبها المدنيين من دخول المنطقة إلا بورقة أمنية "طلب زيارة" صادرة عن فرع "الأمن السياسي"، توضح سبب الزيارة، بحجة أنها لا تزال مناطق عسكرية غير آمنة لعودتهم.
ويعزو الصحافي أحمد حاج بكري، في حديث لـ"العربي الجديد"، توقيت السماح لبعض الأهالي بالعودة إلى "محاولة التخفيف من الضغط الذي تعانيه مدينة اللاذقية حاليا بسبب ازدحام سكاني كبير ترافق مع غياب الخدمات الأساسية وسوء الأوضاع المعيشية"، مشيرا إلى أن النظام يسعى للتخفيف من "الاحتقان الاجتماعي" المتصاعد في اللاذقية عبر هذه الخطوة.
وأرجع حاج بكري أسباب امتناع النظام عن السماح للأهالي طوال تلك المدة بالعودة إلى "حساسية المنطقة، ورغبته بعدم كشف أسراره العسكرية، وما يقوم به من أعمال مختلفة، كتحصين أو نقل أسلحة وذخائر وآليات عسكرية إليها"، مشيرا إلى أن روسيا "لعبت دورا كبيرا في الحفاظ على الوضع خشية من تعرض قاعدتها للخطر".
في حين ربط مصدر في اللاذقية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، هذه الخطوة بالانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجرى في سورية منتصف العام الجاري، منبها إلى أن هذه الحركة "دعاية إعلامية" أكثر من كونها حقيقية، لا سيما أن "أرزاق هؤلاء المدنيين نهبت وتم إحراق معظم أراضيهم عبر المليشيات الطائفية التي استفردت طوال سنوات بهذه المنطقة".
ويضم جبلا الأكراد والتركمان في ريف اللاذقية عشرات القرى، خضع قسم كبير منها لسيطرة قوات المعارضة منذ عام 2012، وتوسعت مناطق سيطرتها حينها إلى مدينة الحفة على مشارف اللاذقية، وتعرضت هذه القرى خلال السنوات الماضية في قسم كبير منها للدمار جراء قصف قوات النظام المدفعي والصاروخي، ونزح معظم سكانها عنها، قبل أن تسيطر على معظمها قوات النظام وروسيا في نهاية العام 2015، فيما لا تزال حتى الآن بعض القرى بحوزة قوات المعارضة وأبرزها كبانة.