انتظر النظام السوري حتى انتهاء فترة السماح التي منحها بإدخال المساعدات الدولية عبر معبري الراعي وباب السلامة إلى الشمال السوري، عقب الزلزال المدمر في 6 فبراير/ شباط الماضي، حتى أعلن مندوبه لدى الأمم المتحدة بسام صباغ في تغريدة على "تويتر" أنّ بلاده قررت تمديد الإذن لمدة ثلاثة أشهر إضافية تنتهي في 13 أغسطس/ آب. وقال إنّ القرار "استند إلى حرص سورية على تعزيز الاستقرار وتحسين الوضع المعيشي والإنساني لكل السوريين، كما يأتي ضمن جهود تيسير تسليم المساعدات الإنسانية لكل من هم بحاجة إليها في كل أنحاء سورية".
وقالت الأمم المتحدة، في بيان، السبت، إنّ وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد "أبلغ وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث بقرار السماح للأمم المتحدة باستخدام المعبرين لمدة ثلاثة أشهر إضافية".
وجاء القرار بعدما ناشدت الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية النظام للموافقة على تمديد هذه الفترة التي انتهت أمس السبت، وسط توقعات برد سلبي من جانب دمشق.
ونقلت وكالة "رويترز" أول من أمس الجمعة عن المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس ليركه أنه طلب "تمديد الإجراءات الخاصة التي اتخذت بعد زلزال 6 فبراير لمواصلة تسيير الاستجابة الإنسانية لجميع المناطق المتضررة".
واعتبر ليركه أن المحادثات كانت "بنّاءة"، لكنه لم يؤكد موافقة النظام على تمديد المهلة. وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد وافق على فتح معبري باب السلامة والراعي لثلاثة أشهر ابتداء من 13 فبراير الماضي، وذلك بعد أسبوع من الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية، وأودى بحياة أكثر من 50 ألفاً في البلدين.
إدخال المساعدات إلى الشمال السوري
وتستخدم الأمم المتحدة منذ عام 2014، معبر باب الهوى الحدودي بتفويض من مجلس الأمن الدولي كل ستة أشهر، لتوصيل المساعدات إلى ملايين المحتاجين في الشمال السوري، من دون الحاجة إلى موافقة النظام، لكن روسيا تعرقل عادة هذا التمديد، الذي يستحق في 10 يوليو/ تموز المقبل.
وقد حثت العديد من المنظمات الدولية الأمم المتحدة على مواصلة إدخال المساعدات عبر معبري الراعي وباب السلامة، بغض النظر عن موقف النظام السوري، ومن دون الحاجة إلى إذن من مجلس الأمن الدولي.
وفيما شددت مديرة "لجنة الإنقاذ الدولية في سورية" تانيا إيفانز على أهمية استمرار وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سورية، حثّت منظمة "العفو الدولية" في بيان لها أول من أمس الجمعة، الأمم المتحدة على مواصلة تسليم المساعدات الإنسانية عبر معبري الراعي وباب السلامة، بغض النظر عن موافقة النظام السوري.
علي العبد المجيد: موضوع التمديد لفتح المعبرين هو قرار روسي إلى حد كبير
وأكدت "العفو الدولية" أنه "في وقت لا يزال الملايين في سورية، الذين تضرروا من الزلزال، يعتمدون على مساعدات الأمم المتحدة العابرة للحدود، فإن على الأمم المتحدة الاستمرار بإيصالها عبر معبري باب السلامة والراعي.
ورأت المنظمة أن هذا الخيار "أمر قانوني بموجب القانون الدولي، لأنه لا توجد بدائل أخرى، إذ إن عمليات الإغاثة عبر الحدود التي تقوم بها الأمم المتحدة ضرورية لمنع معاناة السكان المدنيين والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في شمال غرب سورية".
واعتبرت ممثلة منظمة العفو لدى الأمم المتحدة، شيرين تاضروس، أن "حياة أكثر من أربعة ملايين شخص معرضة للخطر، فيما القانون الدولي واضح أن حقوقهم تعد أولوية". وأشارت إلى أنه يتعين على "الأمم المتحدة أن تأخذ موقفاً واضحاً ضد التسييس الصارخ الذي عرقل العمليات الإنسانية في شمال سورية لسنوات عدة".
كذلك لفتت إلى أنه "خلال الأيام القليلة الأولى الحرجة التي أعقبت الزلازل، تأخر تسليم المساعدات الإنسانية الأساسية عبر معابر حدودية إضافية ودعم فرق البحث والإنقاذ، بسبب استمرار القيود التعسفية على المساعدات من قبل الحكومة السورية وتردد الأمم المتحدة في استخدام المعابر الحدودية غير المصرح بها من قبل مجلس الأمن".
ورأى الباحث في "مركز عمران للدراسات" علي العبد المجيد، في حديث مع "العربي الجديد" أن موضوع التمديد لفتح المعبرين هو قرار روسي إلى حد كبير، وليس بيد النظام السوري.
وقال: "الأمر برمته عبارة عن اتفاق بين الجانب الروسي والأمم المتحدة، منع أو فتح المعبرين يتم بناء على توافقات دولية وليس بناء على رغبة الأطراف المحلية في المشهد السوري، والكل يعمل على استخدام هذه الورقة كأداة ضغط على الأطراف الأخرى في قضايا مختلفة، تتعلق بالحوالات المالية ربما أو رفع العقوبات أو تخفيفها".
وأضاف المجيد أن "الموافقة بشكلها القانوني يجب أن تأتي من النظام السوري، لأنه الممثل القانوني في الأمم المتحدة عن الدولة السورية، ولكن الكل يعلم أن الروس هم المحرك لسياسة النظام، والجانب الروسي يسعى لاستغلال هذه النقطة لمحاولة إعطاء مزيد من الشرعية للنظام السوري في المحافل الدولية".
محمد الجرار: النظام وروسيا يحرصان على الاستحواذ على المساعدات الدولية
من جهته، اعتبر الصحافي محمد الجرار في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن النظام السوري، ومن خلفه روسيا، يحرصان على استغلال قضية المعابر لاكتساب شرعية دولية من جهة، وللاستحواذ على كامل المساعدات الدولية من جهة أخرى، والتي تقدر قيمتها بمئات ملايين الدولارات سنوياً.
الأمم المتحدة والحاجة للنظام السوري
ورأى الجرار أن موقف الأمم المتحدة المتمسك بالحصول على موافقة النظام لفتح معابر لا تخضع لسيطرته أصلاً، غير مبرر، ولا يمكن تفسيره إلا كدعم من المنظمة الدولية لنظام غير شرعي بشهادة معظم المجتمع الدولي، معللاً هذا الموقف بأنه خليط من "التواطؤ السياسي والبيروقراطية الإدارية والتبلد الإنساني"، من جانب الأمم المتحدة.
وكانت منظمة "منسقو استجابة سورية" العاملة في الشمال السوري قد ذكرت في بيان لها الشهر الماضي أن كمية المساعدات الإنسانية الأممية الواصلة عبر الحدود إلى شمال غربي سورية خلال شهر مارس/ آذار الماضي تراجعت بشكل كبير قياساً بالعام السابق.
وبلغت 746 شاحنة عبر المعابر الحدودية الثلاثة مع تركيا، أغلبها عبر معبر باب الهوى (574 شاحنة) ثم معبر باب السلامة (143 شاحنة) وأخيراً معبر الراعي (29 شاحنة). وأوضحت أن كمية المساعدات الإنسانية الأممية الواصلة إلى المنطقة خلال شهر مارس 2022 من معبر واحد فقط هو باب الهوى بلغت 1469 شاحنة، أي بنسبة عجز 49.22 في المائة مقارنة بين الشهرين.
وأشارت إلى أن 80 في المائة من إجمالي المساعدات التي دخلت خلال الأشهر الثلاث الماضية كانت تخص مشاريع قديمة و20 في المائة فقط مخصصة للمتضررين من الزلزال، وذلك على الرغم من أن الأمم المتحدة أوفدت خلال هذه الفترة، أي بعد الزلزال، 48 وفداً لزيارة مناطق الشمال السوري، بمعدل شبه يومي، لكن حركة المساعدات ظلت في تراجع.