كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن خلافات عميقة تسود العلاقات الأميركية الإسرائيلية، سببها الرئيس هو الخلاف حول الموقف من الملف النووي الإيراني.
وكشفت الصحيفة أن مسؤولين إسرائيليين كبيرين غادرا واشنطن هذا الأسبوع، بعد أن نقلا المخاوف الإسرائيلية من النووي الإيراني إلى إدارة بايدن، إذ طلب بايدن، في محاولة لسد الفجوة بين الطرفين، من مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان؛ مراجعة خطة البنتاغون لاتخاذ إجراء عسكري ضد إيران، إذا فشلت المفاوضات، إلى جانب التحرك نحو تشديد العقوبات للضغط على طهران، بدلاً من تخفيفها.
وفي تقريرها، الذي يستند إلى معلومات أكثر من 10 مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، كشفت "نيويورك تايمز" أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت أرسل إلى واشنطن، بعد مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن، كلاً من وزير دفاعه بيني غانتس، ورئيس الموساد ديفيد برنيع، مسلحين بمعلومات استخبارية جديدة عن إيران، وملف تخصيب اليورانيوم.
وبحسب الصحيفة، فإن الخلاف حول إيران هو من عدة قضايا تعكر صفو العلاقات بين بايدن وبينت، حيث يختلف الطرفان على إعادة فتح القنصلية الأميركية للفلسطينيين في القدس، وخلافات حول الخطط الإسرائيلية لتوسيع مستوطناتها في الضفة الغربية المحتلة، وحول قرار إدارة بايدن إدراج شركتي تجسس إسرائيليتين في القائمة السوداء، هما شركة "إن إس أو" وشركة "كانديرو"، اللتان تتهمهما الولايات المتحدة بتقديم منتجاتهما لحكومات دكتاتورية، استغلتها لاختراق هواتف المعارضين والنشطاء الحقوقيين.
وبحسب "نيويورك تايمز" فقد اختلف الطرفان، في الآونة الأخيرة، حول الجدوى من التخريب الإسرائيلي للمنشآت الإيرانية، والذي تعتقد حكومة بينت أنه أدى إلى انتكاسة للبرنامج النووي الإيراني، كما يعتقد الإسرائيليون أن حملتهم التخريبية لها آثار استراتيجية، ويمكن أن تكون أحد الأسباب التي دفعت الإيرانيين إلى العودة إلى فيينا. ولكن مسؤولاً استخباراتياً إسرائيلياً كبيراً يرى أن عمليات التخريب تسببت في حال من "جنون العظمة" لدى القيادة الإيرانية، دفعتها للتفكير بضرورة تسريع مشروعها النووي.
في حين ترى أطراف في واشنطن أن العمليات التخريبية الإسرائيلية تشجع الإيرانيين على إعادة بناء منشآت التخصيب النووي بمزيد من الكفاءة والمعدات الحديثة، وحتى المؤيدون الأميركيون للنهج الإسرائيلي يرون أنه أقرب إلى "جزّ العشب"، وهي خطوة ضرورية لإبقاء إيران تحت السيطرة، ولكن العمليات الإسرائيلية لن تكون قادرة على إيقاف البرنامج النووي الإيراني بالكامل، في حين يمكن لاتفاق نووي جديد أن يضع البرنامج الإيراني تحت السيطرة.
موقف واشنطن المتشكك من العمليات الإسرائيلية لم يمنع الإسرائيليين من التشاور مع الأمريكيين قبل شن هجومين سريين ضد إيران، بحسب مصادر الصحيفة، واحد في سبتمبر/ أيلول ضد قاعدة صواريخ، والآخر في يونيو/ حزيران ضد مصنع إيراني لبناء أجهزة طرد مركزي.
ويعتقد بعض المسؤولين الأميركيين أن مخاوف إسرائيل بشأن تنازلات أميركية مع إيران غير مبررة، وذلك بعد أن كشفت إسرائيل أن واشنطن تسعى لعقد اتفاق مؤقت مع طهران يلغي بعض العقوبات مقابل تجميد بعض أنشطتها النووية، الأمر الذي نفاه الأميركيون، وأكدوا أن إيران لم توافق على الخوض فيه.
ولكن الرد الأميركي لم يطمئن المخاوف الإسرائيلية، وتنقل الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين أنهم قلقون بشكل متزايد، من أن الولايات المتحدة في نهاية المطاف سوف تتوصل إلى اتفاق مع طهران، ثم ستسعى بعد ذلك إلى منع المخابرات الإسرائيلية من تنفيذ هجمات تخريبية سرية ضد إيران. الأمر الذي يحاول الإسرائيليون طلب ضمانات من بايدن، بأن واشنطن لن تسعى إلى تحجيم حملتهم التخريبية، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
كما تكشف الصحيفة عن خلافات بين الطرفين في التقييمات الاستخبارية السرية حول المخزون النووي الإيراني وقدرة طهران على صناعة قنبلة نووية. إذ يعتقد المسؤولون الأميركيون أن إيران لم تتحرك بعد لتطوير قنبلة نووية وأنه ليس لديها الآن برنامج عسكري نووي، بعد أن كانت قد أوقفت برنامجاً مشابهاً بعد عام 2003، في حين يعتقد الإسرائيليون أن إيران واصلت جهوداً سرية لتطوير سلاح نووي بعد عام 2003.
ووفق مصادر "نيويورك تايمز" فقد حاول المسؤولون الإسرائيليون في الاجتماعات الأخيرة إقناع واشنطن بعدم السعي نحو اتفاق دبلوماسي، والتحرك نحو تشديد العقوبات بدلاً من ذلك. لكن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنهم يخشون أن تقوم الولايات المتحدة بإجراء اتصالات سرية عبر "قنوات خلفية" مع إيران، ويرون أن الجولات الجديدة من المحادثات في فيينا ستؤدي في نهاية المطاف إلى توقيع اتفاق.
تختم الصحيفة تقريرها بتصريح مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، يوم الإثنين، بأن المماطلة أثارت المخاوف بشأن النشاط النووي الإيراني، مؤكداً أن الإيرانيين يماطلون في المفاوضات لأنهم "يحرزون تقدماً مطرداً في برنامجهم النووي، ولا سيما التخصيب بنسبة 60 بالمائة"، مؤكداً أن واشنطن، ورغم ذلك، ما زالت تعتقد أن إيران لم تتخذ بعد قراراً بعسكرة برنامجها النووي!