عند نقطة لا تقبل القسمة توقف الوضع في النيجر، إذ لا سبيل يتيح العودة إلى ما قبل 26 يوليو/ تموز الماضي، لا العسكر سيقبلون التسليم بعودة الرئيس محمد بازوم، طالما أن عودته تعني تحييدهم سياسياً من الحكم ووظيفياً من الجيش، ولا الرئيس يمكنه الرجوع إلى منصبه بعدما انكسر زجاج الود مع الشارع، واستحال التعايش مع قادة الجيش الانقلابيين.
المشهد في النيجر هو على هذا النحو، وعلى حوافه الشارع الذي بدأ يطمئن لصورة الدبابة ولمشهدية العسكر، دون أن يكون واثقاً من أن الخيار القائم مسار صحيح ويقود فعلاً إلى تصحيح الخيارات الوطنية. لكن القصة السياسية في الحقيقة الماثلة أبعد من حدود نيامي، رئيساً وجيشاً وشارعاً.
في لحظة انفعال سياسي وتسرع في الموقف، أغلقت مجموعة "إيكواس" على نفسها مربع المناورة السياسية، وتحولت إلى طرف في الأزمة لا الحل، عندما اتخذت قرار استخدام القوة والتدخل العسكري، دون أن يتوفر لها فاعل داخلي في النيجر، يتبنى طرحها السياسي من جهة، ودون أن تكون لها القدرة اللوجستية على تنفيذ تدخل عسكري، بسبب ضعف إمكانيات دول "إيكواس"، العاجزة في غالبيتها عن تثبيت عوامل الأمن في دولها.
ليس خافياً على أحد أن وراء "إيكواس" ثمة باريس، التي تحرك خيوط الموقف، وخاصة أنها تعتبر وجودها في النيجر، كآخر نقطة تمركز لها في منطقة الساحل، مسألة وجودية لاعتبارات استراتيجية وحيوية، إذ تمد النيجر فرنسا بجزء من حاجياتها من اليورانيوم لتشغيل مفاعلاتها، وهذا أقل سبب يفسر الموقف الفرنسي.
هل يمكن إيجاد بديل لـ"إيكواس" للتدخل في بناء حل أكثر إيجابية للأزمة؟ في ظروف مثل هذه الأزمات، هناك آلية أخرى يمكن أن تكون إطاراً لمبادرة حل سياسي يقي المنطقة من تداعيات الحرب التي لا حصر لها، وأكثر تفهماً لمعطيات الحالة النيجرية، وهي آلية "دول الجوار"، وخاصة أن أغلب دول جوار النيجر، الجزائر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد وليبيا، ليست متحمسة بالمطلق لخيار الحل العسكري، وتساند الحل السياسي، وهذا في حد ذاته يضعها في تمايز إيجابي عن موقف "إيكواس"، وأكثر تقبلاً لدى أطراف الأزمة في النيجر.
تملك الجزائر من الثقل السياسي والأهلية الدبلوماسية والقبول الواسع لدى بازوم، والجيش، وعموم الشارع والفواعل السياسية والشعبية في النيجر، ما يمكنها من تفعيل هذه الآلية بالسرعة الممكنة، التي يمكن أن تقطع الطريق على خيار التدخل العسكري، وتمنع تكرار الحالة الليبية، التي بدأت ولم تنته، وطرح مبادرة بديلة تحتوي الأزمة وتجد مخارج "إبداعية"، وتلك في الأساس لعبة الدبلوماسية ودورها.
هناك أكثر من سؤال حول دوافع وأسباب ثقل الدبلوماسية الجزائرية في التعاطي مع أزمة النيجر، على خطورة تداعياتها، بالثقل نفسه الذي حدث خلال كل تطورات الأزمة في الجوار الليبي منذ 2011. والاكتفاء بالإعلان عن المواقف ليس كافياً، من دون مبادرة الجزائر لاقتحام الأزمة والمساعدة في بناء حل يخدم استقرار المنطقة، منعاً لحلول مستوردة من خارجها.