على الرغم من حديث السلطات المصرية الدائم عن فرض إجراءات صارمة، لمنع إبحار مراكب الهجرة غير النظامية من السواحل المصرية، إلا أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت إقبالاً كبيراً من الشباب المصري على الهجرة غير النظامية، عبر السواحل الليبية.
ولفت غرق مركب على متنه مئات المهاجرين قبالة سواحل اليونان، ليل الثلاثاء ـ الأربعاء الماضي، الانتباه مجدداً إلى عمليات الهجرة غير النظامية التي تنطلق من الأراضي المصرية، حيث بدأ القارب رحلته من مصر قبل أيام قليلة من غرقه، وبعدها توقف في طبرق بليبيا، لأخذ المزيد من الأشخاص، قبل أن يبحر صوب إيطاليا.
الحساسية الأوروبية في ملف الهجرة غير النظامية
وقال مؤسس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الناشط السياسي بهي الدين حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي "يدرك مدى الحساسية العالية جداً للأوروبيين لمسألة الهجرة غير النظامية، ووضع هذا الأمر كأداة ابتزاز لشراء صمت الأوروبيين تجاه أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ومن أجل الحصول على معونات مادية إضافية، تحت دعوى تعزيز كفاءة حراسة القوات المصرية للمياه الإقليمية المصرية".
وشدّد حسن على أنه "عندما يكرر السيسي في مناسبات مختلفة، أنه يراهن أن العالم لن يترك مصر تنهار، فهو يقصد هذا المعنى بشكل خاص، فلو انهارت مصر، هناك ملايين المصريين سيتجهون إلى مراكب الهجرة بشكل غير قانوني وبشكل غير مقبول للأوروبيين".
بهي الدين حسن: الحكومات العربية تطرد شعوبها بسبب سياساتها
وأكد الحقوقي المصري أن "هناك لوماً كبيراً من المنظمات الحقوقية الأوروبية وغير الأوروبية على سياسات الاتحاد الأوروبي في عدم قبول المهاجرين، ومحاولات الحد من الهجرة غير القانونية"، لكنه رأى أن "من الضروري للمنظمات الحقوقية، أن توجه أيضاً اتهاماتها للحكومات العربية التي بسبب سياساتها الاقتصادية والسياسات المنافية لحقوق الإنسان، تجعل من الدول مكاناً طارداً للشعوب المقيمة فيها".
وفي الفترة الأخيرة، وجد الكثير من الشباب المصري ضالته في السواحل الليبية للهجرة نحو أوروبا بشكل سري، عبر شراكة بين سماسرة ينتشرون في بعض القرى المشهورة بتصدير المهاجرين في محافظات البحيرة والقليوبية وكفر الشيخ والفيوم، وقادة مجموعات مسلحة وعصابات ليبية، فيما وصلت تسعيرة الرسوم لنحو 250 ألف جنيه مصري (نحو 8115 دولاراً).
لكن ما يثير الكثير من علامات الاستفهام هي الاتهامات للأجهزة الأمنية المحلية في المحافظات بمعرفة السماسرة الذين يتولون نقل الشباب الراغب في الهجرة إلى ليبيا عبر طرق معروفة جيدة تنتهي في مدينة السلوم عند الحدود الغربية ومنها إلى داخل الأراضي الليبية، حيث يتم استبقاؤهم لأيام قبل شحنهم على المراكب المتجهة نحو السواحل الأوروبية، بحسب أحد أقارب شاب سافر إلى إيطاليا بتلك الطريقة، تحدث لـ"العربي الجديد"، طالبا عدم ذكر اسمه والاكتفاء بالإشارة إليه باسم أمجد.
وقال إن "ابن شقيقه، تواصل مع سمسار بالقرية التي يسكن بها"، مؤكداً أن "هذا الشخص معروف جيداً للمباحث في البلدة"، مشدداً على أن "هذا السمسار يدفع عمولات لبعض أفراد الأمن لغض الطرف عنه". وأضاف أن "الأمر يصل حد خروج باصات تقل المهاجرين غير النظاميين من البلدة إلى نقاط محددة بالقرب من الحدود الليبية".
دبلوماسي أوروبي: برامج الدعم المالي لمصر تجاوزت المليار دولار في 6 سنوات
وكشف أمجد أن السمسار "حصل من نجل شقيقه على مائة ألف جنيه (نحو 3200 دولار)، كدفعة أولى، قام بعدها بتوجيهه إلى طريق السفر إلى ليبيا، وتسليمه إلى أحد الأشخاص عند الحدود الليبية التي تجاوزها عبر طريق غير رسمي"، موضحاً أنه "عند وصوله إلى ليبيا، اتصل نجل شقيقه بوالده ليدفع باقي المبلغ المتفق عليه للسمسار، حتى يتمكن من الصعود إلى المركب المتوجه إلى إيطاليا".
تعاون الاتحاد الأوروبي مع مصر
من جهته، أوضح دبلوماسي أوروبي في القاهرة، مطلع على تعاون الاتحاد الأوروبي مع مصر بشأن الحد من عمليات الهجرة غير النظامية، أن "دول الاتحاد الأوروبي قدّمت لمصر على مدار السنوات الست الماضية، دعماً كبيراً لمساعدة الحكومة المصرية على وقف مراكب الهجرة التي كانت تنطلق من السواحل المصرية"، مشيراً إلى أن "برامج الدعم المالي خلال تلك السنوات تجاوزت المليار دولار، التي اتخذت أشكالا متعددة".
وقال الدبلوماسي الذي تحدث لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، إنه "رغم الجهود الرسمية من الجانب المصري بشأن مواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية، إلا أن هناك ما يمكن تسميته حسن النوايا، والتقصير"، مضيفاً: "في حال غاب حسن النوايا، من الممكن تسميته بأمور أخرى، خصوصاً أن القاهرة لا تتوقف عن التلويح بملف الهجرة غير النظامية في حواراتها مع الحكومات الأوروبية للحصول على أوجه دعم مختلفة".