يأتي قرار مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، اليوم الإثنين، بتشكيل لجنة أمنية وعسكرية لهيكلة القوات المسلحة، في سياق المساعي لدمج كل الجهات الموالية للشرعية تحت قيادة واحدة، منعاً لأي خلافات مستقبلية بينها تؤدي إلى تشتت صف الشرعية. لكن هذه اللجنة ستكون أمام تحدي دمج الفصائل المسلحة، متعددة الأطياف والولاءات، من التي حاربت تحت صفوف الجيش، أو الانفصالية التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" أو قوات طارق صالح، في جبهة واحدة، علماً أن اشتباكات عديدة نشبت بين هذه الأطياف سابقاً. لكن المرحلة الحالية التي بدأت بتشكيل المجلس الرئاسي، بدفع من السعودية خصوصاً، تستدعي تصفية الخلافات في صفوف الشرعية لتوحيد الجبهة بمواجهة الحوثيين.
وأعلن مجلس القيادة الرئاسي، اليوم الإثنين، تشكيل لجنة أمنية وعسكرية مكونة من 59 فرداً لإعادة دمج وهيكلة القوات المسلحة اليمنية، بعد نقاشات لأكثر من شهر، والتي جاءت مع قرار تشكيل المجلس الرئاسي في شهر رمضان الماضي.
ووفق قرار المجلس، فإن تشكيل اللجنة يأتي وفق المادة الخامسة من إعلان نقل السلطة في رمضان الماضي، والتي تنص على تشكيل لجنة أمنية وعسكرية مشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار من خلال اعتماد السياسات التي من شأنها منع أي مواجهات مسلحة في كافة أنحاء الجمهورية، وتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات تحت هيكل قيادة وطنية موحدة في إطار سيادة القانون، وإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش، والأجهزة الأمنية، وأي مهام يراها المجلس لتعزيز الاستقرار والأمن.
وحسب وكالة "سبأ" الرسمية التابعة للحكومة الشرعية، فإن القرار جاء بعد لقاء ضم رئيس المجلس رشاد العليمي، ونوابه، وخرج بتوافق المجلس على تشكيل اللجنة برئاسة اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، على أن يكون اللواء الركن طاهر علي العقيلي نائباً له، والعميد ركن حسين الهيال عضواً مقرراً.
كما وافق مجلس القيادة الرئاسي على تشكيل لجنة لتقييم وإعادة هيكلة الأجهزة الاستخبارية، مؤكداً أهمية اضطلاع هذه اللجان بواجباتها في تحقيق الأمن والاستقرار، واعتماد السياسات الكفيلة بتكامل كافة القوات العسكرية والأمنية تحت قيادة وطنية موحدة، خدمة لمعركة استعادة الدولة وحماية مكاسب التوافق الوطني الراهن بإسناد من دول تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات.
وقال مصدر مقرب من رئاسة اللجنة المشكلة، لـ"العربي الجديد"، إن قيادة المجلس وصلت إلى إجماع حول الأسماء في اللجنة، وكلهم من العسكريين والأمنيين من كل الأطراف، من وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة ووزارة الداخلية والتشكيلات الاستخبارية العسكرية والأمنية، إلى جانب قيادات عسكرية وأمنية من "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وأخرى من القيادات الموالية للمقاومة الوطنية التابعة للعميد طارق صالح، إضافة إلى بعض قيادات من "ألوية العمالقة". ومن بين هؤلاء ممثلون عن جميع المحافظات والمناطق العسكرية في المناطق المحررة، بينهم أبرز القيادات والخبرات الأمنية والعسكرية.
وأكد المصدر أن "مهمة اللجنة واضحة وهي إنهاء الانقسام الحاصل وتوحيد الجهود وعدم تكرار خلافات الماضي، التي كانت تخدم مليشيات الحوثي، لذلك فإن المهمة العملية دمج جميع التشكيلات العسكرية لجميع الأطراف، بما يضمن مشاركة وتواجد الكل ضمن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية للجمهورية، لتكون تحت قيادة موحدة سيتم تحديد شكلها وآليتها لاحقاً من قبل هذه اللجنة".
ولكنه أكد أن هذه القيادة ستكون تحت سلطة وزارتي الدفاع والداخلية وهيئة الأركان العامة، وهذا يأتي بعد إعادة هيكلة هذه المؤسسات وكل القوات المدمجة وفقاً لأسس وطنية، وبحسب أحدث الأنظمة العسكرية والمهنية، بعد توحيدها وتوزيعها وإعادة تمركزها، وحتى التأهيل والتدريب، إضافة إلى ترتيب الجبهات، وفقاً لما ستخرج به اللجنة المشكّلة من حلول تحت إشراف قيادة المجلس الرئاسي وقيادة التحالف.
وأشار إلى أن هذا الأمر جاء بعد توافق جميع أعضاء مجلس القيادة، وحصل رئيس اللجنة المشكّلة اللواء هيثم قاسم طاهر، على إجماع كامل الأعضاء وهو أمر شجع على اختيار الأعضاء ونائب له.
من جهته، ذكر مصدر في قصر المعاشيق الرئاسي، لـ"العربي الجديد"، أن اللجنة ضمت داخلها كل الأطراف من دون استثناء، إذ بات الجميع مدركاً لأهمية اتخاذ هذه الخطوة التي جاءت بعد نقاشات طويلة وتدخلت فيها قيادات من التحالف. وشدد على أن رئيس المجلس رشاد العليمي يولي هذا الملف أهمية كبيرة حتى لا يكون سبباً في تشتيت الشرعية والموقف الوطني الموحد في هذا الوضع، فغير ذلك سيزيد من تعميق الأزمات والمشاكل التي قد تؤدي إلى الانهيار الشامل في المناطق المحررة، خصوصاً أن استمرار التوتر بين التشكيلات المنقسمة حسب الولاءات يتسبب في تعطيل الملفات الأخرى ويعيق التدخلات لإصلاحها، خصوصاً ملف الخدمات والاقتصاد.
يُذكر أن رئيس اللجنة اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، الذي ينحدر من منطقة ردفان التابعة لمحافظة لحج جنوب اليمن، هو أحد أبرز القيادات العسكرية الميدانية. كان رئيس الأركان العامة قبل الوحدة في الشطر الجنوبي، ويعد أول وزير دفاع يمني بعد توحيد شطري البلاد في العام 1990، واستمر بهذا المنصب حتى حرب صيف 1994 حين أطيح به بسبب موقفه الرافض للحرب ضد الجنوب. ثم حكم عليه بالإعدام إلى جانب قيادات جنوبية أخرى، وغادر البلاد لفترة، ثم عاد إليها بعد قرار نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بالعفو العام عن تلك القيادات. اعتكف طاهر في منزله لسنوات، ومنذ بداية الحرب الحالية عمل على تأسيس وحدات عسكرية ضمن المنطقة العسكرية الرابعة لمواجهة سيطرة قوات الحوثيين وصالح حينها لعدن ولحج. وقاد تلك القوات حتى أصبح أبرز القادة الميدانيين المواجهين للحوثيين في الساحل الغربي ويقود ألوية المشاة العسكرية حالياً، ويحظى بسمعة جيدة جنوباً وشمالاً. خلال الفترة الماضية حاول التزام الحياد تجاه الصراع داخل صفوف الشرعية، وركز جهوده على مواجهة الحوثيين وأصيب أكثر من مرة على جبهات القتال.