عادة لا تؤدي السياسة الخارجية الأميركية دوراً رئيسياً في السباق للفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية، مع بعض الاستثناءات كالحرب على العراق (دخل الأميركيون في 2003 ولم يخرجوا بعد) أو الحرب في فيتنام (دخل الأميركيون في 1961 وخرجوا في 1973) مثلاً. في العام الحالي، تبدو السياسة الخارجية مهمّشة في المناظرات أو اللقاءات الصحافية أكثر من أي وقت مضى، وإن حضرت على عجل، فإن المرشحَيْن، الرئيس دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، يتطرقان في الغالب إلى ملفات كإيران واتفاقات التطبيع الإسرائيلية الإماراتية والبحرينية والعلاقة مع الصين. لكنهما لا يذكران الحرب في اليمن أبداً. وهي حرب طاحنة مستمرة منذ أكثر من 6 سنوات، وتهدّد تبعاتها الملايين بالمجاعة. وتُقدّر الأمم المتحدة أن نحو 24 مليون يمني محتاج إلى نوع من أنواع المساعدات الإنسانية. مع العلم أنه ما كان لهذه الحرب أن تستمر كل هذه الفترة لولا الدعم الأميركي، ليس فقط في تصدير السلاح إلى دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، بل كذلك الدعم اللوجستي والاستخباراتي للعمليات العسكرية والحصار الاقتصادي. وما يغيب كذلك عن الحوار والأخبار أن الولايات المتحدة مستمرة بغاراتها في اليمن، ضمن ما تطلق عليه "مكافحة الإرهاب"، وتستخدم الضربات العسكرية الجوية بشكل أساسي، لاستهداف "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" والمسلحين المرتبطين بتنظيم"داعش"، بحسب تقارير أميركية. ويرجّح "مجلس العلاقات الخارجية"، وهو مؤسسة أبحاث أميركية مستقلة تقدم دراسات وقراءات لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، أنّ الولايات المتحدة نفذت عام 2016، نحو 35 غارة في اليمن؛ و130 في عام 2017، مودية بحياة العديد من المدنيين.
فوز بايدن في الانتخابات سيعني إعادة تقييم الدعم الأميركي لحرب اليمن
وتبدو مساعي الأمم المتحدة والمبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، على مفترق طرق، قبل التوصل إلى حل سياسي بين مختلف الأطراف واتفاق شامل ينهي الحرب. وهناك مخاوف جدية من استمرار النزاع في اليمن إلى أجل أطول، في ظل انتعاش اقتصاد الحرب، وهو ما حذر منه غريفيث خلال إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي. ولأن الدعم الأميركي خصوصاً، والغربي عموماً، يشكّل أمراً مفصلياً لاستمرار الحرب، فإن فوز بايدن في الانتخابات سيعني إعادة تقييم هذا الدعم، وربما حتى وقف بيع الأسلحة للسعودية، ومعها كذلك الدعم الاستخباراتي واللوجستي، بما فيها التدريب العسكري المتعلق بالحرب. هذا على الأقل ما وعد به المرشح الديمقراطي. وسبق له أن أشار إليه العام الماضي، حتى قبل فوزه بترشيح حزبه للرئاسة.
وبعد ترشيحه رسمياً من قبل حزبه، أعلنت حملة بايدن، وبشكل رسمي ضمن برنامجه الانتخابي، أنه سينهي دعم الولايات المتحدة لحرب السعودية في اليمن إذا انتُخب رئيساً. وجاء في بيان على صفحته الانتخابية حول برنامجه "سنعيد تقييم علاقتنا بالمملكة (السعودية)، وننهي الدعم الأميركي لحرب السعودية في اليمن، ونتأكد من أن أميركا لا تتنكر لقيمها من أجل بيع الأسلحة أو شراء النفط". مع العلم أن الكونغرس الأميركي يؤيد بشكل عام وقف الدعم العسكري للتحالف في اليمن وبيع الأسلحة، في ظل عدم الرغبة بانخراط أميركي أكبر في الحرب في اليمن، واستمرار دعم للسعودية والإمارات في هذا السياق. ويعود ذلك لأسباب عدة، من بينها الضغوط والانتقادات القوية والمستمرة من منظمات حقوق إنسان أميركية ودولية، للدور الأميركي وخروق حقوق الإنسان ومقتل المدنيين بشكل متواصل في غارات التحالف. كما ينتقد هؤلاء الحصار الاقتصادي وتحول اليمن منذ سنوات ضحية شبح المجاعة، الذي يهدد حياة الملايين من الأطفال والنساء والرجال. مع العلم أنه سقط في الحرب حتى الآن أكثر من 100 ألف قتيل، فضلاً عن نزوح أكثر من 4 ملايين يمني.
لكن من غير الواضح إلى أي مدى سيطبق بايدن هذه الوعود، خصوصاً أن الدعم الأميركي لهذه الحرب لم يبدأ مع ترامب، بل تحت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان بايدن نائبه. غير أن الثابت هو أن الاستمرار العبثي للحرب ودعم التحالف الإماراتي السعودي، الذي لم يتمكن من تحقيق انتصارات على الأرض، يُحرج واشنطن ويثير الكثير من التساؤلات. ما يعني أن إدارة بايدن قد تضغط على الجانبين السعودي والإماراتي لوقف الحرب أو التوصل إلى وقف إطلاق النار وحل سياسي.
أما انتصار ترامب فلن يعني استمرار الدعم الأميركي بكل مكوناته للحرب فحسب، بل كذلك العودة إلى الخلف في المحادثات في ظلّ مسار سياسي يشهد تقدماً بطيئاً في أفضل الأحوال. فإضافة إلى الدعم العسكري واللوجستي والاستخباراتي الذي تقدمه إدارة ترامب للتحالف السعودي الإماراتي، تتم دراسة إمكانية وضع الحوثيين، أو أفراد بارزين في قيادتهم، على قائمة العقوبات، وتصنيف الجماعة "تنظيماً إرهابياً أجنبياً"، أو تصنيف عدد من قادتها على قائمة الإرهاب الأميركية، بحسب تسريبات وتقارير صدرت نهاية الشهر الماضي عن صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية. وبالتالي فإن أي خطوة من هذا القبيل، مهما يكن الموقف من الخروقات التي يقوم بها الحوثيون على الأرض، تشكّل تهديداً بنسف المسار السياسي برمته، ومن المتوقع أن تطيل أمد الحرب. هذا ما خلص إليه تقرير لمؤسسة "مجموعة الأزمات" وهي مؤسسة أميركية مستقلة تقوم بدراسات وأبحاث حول النزاعات والحروب والأزمات حول العالم. وأشار تقريرها في هذا الصدد إلى أنه "عندما تصنّف واشنطن مجموعة بوصفها منظمة إرهابية أجنبية، فإنها تجعل الدعم المادي لتلك المجموعة جريمة، وتجمّد أصولها وتحظر على أعضائها دخول الولايات المتحدة. وتبعات تصنيف شخص على ذلك النحو مشابهة لكنها أقل ضرراً بقليل. وعلى الرغم من أن هناك معايير تقنية للتصنيف، يقول المسؤولون إنها تنطبق على الحوثيين بشكل كبير، فإن القرار بتسمية مجموعة أو فرد هو في المحصلة قرار سياسي، ومن الصعب جداً عكسه".
وضع الحوثيين على قائمة الإرهاب الأميركية لن يفيد واشنطن
وخلصت المؤسسة بعد الحديث مع عدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية وخارجها، إلى الاعتبار بأن هذا الأمر يأتي ضمن سياسة ترامب وصقور الحرب في إدارته، بممارسة "أقصى درجات الضغط" على طهران. وذكرت المؤسسة أن هذا النقاش داخل الإدارة الأميركية يأتي بعد طلب سعودي إماراتي مباشر حول الموضوع. وذكر المختصون أن تلك الخطوة، أي تصنيف جماعة الحوثي أو قادتهم على قائمة الإرهاب، لن تفيد الولايات المتحدة كثيراً، لأنها لا تملك نفوذاً عليهم ولا موارد لدعمها. ما سيعقد الأمور على الأرض ويجعل الجماعة تبتعد عن الانخراط الفعلي للتوصل إلى حل سياسي ووقف للحرب، لأن وضعها على قائمة من هذا القبيل يعني إضعاف موقفها في المفاوضات السياسية، ويسحب البساط من تحتها للحصول على شرعية كجزء من المعادلة اليمنية السياسية.
ويتوقع هؤلاء أن تؤدي خطوة من هذا القبيل إلى نتائج عكسية، أي لتقارب أكبر بين إيران والحوثيين بدلاً من أن تشكل ورقة ضغط حقيقية على الجانب الحوثي أو إيران. فسياسات إدارة ترامب لمحاصرة إيران والضغط عليها أدت إلى تقوية الأخيرة لنفوذها في المنطقة بدلاً من الحدّ منه على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها. لكن الأهم في هذا السياق هنا، أن الضحية في نهاية المطاف هم ملايين اليمنيين الذين يعانون الأمرّين، ليس فقط نتيجة حرب داخلية بل كذلك بسبب الحرب بالوكالة والتدخلات الإقليمية والخارجية التي تمارسها دول المنطقة ودول أجنبية على أرضهم، إضافة للصراع الداخلي الذي تزكيه هذه التدخلات. الانتخابات الأميركية بقدر ما هي مهمة للناخب الأميركي فإن أهميتها لعدد من الملفات في المنطقة بما فيها الملف اليمني لا يستهان بها.