بشكل مفاجئ، ولأول مرة منذ العام 2006، وقبل أربعة أسابيع فقط من موعد الانتخابات البرلمانية العامة في ألمانيا، احتّل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الصدارة، وبات يعد أقوى قوة سياسية، بعدما اكتسب نقطتين مئويتين خلال الأسبوع الماضي، ونال 23 في المائة، أزاح فيها، عن المركز الأول الاتحاد المسيحي، الذي نال 22 بالمائة من الأصوات، وفق استطلاع الرأي.
ونتائج هذا الاستطلاع أبرزها معهد فورسا، مبيناً كذلك أن حزب الخضر لم ينل سوى 18 في المائة من الأصوات.
وأمام "الصعود الصامت" للاشتراكي عاد الحديث عن ثلاثة تحالفات ممكنة تحت قيادة الاشتراكي العريق، خاصة في ظل ثبات أرقام باقي الأحزاب الأخرى، إذ نال اليسار 6 في المائة، والليبرالي الحر 12 بالمائة من الأصوات، في حين نال حزب اليمين الشعبوي "البديل من أجل ألمانيا" 10 بالمائة من الأصوات.
ووفق هذا الاستطلاع، الذي أعاد الاشتراكي إلى صدارة المشهد الانتخابي بعد 15 عاماً، حيث كان يستحوذ حينها على 32 في المائة من الأصوات؛ فإن هناك أسبابا عديدة كرست هذا التطور اللافت في أدائه وأداء مرشحه لمنصب، نائب المستشارة ووزير المالية الاتحادي أولاف شولتس، توزاياً مع تراكم الأخطاء التي يرتكبها مرشح حزب ميركل المسيحي الديمقراطي، رئيس وزراء ولاية شمال الراين فستفاليا المرشح أرمين لاشيت.
وفي السياق، أبرزت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية أنه "يبدو أن شولتس مؤمن بنفسه وبنظامه الاشتراكي لدرجة العناد"، وهو الذي قال: "فقط أولئك الشجعان يمكنهم إقناع الآخرين بأنفسهم، أنا مقتنع تماماً بذلك، ونحن بحاجة إلى الاشتراكي الشجاع".
كما أبرزت الشبكة الإخبارية أن عناصر الشغب داخل الاشتراكي اختفت، مبينة أنه "يوجد خلاف وليس هناك من كلمة سيئة ولا أخطاء".
وأضافت أنه "من الواضح أن المرشح شولتس لديه الخطط ويمكنه التخطيط، وهو ما جعل نسبة التأييد الشعبي له ترتفع، وحصل بالتالي على 51 بالمائة من الأصوات، أمام كل من لاشيت (29%)، والذي على ما يبدو أن زملاءه في حزبه لا يؤمنون بنجاحه، ومرشحة حزب الخضر أنالينا بيربوك (33%)، التي تثار الشكوك حول ما إذا كانت الشخص المناسب في المستشارية مع افتقادها للخبرة الوزارية".
علاوة على ذلك، فإن شولتس، بحسب الشبكة الإخبارية، يستفيد من ضعف الآخرين، كما من الدعم والمساعدات المادية التي تم إقرارها لمساندة العديد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية في البلاد خلال جائحة كورونا التي بدأت تؤتي بثمارها، ناهيك عن الكوارث الطبيعية التي أصابت جنوب البلاد، وتحول الجداول إلى أنهار هذا الصيف مع الهطول الغزير للأمطار التي كبدت المواطنين خسائر بأرزاقهم وممتلكاتهم تقدر بمليارات اليوروهات، ما دفع المواطنين إلى توجيه الانتقادات للحكومة لتقصيرها في تقديم الدعم المطلوب.
كما أبرزت شبكة "إيه آر دي" أن إنهاء مهمة الجيش الألماني الكارثية في أفغانستان، والتي قد نتجت عنها موجات لجوء جديدة، فضلاً عن الموجة الرابعة من وباء كورونا التي تترقبها البلاد مع انتهاء عطلة الصيف والعودة إلى المدارس، مع تقديم الطروحات الانتخابية الجدية للاشتراكي حول رفع الحد الأدنى للأجور وتشييد الآلاف من المساكن والشقق لتغطية النقص الحاصل، وبالتالي الحد من ارتفاع أسعار الإيجارات، رفعت من شعبية الحزب.
ومع نتائج استطلاع فورسا، أشارت صحيفة "تاغس شبيغل" إلى أن الأمر سينتقل إلى البوندستاغ والانتخابات المقبلة بمعدل 775 نائباً، أي بزيادة 66 نائباً عن انتخابات العام 2017، وستتوزع المقاعد على الاشتراكي بحوالي 195 مقعداً، والخضر بحوالي 152 مقعداً، أما الاتحاد المسيحي فسينال 190 مقعداً، والليبرالي الحر 102، وحزب اليسار 51 مقعداً، فيما الحزب اليميني الشعبوي "البديل من أجل ألمانيا" فقد يحصد 85 مقعداً، ليبقى أقوى حزب معارض في البوندستاغ، وأقل بـ9 مقاعد عن الانتخابات الماضية.
وعليه سيخسر الاتحاد المسيحي 56 مقعداً، وسيزيد عدد نواب كل من الاشتراكي حوالي 42 نائباً، والخضر 85 نائباً، ولليبرالي الحر 22 نائباً.
وفي ترجمة لهذه الأرقام، ستتمتع أربع تحالفات من ثلاثة أحزاب أساسية بأغلبية قابلة للحكم، بما في ذلك ثلاثة منها تحت قيادة المستشار الاتحادي المحتمل الاشتراكي شولتس، وهي "ائتلاف ألمانيا"، ويضم الحزب الاشتراكي والاتحاد المسيحي والليبرالي الحر. أما الثاني فـ"إشارات المرور"، أي الاشتراكي والخضر والليبرالي الحر، فيما الخيار الثالث هو ائتلاف "جامايكا" (ألوان العلم الجامايكي)، ويضم الاتحاد المسيحي والخضر والليبرالي الحر، وأخيراً التحالف الرابع، ويضم الاشتراكي واليسار والخضر.