يتوجه الناخب الباكستاني اليوم الخميس إلى صناديق الاقتراع لاختيار نواب المجلس التشريعي وأعضاء البرلمانات الإقليمية، والتي سيتم على أثر صدور نتائجها تشكيل حكومة مركزية وحكومات إقليمية جديدة.
وتسود حالة من اليأس بين المواطنين بفعل تزايد التوترات الأمنية من جهة، وتصاعد عمليات القمع في حقّ أنصار حزب "حركة الإنصاف" وزعيمه عمران خان الذي يقبع في السجن وتلاحقه الأحكام المتتالية.
ودفعت هذه التطورات مراقبي مجريات الساحة السياسية الباكستانية للقول إن الانتخابات الحالية هي الأسوأ في تاريخ باكستان، مؤكدين أن ما حصل قبل الانتخابات، سواء على الساحة السياسية أو في الصدام بين مؤسسات الدولة، قد يزيد معاناة الباكستانيين أكثر ويضع الحكومة المقبلة، التي ستعمل تحت إشراف المؤسسة العسكرية، على مفترق طرق وسط خيارات صعبة للغاية.
ويدلي الناخب الباكستاني في آن واحد بصوتين، لانتخاب أعضاء المجلس التشريعي (البرلمان)، وآخر لانتخاب أعضاء المجالس المحلية التي تسمى محلياً بالبرلمانات الإقليمية الخمسة هي البنجاب، والسند، وخيبربختونخوا، وبلوشستان، وجلجت بلتستان. وتلك المجالس المحلية تقوم بانتخابات الحكومات المحلية، ولها دور في انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ ورئيس البلاد.
وتجرى الانتخابات التشريعية والمحلية في باكستان وفق قانون الانتخابات لعام 2017، فيما تتوزع مقاعد البرلمان والمجالس المحلية وفق الكثافة السكانية. ويصل عدد المقاعد في البرلمان إلى 372، بينها 60 مخصصة للنساء، وعشرة مقاعد مخصصة لغير المسلمين، بينما عدد الناخبين يصل إلى 106 ملايين شخص.
لكن الأحزاب الرئيسية التي تشارك في الانتخابات، هي الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف، الذي يعتبر وفق مراقبين الأوفر حظاً في هذه الانتخابات. كذلك من الأحزاب الرئيسية، الشعب الباكستاني بزعامة الرئيس الأسبق أصف علي زرداري.
وعلى الرغم من منع حزب عمران خان "حركة الإنصاف" من المشاركة في الانتخابات الباكستانية بسبب سحب الأهلية عنه وقضايا يواجهها في المحاكم وتجريده من رمزه الانتخابي، إلا أن جميع مرشحيه يشاركون في الانتخابات بشكل مستقل، فيما سيحرم من المقاعد الخاصة التي توزع على الأحزاب، وفق حظها من الانتخابات.
وقبيل انطلاق اقتراع اليوم كانت لجنة الانتخابات تعلن في بيانات متتالية بشكل يومي قبل إجراء عملية الاقتراع أنه تم اتخاذ كل الإجراءات من أجل تأمين العملية الانتخابية، التي ستكون سلسة، بحسب وصفها، في المدن الرئيسية، خصوصاً في الأقاليم الثلاثة التي ينصبّ الرهان عليها في ما يتعلق بتشكيل الحكومة العتيدة.
والأقاليم هي: إقليم البنجاب، وإقليم السند، وإقليم جلجت بلتستان. وذكرت اللجنة أن الأوضاع الأمنية سيئة للغاية في إقليم بلوشستان، إذ إن أكثر من 60 في المائة من مراكز الاقتراع منتشرة في مناطق معرضة لأعمال العنف، وقد وصفتها اللجنة بـ"مراكز الاقتراع الحساسة". كذلك ينطبق التوتر الأمني على بعض مناطق إقليم خيبربختونخوا. ويحاذي إقليما خيبربختونخوا وبلوشستان الحدود مع أفغانستان.
تدهور أمني عشية الانتخابات الباكستانية
وفي مؤشر على التدهور الأمني، قُتل 35 شخصاً على الأقلّ، وأُصيب العشرات، في انفجارين استهدفا مكاتب انتخابات في إقليم بلوشستان، أمس الأربعاء. ووقع الانفجار الأول في منطقة بشين في مكتب انتخابي للمرشح المستقل للبرلمان الإقليمي في بلوشستان، أسفنديار كاكر، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات.
وبعد دقائق من الانفجار الأول وقع انفجار ثان في مكتب انتخابي تابع للمرشح للبرلمان المركزي، عن جمعية علماء الإسلام، المولوي عبد الواسع، ما أدى أيضاً إلى مقتل وإصابة العديد. ووقع الانفجار قبل وصول عبد الواسع إلى المكتب. وبينما أكدت الحكومة المحلية في إقليم بلوشستان، في بيان مقتضب، أن الانفجارين أسفرا عن مقتل 27 شخصاً وإصابة أكثر من 45 آخرين بجروح، أكدت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" أن الانفجارين أسفرا عن مقتل أكثر من 35 شخصاً، وإصابة عشرات آخرين.
رسالة من خان لأنصاره: امكثوا قرب مراكز الاقتراع
وكان المحلل الأمني العميد المتقاعد ممتاز أشرف، قد اعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الأمني أضرّ كثيراً ببعض الأحزاب، خصوصاً حزب عمران خان، موضحاً أن النتائج ستتأثر بالوضع الأمني، وستصب في صالح بعض الأحزاب، تحديداً حزب "الرابطة جناح نواز شريف" وحزب الشعب، لتمتعهما بالنفوذ في أقاليم البنجاب والسند وجلجت بلتستان، فضلاً عن مدينتي بيشاور وكويتا، اللتين تمتازان بوضع أمني أفضل.
ورأى أن حزب عمران خان وبعض الأحزاب القومية والدينية ستتأثر أكثر جراء الوضع الأمني، خصوصاً أن قواعدها متغلغلة في أوساط القبائل البشتونية والبلوشية، التي قد يعتكف أنصارها إلى التوجه لصناديق الاقتراع بسبب الوضع الأمني المتردي.
وأوضح الرجل أن المواطن لا يرغب في الخروج إلى مراكز الاقتراع لأسباب عديدة أهمها: ما تقوم به الإدارات ومؤسسات الدولة من دعم حزب وقمع آخر، والأمر ملاحظ علناً، وكذلك الخوف من الهجمات وأعمال العنف.
وسبق للجنة الانتخابات أن أكدت أنها بدأت بالاستماع إلى شكاوى المواطنين على مدار الساعة، قبل عملية الاقتراع وأثناءها وبعدها من خلال خط ساخن عبر الواتساب، مشيرة إلى أن هناك غرفة مراقبة مركزية وغرف مراقبة إقليمية، بعضها في المدن وأخرى في مناطق ريفية. وكان رئيس إدارة المراقبة في اللجنة، هارون شينواري، قد شدّد خلال مؤتمر صحافي، الاثنين الماضي، على أن اللجنة مصممة على منح المواطن حق الاقتراع بشكل سلس، وساعية لإزالة كل العوائق التي تمنعه من الاقتراع.
لكن شينواري تغاضى عن الإجابة عن أي سؤال بشأن عمليات الاعتقال والقمع في حق أنصار حزب عمران خان، تحديداً مع اشتداد هذه الحملة قبال الاقتراع، في مقابل السماح لكل الأحزاب في العمل بحرية في حملتها الانتخابية. مع العلم أنصار خان يخوضون الانتخابات الباكستانية بشكل مستقل وليس باسم الحزب الممنوع من الترشح وجُرّد من رمزه الانتخابي بحكم قضائي.
ويؤكد موقف شينواري استمرار الصراع بين حزب خان ومؤسسات الدولة، وعلى رأسها لجنتا الانتخابات والأمن. واتخذت لجنة الانتخابات إجراءات ضد قيادات وأنصار خان لمنعهم من المشاركة في الانتخابات، بينما تقوم لجنة بإبعاد أنصار خان من المشهد تماماً.
ويومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، واصلت الحكومة ملاحقة قيادات حزب خان، ورفعت العديد من الدعاوى ضد كل من ياسمين راشد وإعجاز الحسن ومحمود الرشيد، وعدد كبير من القيادات من الصفين الثاني والثالث وحتى الرابع وكل من ينشط في عملية الانتخابات، في صفوف حزب خان.
ممتاز أشرف: قد يُسهم التردي الأمني في فوز نواز شريف
وحول هذه الاعتقالات، قال رئيس الوزراء الباكستاني أنوار الحق كاكر، الاثنين الماضي، إن ملاحقة بعض الناس، خصوصاً قيادات حزب خان صحيحة، وربما هناك اعتداءات، ولكن هذا عمل الحكومات المحلية لا المركزية. ودعا المعنيين إلى رفع الدعاوى ضد أي خروقات تحصل بحق أي قيادي في حزب خان أو أي حزب آخر إلى الإدارات المعنية.
رسالة خان عشية الانتخابات الباكستانية
غير أن خان، المسجون، حضّ أنصاره أمس الأربعاء، على الانتظار خارج مراكز الاقتراع بعد الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات. وقال خان عبر صفحته على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، مصحوبة بصورة غير مؤرخة تظهره وهو يرتدي ملابس سوداء: "شجعوا أكبر عدد ممكن من الأشخاص على التصويت وانتظروا عند مراكز الاقتراع... ثم امكثوا بشكل سلمي خارج مكتب مسؤول الانتخابات حتى إعلان النتائج النهائية".
ولم يتضح مكان التقاط الصورة، وهي الأولى لخان منذ أشهر. وفي السابق، نشر أنصار خان رسائله على نطاق واسع، بما في ذلك من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لتحويل الملاحظات التي نقلها عبر المحامين أثناء زيارات السجن إلى خطب مطولة.
وقد يثير أي تجمع واسع النطاق لمؤيدي خان بالقرب من مراكز الاقتراع توتراً، في ظل ما يقولون إنها حملة مدعومة من الجيش ضده وضد حزبه فيما ينفي الجيش التدخل في السياسة.
وواصل حزب "حركة الإنصاف" استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تنشيط أنصاره، كما حاول عبر المحاكم الإفراج عن بعض قياداتهم، وبذل محاولات حثيثة من أجل التنسيق بين المرشحين.
وحول ذلك، قال زعيم الحزب، جوهر علي خان، السبت الماضي، إن الحزب لديه خطة لمرحلة ما بعد الانتخابات الباكستانية من دون الإفصاح عنها، ولكن مراقبين أعربوا عن اعتقادهم أن حزب خان يسعى لإيجاد تحالف مع بعض الأحزاب، بعد الانتخابات، لكن الأمر مرهون بالنتائج.
سيد كريم راجا: ما يواجهه عمران خان وحزبه سببه تجاوزه كل الخطوط الحمراء
من جهته، يعتبر الناشط الباكستاني، الزعيم القبلي في مدينة بيشاور، نيك محمد خان، أن ما تقوم به حكومة تصريف الأعمال ولجنة الانتخابات ليس سوى ذرّ للرماد في العيون، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنهم، أي أنصار عمران خان، "نؤيد المرشحين من حزبنا وهم يخوضون الانتخابات بشكل مستقل، لأن السلطات منعتنا من القيام بأي عمل أو نشاط".
ويكشف أن "هناك إغراءات لكل من له نفوذ في القبائل وفي الأوساط الشعبية، للتخلي عن خان وحزبه، ورجال الاستخبارات والأمن يحثون الناس على عدم المشاركة في الحملات الانتخابية لعمران خان، في المقابل نرى أن الإمكانات والوسائل متاحة من قبل الحكومة لصالح نواز شريف".
ويضيف محمد خان، أن "حديث لجنة الانتخابات وحكومة تصريف الأعمال عن نزاهة العملية الانتخابية وإتاحة الفرصة لجميع الأحزاب، مثيرة للسخرية ليس أكثر، نحن نقول إن حملة الانتخابات كانت تحت مراقبة الأمن والاستخبارات، وهي ساعدت أن تكون في صالح حزب على حساب حزب آخر، بدعوى أن حزب خان يعمل لصالح الأجندات الأجنبية، وأما حزب نواز شريف فيعمل لمصلحة البلاد".
ويرى أن الأمر "مهزلة لا أكثر، وأن كل ما يحصل هو تغير السلطة من حكومة تصريف الأعمال التي شكلتها المؤسسة العسكرية، إلى حكومة ثانية ستسعى لإرضاء المؤسسة العسكرية كي لا تطيح بها كما فعلت في حكومة عمران خان".
من جهته، يوضح الإعلامي الباكستاني يونس محمود، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد الإطاحة بعمران خان، الذي حاول أن تكون لباكستان سياسة خارجية مستقلة خاصة مع دول المنطقة كإيران والصين وأفغانستان وروسيا، وأن تقوم الأحزاب السياسية وممثلو الشعب بإدارة الشؤون السياسية وليس الجيش، وأن تُقلّص ميزانية الجيش، كل هذا جعل المؤسسة العسكرية تتحرك ضده".
ويعتبر أن "بعد ذلك كل ما يجري في البلاد يديره الجيش بشكل ممنهج، هو الذي جاء بأنوار الحق كاكر ليكون رئيساً للوزراء، وبسبب سياساته وتصريحاته نرى الفجوة الكبيرة في العلاقات مع أفغانستان، وهو الذي سيدير نتائج الانتخابات الباكستانية ويختار رئيساً للحكومة المقبلة".
ويضيف محمود أن "المؤسسة العسكرية ستأتي بحزب مقرّب منها إلى السلطة، ولكني أعتقد أن ما بعد الانتخابات لن يكون كما قبلها. ففي حال لم يتجه الناس إلى صناديق الاقتراع، حينها لن تحظى الانتخابات بمصداقية، أما إذا اقترعوا فلن تكون النتائج كما تتطلع إليها المؤسسة العسكرية، ما سيدفع لجنة الانتخابات، ومن خلفها الجيش، إلى التزوير أو تعطيل النتائج، وتلك كلها ستخلق أزمة كبيرة في البلاد".
يونس محمود: كل ما يجري في البلاد يديره الجيش بشكل ممنهج
لكن للإعلامي سيد كريم راجا، رأياً مغايراً، إذ يرى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن ما يواجهه عمران خان وحزبه بسبب سياساته، تمّ بسبب تجاوزه كل الخطوط الحمراء، وما يحدث في حق خان وأنصاره يحصل وفق قرارات قضائية، لكن كريم راجا لا يرفض أن تدعم المؤسسة العسكرية نواز شريف، إذ "لا خيار سوى ذلك في هذا الوقت العصيب، التي تحتاج فيه باكستان إلى قيادة رشيدة تخرج البلاد من المأزق".
فوز "شبه مؤكد" لنواز شريف
وفي حين يؤكد حزب "الرابطة جناح نواز شريف" أن فوزه بالانتخابات أمر شبه مؤكد، يؤكد كل معارضي شريف أن صنّاع القرار الحقيقيين في البلاد، الجيش والاستخبارات، يعملون لصالح شريف ومن أجل فوزه.
في السياق، قال مرشح حزب الشعب الباكستاني، لمنصب رئيس الوزراء بلاول بوتو، الأحد الماضي، إن "هناك مدللا واحدا من قبل مؤسسات الدولة وهو نواز شريف، مرشح حزب الرابطة لمنصب رئيس الوزراء، ولكن ليعلم الجميع أن أي تلاعب بنتائج الانتخابات الباكستانية لمصلحة هذا الرجل أو غيره، سيدفع البلاد نحو أتون مصائب كبيرة"، محذراً من مغبة التزوير.
وعاد بوتو ليوضح أول من أمس الثلاثاء، أنه في حال حاولت "مؤسسات الدولة تغيير النتائج وقلبها لمصلحة شخص واحد، فستعلم أن حزب الشعب لن يصمت، وسترى هذه المؤسسات ردود أفعال أقوى مما قامت به بحق عمران خان"، متهماً من يدعم نواز شريف بـ"العمل على تفكيك المؤسسات علماً أن انقسامها أمر خطير للغاية".
ومعروف أن حزبي الشعب والرابطة كانا من أبرز أعضاء التحالف من أجل الديمقراطية، الذي أسقط حكومة عمران خان وشكل حكومة شهباز شريف، وكان بلاول بوتو وزير خارجيته، غير أن التحالف لم يعد قائماً بعد تفكيك التحالف من أجل الديمقراطية، رغم استمرار التفاهمات بين حزب الرابطة وجمعية علماء الإسلام بزعامة المولوي فضل الرحمن، والحركة القومية الوطنية، التي تتمتع بنفوذ قوي في السند الجنوبي.