استمع إلى الملخص
- "التحالف الديمقراطي"، أكبر أحزاب المعارضة، يسعى لاستغلال تراجع شعبية الحزب الحاكم، وسط تحذيرات من تحالفات محتملة بين الحزب الحاكم والأحزاب الماركسية، مما يثير قلق النخبة البيضاء وأرباب الأعمال.
- الغضب الشعبي بسبب البطالة، تقنين الكهرباء، والفساد يهدد بإنهاء سيطرة المؤتمر الوطني الأفريقي، مع استطلاعات تشير إلى تراجع كبير في دعمه، مما يضع جنوب أفريقيا على أعتاب مرحلة جديدة من التحديات السياسية.
يتوجه الناخبون في جنوب أفريقيا، غداً الأربعاء، للتصويت في انتخابات تشريعية، قد تشهد عدم تمكن الحزب الحاكم، المؤتمر الوطني الأفريقي، من الحصول على الأغلبية في البرلمان، وذلك للمرة الأولى منذ انتهاء نظام الفصل العنصري في هذا البلد، الواقع في أقصى جنوب القارة الأفريقية، وإجرائه أول انتخابات بعد سقوط الأبارتهايد في عام 1994. وتقف أسباب كثيرة وراء تراجع حزب الزعيم الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا، كما تشير استطلاعات الرأي حول انتخابات جنوب أفريقيا التي ظلّت تتوالى حتى أول من أمس الأحد، مع انتهاء الحملات الانتخابية، علماً أن الاقتراع المبكر بدأ أمس الاثنين للموظفين الانتخابيين وذوي الاحتياجات الخاصة.
قد يكون المؤتمر الوطني مضطراً للتحالف مع أحزاب صغيرة
وبينما يضغط لوبي الأعمال وأكبر أحزاب المعارضة، "التحالف الديمقراطي"، لتحقيق اختراق تاريخي في انتخابات جنوب أفريقيا المقرّرة غداً، وإمكانية تشكيل حكومة، يقف الحزب الحاكم على مفترق طرق، وسط تململ شعبي من أدائه الاقتصادي، حيث سيكون عليه للمرة الأولى، ربما، البحث عن شريك حكومي من بين أحزاب صغيرة، أبرزها الماركسيون الذين تهوّل المعارضة من احتمال فوزهم بحصّة في السلطة. ووسط هذا التجاذب، لا يحسم خبراء ما ستكون عليه الأرقام بعد يوم الاقتراع، مؤكدين أن الحزب الحاكم لن يتخطى في كل الأحوال نسبة 50 في المائة، ما سيشكّل صفعة تاريخية له. علماً أن أي تراجع كبير لحزب المؤتمر الأفريقي غداً قد يشكّل خطراً على رئاسة زعيمه سيريل رامافوزا البلاد، ويضع الحزب أيضاً أسير اشتراطات الأحزاب الصغيرة من اليسار الراديكالي.
انتخابات جنوب أفريقيا تختبر الغضب الشعبي
ويتوجه الناخبون في جنوب أفريقيا، غداً الأربعاء، إلى صناديق الاقتراع، للتصويت في انتخابات تشريعية وبلدية من المتوقع بحسب استطلاعات الرأي أن تعكس سخطهم بسبب جملة أمور متراكمة، عزّزت عدم رضاهم من الحزب الحاكم. ويهدّد تقنين الكهرباء، ونسبة البطالة المرتفعة جداً (وصلت إلى 32 في المائة العام الماضي)، والفساد المستشري، فضلاً عن بقاء الفجوات الاقتصادية الواسعة بين المواطنين، بانتهاء عهد سيطرة المؤتمر الوطني الأفريقي من دون منازع، بعد 40 عاماً من وصوله إلى السلطة مع مانديلا. ومن أسباب الغضب الشعبي أيضاً، ارتفاع معدل الجريمة، مع عدد من الجرائم السياسية كذلك التي ارتفعت قبيل انتخابات جنوب أفريقيا. وفي هذا السياق، يحضر ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست، في تقرير لها أمس، من أنه سُجلت 40 عملية اغتيال سياسية في جنوب أفريقيا منذ بداية العام الماضي، طاولت مسؤولين محليين وسياسيين وناشطين.
وسيصوّت حوالي 28 مليون ناخب في انتخابات جنوب أفريقيا غداً، وهي السابعة منذ عام 1994. وتشير معظم الاستطلاعات إلى أن حزب المؤتمر الوطني (يرأسه حالياً رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا) لن يحصل على نسبة 50 في المائة وما فوق التي اعتاد عليها منذ 3 عقود، بل إن بعضها لم يعطه أكثر من 40 في المائة، مقارنة مع 57.5 في المائة في 2019. وإذا ما تحقّق مثل هذا السيناريو، فإن المؤتمر الوطني الأفريقي سيكون مضطراً للتحالف مع أحزاب صغيرة، ما يجعل قيادة رامافوزا في وضع حسّاس. رغم ذلك، وبحسب ما نشرته وكالة رويترز أمس، فإن أحد الاستطلاعات الذي أجرته شركة "أفروباروميتير"، ونشرت نتائجه الأسبوع الماضي، أظهر أن ثلث الناخبين المفترضين لم يحسموا أمرهم بعد ووجهة تصويتهم.
وتعليقاً على ذلك، تتوقع الباحثة السياسية في جامعة ويتووتيرزراند في جوهانسبرغ نيكول بيردزوورث، في حديث لـ"رويترز"، أن يصاب الحزب الحاكم بانتكاسة إثر الانتخابات، ولكن من دون سقوط قوي، لا سيما بعدما مرّر رامافوزا، خلال شهر مايو/أيار الحالي، إجراءات شعبية مثل قانون التأمين الصحي الوطني، كما اقترح منح هبة على الدخل الأساسي. إلا أنها تستبعد حصول حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على أعلى من 50 في المائة، مؤكدة أنه سيكون على قادة الحزب "التفاوض لتشكيل ائتلاف حكومي، لكن مع من؟ هذا يعتمد على نسبة التأييد التي سيحصلون عليها".
ويواجه حزب المؤتمر الشعبي الأفريقي غضباً شعبياً مع توالي فضائح الفساد التي دفعت الحزب إلى بدء إجراءات قانونية ضد شخصيات قيادية عدة من داخله، أبرزهم الرئيس الجنوب أفريقي السابق جاكوب زوما، الذي أدين بالكسب غير المشروع، فيما قدّمت رئيسة البرلمان عن الحزب نوسيفيوي مابيسا – نكوكولا استقالتها في شهر إبريل/نيسان الماضي، بعد ملاحقتها جنائياً بتهمة تلقي رشى حين كانت في منصب وزيرة الدفاع (2012 – 2021). وكان زوما أسّس حزباً صغيراً، أومكونتو وي سيزوي، بإمكانه سرقة أصوات من حزب المؤتمر في منطقة زولو الشرقية، كما بإمكانه إثارة الشارع إذا لم ترض النتائج قاعدته، في استعادة لمشهد غضب أنصار زوما ونزولهم إلى الشارع، عندما حكم عليه بالسجن في عام 2021، بتهمة ازدراء المحكمة.
تحذّر المعارضة من "يوم القيامة" إذا ما تحالف الحزب الحاكم مع الماركسيين
رهان المعارضة
وفي كل الأحوال، يتحضر حزب مانديلا لخسارة معيّنة، قد تعني، إذا كانت كبيرة، أنه سيكون عليه ربما التحالف مع حزب مقاتلي الحرية الاقتصادية الماركسي (إي إف إف)، وهي فرضية جعلت أرباب الأعمال والنخبة البيضاء ترفع الصوت عالياً تحذيراً من امتيازات قد تفقدها إذا ما وصل الماركسيون إلى السلطة، وهو ما يستغله أكبر أحزاب المعارضة، "التحالف الديمقراطي" وزعيمه جون ستينهويسن، الذي يروّج لحصيلة عمل جيّدة في معقله بمنطقة كيب الغربية، وهي المقاطعة الوحيدة في البلاد التي لا يسيطر عليها الحزب الحاكم، ويحذّر من "يوم القيامة" إذا ما تحالف الحزب الحاكم مع الماركسيين.
ولكن بحسب "رويترز"، فإن ستينهويسن لم ينف بشكل قاطع إمكانية قبوله صفقة مع حزب المؤتمر الوطني، بعد الانتخابات، لتشكيل حكومة، وذلك شرط إبقاء الماركسيين وحزب زوما بعيداً عن السلطة. وفي مقابلة مع "رويترز،" أجريت معه في مارس/آذار الماضي، قال: "الأمر كلّه يعتمد على ما ستفرزه الانتخابات".
ولطالما سعى "التحالف الديمقراطي"، المعروف بأنه صديق رجال الأعمال، للتقرب من الناخبين السود، وتغيير صورته حزباً للنخبة البيضاء التي تشكّل الأقلية في جنوب أفريقيا، لكن لم تساعده انشقاقات الكثير من النواب السود من حزبه. وستينهويسن نفسه، وهو أبيض، أصبح زعيم الحزب في 2019، بعدما استقال سلفه الأسود أموسي مايماني من الحزب، متهماً أعضاءه بأنهم يعرقلون محاولته التقارب مع الناخبين السود.
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)