وسّعت فصائل عراقية مسلحة، أخيراً، من انتشارها في مناطق أعالي الفرات وصولاً إلى الشريط الحدودي العراقي السوري، ضمن محافظة الأنبار، والمحاذي للبوكمال والتنف، وفقاً لما أكدته مصادر أمنية عراقية في قيادة عمليات الأنبار التابعة للجيش العراقي لـ"العربي الجديد".
الانتشار الجديد، والذي يأتي عبر عدة فصائل، أبرزها "كتائب حزب الله" العراقية، جرى تنفيذه من دون أي إعلان من الحشد الشعبي، أو المليشيا ذاتها التي تُصنف على أنها الأكثر قرباً ودعماً من طهران. وتم الانتشار في مناطق مكر الذيب والزوية وحصيبة الغربية ومناجم الفوسفات والكراصة والعبيدي ومبنى الجمارك القديم وصولاً إلى الرمانة ومركز مدينة القائم، وهي مناطق سكنية خالية من أي توترات أمنية.
أهداف تحرك الفصائل العراقية أعالي الفرات
وقال جنرال عراقي في قيادة عمليات نينوى، لـ"العربي الجديد"، إن "الأهداف من هذا الانتشار غير واضحة، لكنها قد تكون مرتبطة بالتحركات الأميركية الأخيرة في مناطق متفرقة من الأراضي السورية، كما أنها تحمل أهدافاً سياسية، كون معظم هذه الفصائل تملك أجنحة سياسية مناهضة لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي تسعى هذه الفصائل إلى تحييده سياسياً، من خلال دعم جهات سياسية داخل محافظة الأنبار التي يتركز ثقل الحلبوسي بها، ومنها أحزاب وتحالفات جديدة".
جنرال عراقي: تحركات الفصائل قد تكون مرتبطة بالتحركات الأميركية الأخيرة في سورية
عودة تحركات الفصائل العراقية وانتشارها الذي أخذ شكلاً تقليدياً، عبر توزيع عناصرها في بيوت فارغة، ونقاط تفتيش ودوريات عبر سيارات رباعية الدفع، تأتي خلافاً لوعود رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للأحزاب والكتل السياسية العربية السنية، خلال تشكيل الحكومة، بسحب الفصائل من مراكز المدن والأحياء السكنية.
وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلن السوداني أن حكومته تعمل على إنشاء معسكرات خاصة للحشد الشعبي، خارج المدن، في كلمة ألقاها خلال حفلٍ يخص "الحشد". وأضاف أنه "لا يمكن الاستغناء اليوم عن الحشد الشعبي أو التفريط به على المستوى الأمني، فقد أصبح جزءاً أساسياً من حالة الاطمئنان في الشارع العراقي".
وأوضح السوداني أن "الحشد، بات بعد صدور قانونه، يمتلك كامل الشرعية المستندة للدستور، ويخضع لإشراف القائد العام للقوات المسلحة مثل بقية الأجهزة الأمنية، والحكومة تعمل على إنشاء معسكرات ومقار وقواعد خاصة بالحشد الشعبي خارج المدن، تحقيقاً للهدف القتالي الذي أُنشئ من أجله".
مشكلات تواجه سحب المسلحين من المدن
لكن على أرض الواقع، فإن مشكلات عدة تواجه السوداني لتطبيق خطة إعادة انتشار الفصائل المسلحة خارج مراكز المدن والأحياء السكنية، بسبب رفض هذه الخطوة من عدد من زعماء الفصائل، الذين يمتلكون مصالح اقتصادية وأهدافاً سياسية، وخلق حالات من التغيير الديمغرافي في تلك المدن.
ورغم أن وحدات الجيش العراقي كانت خففت من وجودها داخل مراكز المدن، وفككت غالبية ثكناتها ومقارها، وأخرجت قواتها إلى أطراف المدن، وسلّمت مواقعها ومهامها للشرطة المحلية ومنحتها دوراً أكبر، فإن المليشيات المسلحة، خصوصاً تلك التي تُعرف بقربها من إيران، ما زالت تهيمن على المشهد العام في مدن عديدة تحت أشكال وعناوين مختلفة.
القيادي في الحشد الشعبي في محافظة الأنبار قصي الأنباري، علّق على الانتشار الأخير لهم على الحدود ومناطق أعلى الفرات تحديداً بأن "الحشد يمارس نشاطه الأمني وفق ما هو مخطط له. انتشاره أمر طبيعي، لا سيما وأن الفترة الحالية تشهد زيارة مليونية في محافظات وسط العراق، وتحديداً مدينة كربلاء، في ذكرى أربعينية الإمام الحسين".
وبيّن الأنباري، لـ"العربي الجديد"، أن "الحشد الشعبي متواجد بأوامر من القيادة العامة للقوات المسلحة، وعمله أمني وعسكري فقط، وبالتالي فإن الانتشار في أي محافظة من محافظات العراق، أو تأمين الشريط الحدودي، جزء من مهامه".
المليشيات تمارس مهام عديدة
وبحسب مصادر عراقية، فإن المليشيات تمارس مهمات متعددة، منها فعاليات اجتماعية واقتصادية وسياسية في تلك المناطق، أبرزها الموصل وتكريت وكركوك ومناطق أعالي الفرات غربي الأنبار، المجاورة للأراضي السورية.
وبحسب تصريحات وتأكيدات سابقة من أعضاء في البرلمان وسياسيين، فإن وقف عسكرة المجتمع وإخراج الجماعات المسلحة من مراكز المدن، وإنهاء ملف المدن منزوعة السكان التي تحتلها المليشيات وترفض إعادة أهلها، أبرز شروط القوى السياسية العربية السنّية للتصويت على حكومة السوداني.
من جهته، أشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي مهدي تقي إلى أن "تحركات أي لواء من ألوية الحشد الشعبي، يحدث بعلم وبموافقة من هيئة الحشد الشعبي، ما يعني أن جميع تحركاتها قانونية".
أحمد الأبيض: وجود الفصائل المسلحة أصبح غير مبرر في بعض القواطع الأمنية
واعتبر تقي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "العراق يعيش حالة من الاستقرار السياسي، لكن التحديات الأمنية ما تزال تشكل هاجساً يقلق الوضع السياسي والاقتصادي والمجتمعي".
ورأى أن "إنهاء المظاهر المسلحة في المدن العراقية، ضمن البرنامج الجاد لرئيس الحكومة، جزء من مطالبات القوى السنية في تلك المناطق، وأن إنهاء عسكرة المجتمع أمر تتفق عليه جميع القوى السياسية، لكن وفق جدول زمني محدد، وفرص تناسب الوضع الأمني العام، من أجل المحافظة على النجاحات التي تحققت خلال الفترة الماضية".
خروج المسلحين أكبر التحديات أمام الحكومة
لكن الخبير والمحلل العراقي أحمد الأبيض وجد أن "خروج الفصائل المسلحة، وتحديداً التي توالي إيران بشكل علني، يمثل أكبر التحديات للحكومة الحالية، والفرص المتوفرة والممكنة لتأسيس دولة قوية، وأن المطالبات السياسية للقوى السنية لم تلقَ أي جدية من ناحية الالتزام والتطبيق من الأطراف الشيعية التي تريد التمدد في المساحة السنية، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً".
وأوضح الأبيض، لـ"العربي الجديد"، أن "وجود الفصائل المسلحة أصبح غير مبرر في بعض القواطع الأمنية، بسبب استتباب الوضع الأمني فيها، لكن هناك مصالح كبيرة، داخلية وخارجية، في بقاء هذه الفصائل في المدن المحررة، وتحديداً محافظة الأنبار".
وكانت السلطات العراقية أصدرت في عام 2019، قراراً يخص إعادة هيكلة الحشد الشعبي، ورسم خريطة انتشار جديدة تتضمن نشر قوات الفصائل المسلحة خارج المدن، إلا أن حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي فشلتا في تحقيق أي تقدم في هذا الملف، على الرغم من تأكيدات وشهادات، عادة ما تتصدر وسائل الإعلام العراقية، تفيد بحدوث انتهاكات ومضايقات ضد سكان محافظات الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك وحزام بغداد وشمال بابل. وبعد أكثر من 10 أشهر على تشكيل حكومة السوداني، لم يحدث أي تقدم في هذا السياق.