كثفت أحزاب مغربية معارضة، وحتى مشاركة في الحكم، من انتقاداتها لحكومة سعد الدين العثماني، بسبب تأخر تصديقها على القوانين التي ستؤطر الانتخابات البرلمانية والجهوية والمحلية المنتظرة صيف العام الحالي، في وقت يوشك فيه البرلمان على إسدال الستار على أشغال دورته الخريفية.
وأعلن حزب "التجمع الوطني للأحرار"، ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحكومي الحالي، اليوم الأربعاء، رفضه "تأخر الحكومة غير المفهوم في التصديق والإفراج عن جميع القوانين المرتبطة بالاستحقاقات المقبلة"، و"عدم إحالتها حتى حدود اليوم على المؤسسة التشريعية". وحمّل الحزب، في بيان لمكتبه السياسي تلقى "العربي الجديد" نسخة منه، الحكومة "مسؤولية وعواقب هذا التأخر الذي ينعكس سلباً على ظروف الإعداد الجيد للانتخابات المقبلة"، وعلى "توفير مناخ وشروط المناقشة المسؤولة داخل البرلمان، لإنتاج قوانين جيدة من جهة"، ومن جهة ثانية "لتفادي ارتباكات السنوات الماضية التي كانت تسهم في إنتاج قوانين متسرعة سرعان ما تبرز الممارسة العملية تضاربها وعدم دقتها".
ويأتي موقف قيادة "التجمع الوطني للأحرار" في وقت باتت فيه انتقادات أحزاب المعارضة بشأن تأخر التصديق على مشاريع القوانين الانتخابية وإحالتها على المؤسسة التشريعية لإقرارها تحاصر حكومة العثماني التي تلتزم إلى حد الساعة الصمت.
وفي السياق، انتقد حزب "الأصالة والمعاصرة" المغربي المعارض تأخر الحكومة "غير المفهوم" في التصديق على جميع القوانين المرتبطة بالانتخابات، مبدياً، في بيان له، صدر الليلة قبل الماضية، انزعاجه من عدم إحالة هذه القوانين على المؤسسة التشريعية، ومحملاً الحكومة مسؤولية هذا التأخر وعواقبه، الذي "ينعكس سلباً على ظروف الإعداد الجيد للانتخابات، وعلى توفير مناخ وشروط المناقشة داخل البرلمان"، وذلك في وقت يستعد فيه المغرب لتنظيم انتخابات محلية وجهوية وتشريعية صيف هذا العام.
وفي الوقت الذي أكد فيه الأمين العام لحزب الاستقلال المعارض، نزار البركة، في تصريحات صحافية، أن "الأغلبية المشكلة للحكومة تتهرب من مشكلة مطروحة تتطلب مواجهتها، وهي تغيير القانون الانتخابي"، نبّه حزب التقدم والاشتراكية الحكومة إلى "ما بدأ يعرفه الملف الانتخابي من تأخر"، وإلى "ضرورة تحمّل مسؤوليتها في استئناف تحضير الانتخابات"، وفي عرض النصوص المؤطرة لهذه العملية الهامة على مسلسل المصادقة المؤسساتية".
وشدد الحزب، في الاجتماع الأخير لمكتبه السياسي المنعقد الأسبوع الماضي، على أن الانتخابات المقبلة يجب أن "تُجرى في سياقٍ يُعزز المسار الديموقراطي، ويُوطد البناء المؤسساتي، ويضمن الممارسة الفعلية للحريات الفردية والجماعية، ومن ضمنها حرية الرأي والتعبير والتظاهر".
وفي السياق، قال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المعارض، محمد نبيل بنعبد الله: "إلى حد الساعة لا جديد، ولم نعقد أي اجتماع أو اتصال منذ انتهاء المشاورات في منتصف أكتوبر الماضي، هناك فقط تكهنات لا نعرف مدى صدقيتها"، مضيفاً: "هي مناسبة أخرى لندق ناقوس الخطر، ولنؤكد للحكومة أنها تأخرت، وأنّ من غير المعقول أن تظل الأمور مبهمة ونحن على بعد أشهر قليلة من موعد الانتخابات".
وأوضح بنعبد الله، في حديث مع "العربي الجديد "، أن "الانتخابات القادمة لا يمكن أن تمر مرور الكرام، وأن تنتظر الحكومة الربع ساعة الأخير لتأتي بالقوانين الانتخابية وتحاول تمريرها، وإنما يتعين أن توفر جواً سياسياً يسهم في تشجيع المواطنين على استعادة الثقة في المؤسسات والمشاركة والانخراط في العملية الانتخابية".
ومنذ أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي توقفت المشاورات السياسية التي قادتها الحكومة ووزارة الداخلية مع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان الحالي، حول إصلاح الترسانة القانونية للنزال الانتخابي القادم. غير أن تلك المشاورات اصطدمت بانقسام حاد في المواقف بين الأحزاب السياسية حيال العقدة المستعصية، وهي "القاسم الانتخابي" الذي على أساسه توزَّع المقاعد البرلمانية بعد إجراء عملية التصويت، فضلاً عن مشاركة المهاجرين المغاربة في الانتخابات، وتحويل اللوائح الوطنية للشباب والنساء إلى لوائح جهوية، وإضافة 30 مقعداً نيابياً جديداً للائحة الوطنية.
وفيما بات تأخر التصديق على القوانين الانتخابية يشكل مصدر قلق للأوساط السياسية والحزبية المغربية، على بعد أشهر قليلة من موعد تنظيم الاستحقاقات، ترى الباحثة في العلوم السياسية، شريفة لموير، أن ذلك التأخر ليس بالأمر المفاجئ في ظل ائتلاف حكومي متشكل من أغلبية غير منسجمة يطبعها عدم الثقة، مشيرة إلى أن واقع الحال يبيّن أن إخراج القوانين الانتخابية ما زال حبيس التوصل إلى توافق سياسي، وأن حالة التجاذب التي تعرفها الساحة السياسية بين الأحزاب المغربية، أغلبية ومعارضة، توضح أن الظروف السياسية والموضوعية ما زالت لم تحقق هذا التوافق بعد.
وتؤكد لموير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن هذا التأخير في التصديقة على القوانين الانتخابية يستلزم ضرورة عقد دورة استثنائية للبرلمان بجدول أعمال محدد (كما تنص عليها المادة الـ66 من الدستور) للتصديق على القوانين الانتخابية، نظراً للأهمية التي تحتلها العملية الانتخابية، وأيضاً حماية للديمقراطية التي يتبناها المغرب، وخصوصاً أن الدورة الخريفية توشك على الانتهاء، و هو ما سيصعب معه مناقشة هذه القوانين بالشكل اللازم، لافتة إلى أنّ "من الضروري على الأحزاب إعلاء مصلحة الوطن أولاً، وليس مصلحة أي طرف أو أطراف أخرى".