يواجه الرئيس التونسي قيس سعيّد انتقادات لاذعة من قوى المعارضة ومن المجتمع المدني؛ بسبب الاستشارة الإلكترونية، على اعتبار أنّها "توظيف فاضح" لفرض مشروعه الخاص على التونسيين.
وأطلق سعيّد، منذ بداية يناير/كانون الثاني الجاري، الاستشارة الوطنية على منصة إلكترونية، قال إنها تهدف إلى "تعزيز مشاركة التونسيين في عملية التحوّل الديمقراطي"، غير أنها انطلقت فعلياً منتصف الشهر؛ بسبب عدم جاهزيتها للعموم.
وقوبلت الاستشارة بانتقادات واسعة من قوى المعارضة السياسية والمدنية، حتى من أحزاب تدعم الرئيس، مثل "حركة الشعب"، وتواترت الدعوات لمقاطعتها من طيف مجتمع واسع.
ولا يفصل الرئيس التونسي عن موعد نهاية الاستشارة الإلكترونية سوى أقل من شهرين، حيث أعلن سابقاً عن عزمه نشر تفاصيل الاستشارة في 20 مارس/آذار المقبل، الذي يتزامن مع ذكرى استقلال البلاد.
واستعار سعيّد، أمس الخميس، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، بعضاً من نتائج مبكرة لهذا الاستشارة، حيث أعلن في فيديو، بثته صفحة الرئاسة على "فيسبوك"، أنّ "82% من المواطنين يفضّلون النظام الرئاسي، و92% يؤيدون سحب الثقة من النواب البرلمانيين".
وأضاف أنّ "89% من المواطنين ليست لديهم ثقة في القضاء، و81% يؤيدون أنّ الدولة هي التي تتولى تنظيم الشؤون الدينية". وأكد سعيّد أنّ هذه الأرقام "ليست مزيفة، ولم يضعها أشخاص من مكاتب أو جهات".
إلى ذلك، ذكرت وزارة الداخلية التونسية، في بلاغ رسمي، أنّ المدير العام للشؤون الجهوية قام، نيابة عن وزير الداخلية، بالإشراف على جلسة عمل عن بعد مع المحافظين.
وخُصّصت الجلسة، بحسب البلاغ، "لمتابعة مدى تقدّم سير الاستشارة الوطنية الإلكترونية بكامل جهات الجمهورية، وكيفية تعميمها لدى مختلف الفئات المجتمعية والمؤسسات الشبابية والتربوية والعمل على تحسيس كل التونسيين والتونسيات للمشاركة فيها".
"وضعت على مقاس سعيّد"
وقال المحلل السياسي أيمن البوغانمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه الاستشارة وضعت على المقاس لخدمة رئيس الجمهورية، وهي وسيلة للتنميق وفرض المشروعية ولتمرير مشروع سياسي خاص به".
وتابع البوغانمي "أنا أستغرب ممن يستغرب استغلال سعيّد للاستشارة الوطنية وتوظيفها لتوجيه الرأي العام، فليست لهذه الاستشارة أي مشروعية دستورية ولا أي قيمة قانونية ولا قيمة علمية ولا وثوقية".
وأوضح أنّ "الاستشارة وضعت في شكلها ومضمونها لخدمة هذا المشروع، ولا يجب أن نُفاجأ أو نستغرب من أي استغلال سياسي سواء من رئيس الجمهورية أو من حكومته، أو من محافظيه أو من أنصاره".
وحول إعلان الرئيس عن نتائج مبكرة للاستشارة، قال البوغانمي ساخراً "بالصدفة كل النتائج تتفق تماماً مع رغبات سعيّد، وهو شيء معلوم سلفاً، فمن شارك في هذه الاستشارة هم فقط من يناصرونه، ولا أقول إنه يغالط بالأرقام، فمن يعارضون الرئيس لم يشاركوا في الاستشارة ويرفضون الاعتراف بها".
وبيّن أنّ "سعيّد سيحصل على النتائج التي يريد، وفي كل الأحوال لا قيمة قانونية لها".
"ضحك على الذقون"
من جانبه، اعتبر القيادي في حزب "ائتلاف الكرامة" المنذر بن عطية، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه الاستشارة مجرّد مسخرة وضحك على ذقون التونسيين، في غياب أي شفافية أو عملية رقابة على مختلف مراحلها، تدور أطوارها تحت وطأة انقلاب غاشم غيّب أي شكل من أشكال المشاركة الديمقراطية والتعددية".
وتابع "المضحك أن يقوم المنقلب بصياغة معطيات موجهة ويعرضها على أنصاره في ظل مقاطعة كل المعارضين بتعليمات منه، وبالتالي، كل الأمور بيده في غياب أي رقابة من المجتمع المدني أو ملاحظين، ثم لم يشارك سوى أقل من 1%من التونسيين، هذا إذا سلمنا جدلاً أنّ هناك 100 ألف مشارك".
وأضاف بن عطية أنّ "كل العملية ضرب من تزييف الواقع لفرض مشروع سياسي شخصي جاهز، حتى يسوّق للعالم أنه تمّ إشراك التونسيين في وضع نظام فُصّل على مقاسه لإقصاء كلّ المعارضين وحتى المساندين من الأحزاب".
أما القيادي في "حركة الشعب" (المساندة للرئيس) عبد الرزاق عويدات، فأوضح، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، أنّ "حركة الشعب تعتبر أنّ الطريقة الأفقية القائمة على تعديل الدستور عبر الاستشارة الوطنية لن تؤدي إلى نتيجة".
وتساءل "إذا تم تقديم أسئلة وانتظار أجوبة، فما الذي سيتم اعتماده جواباً إذا تعددت الأجوبة بنسب متقاربة أو متفاوتة؟".
وبيّن عويدات أنّ "هناك عديد التونسيين لا يمتلكون هواتف ولا وسائل تكنولوجية للمشاركة، فما بالك بالإنترنت؟"، مشدداً على أنّ "تعديل الدستور يجب أن يكون قائماً على حوار حقيقي بين الناس المؤمنين بهذا التعديل وهم المساندون لـ25 يوليو".
وتتواصل الاستشارة الوطنية الإلكترونية وسط وضع سياسي متأزم، حيث ترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس الإجراءات الاستثنائية التي فرضها سعيّد في 25 يوليو/تموز الماضي، وتعتبرها انقلاباً على الدّستور، في حين يؤيدها طيف آخر يرى فيها تصحيحاً لمسار الثورة.
وطرح سعيّد الاستشارة ضمن روزنامة مواعيد سياسية في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد تزايد الضغط الخارجي والداخلي لكشف خريطة طريق تنهي الوضع الاستثنائي.
وتنتهي روزنامة سعيّد بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة نهاية العام الحالي، بعد تعديل المنظومة القانونية وإصدار دستور جديد، وقوانين تنظم السلطات وسير الانتخابات، "تعبّر عن الإرادة الحقيقية للشعب"، بحسب توصيفه.