لقي استهداف قوات الأمن التونسية، اليوم الجمعة، المحتجين الذين خرجوا للتظاهر في العاصمة لإحياء ذكرى ثورة 14 يناير/ كانون الثاني، انتقادات شديدة بعدما أصيب عدد من المحتجين بالاختناق والإغماء جراء استهدافهم من قبل القوات الأمنية بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه.
كما اعتدت قوات الأمن بالضرب على المحتجين بهدف تفريقهم ومنعهم من التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة، قبل نجاحهم في الوصول إلى الشارع رغمًا عن قوات الأمن.
وكان شارع الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة تونس، قد شهد، اليوم الجمعة، تعزيزات أمنية مكثفة، حيث تم إغلاق محيط المسرح البلدي وتطويقه بالسيارات الأمنية، بعد دعوة عدة أحزاب وفعاليات المواطنين للتظاهر رغم قرارات الحكومة بمنع التجمعات والتظاهرات.
رئاسة البرلمان التونسي تندد بـ"الاعتداءات السافرة"
نددت رئاسة البرلمان التونسي، مساء الجمعة، بالاعتداءات التي وصفتها بـ"السافرة"، و"التي مست قيادات سياسية ومدنية ومواطنين نزلوا للتعبير عن آرائهم مدنيًا وسلميًا".
وأصدرت رئاسة البرلمان بياناً بمناسبة الذكرى الحادية عشرة للثورة، قالت فيه إن "هذه الذكرى المجيدة تأتي وتونس تمرّ بظروفٍ دقيقةٍ وخاصة جراء الخروج على الدستور وفرض الإجراءات الاستثنائية".
وحيت رئاسة مجلس نواب الشعب، "المواطنات والمواطنين الذين أسهموا في إحياء هذه الذكرى تخليدًا لأرواح الشهداء وتقديرا لتضحيات الجرحى ووفاء للدستور". وطالبت بـ"إطلاق سراح المختطفين والموقوفين والمسجونين وفي مقدمتهم النواب الأساتذة نورالدين بحيري، وسيف الدين مخلوف ونضال سعودي".
وأكدت رئاسة المجلس على أن "التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حق يكفله الدستور والقانون والمواثيق الدولية، وأن الشعب الذي أنجز ثورة 14 يناير ثورة الحرية والكرامة قادر على الدفاع عنها وحمايتها ومستعد للتضحية بالمزيد من أجل استكمال الانتقال الديمقراطي وترسيخ دولة القانون والمؤسسات".
"مواطنون ضد الانقلاب": قيس سعيّد يخشى مصيراً مماثلاً لبن علي
أكد القيادي في الهيئة التنفيذية لـ"مواطنون ضد الانقلاب" لمين البوعزيزي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قمع المحتجين من قبل أجهزة البوليس والاستعمال المفرط للقوة والعنف يعودان إلى الخشية من رمزية 14 يناير/ كانون الثاني، لأن "قيس سعيّد يرى نفسه انقلابياً ويستحضر صورة سقوط (سلفه زين العابدين) بن علي التي تحاصره خشية مصير مماثل".
وتابع البوعزيزي أن "الناس خرجوا اليوم رفضاً للانقلاب وسعياً للإطاحة به. قيس سعيّد كشف عن وجهه الحقيقي القامع للحريات عارياً من الشعارات التي كان يرفعها".
وبيّن أن "تونس أصبحت اليوم بلداً منكوباً تحت الوصاية بسبب الانقلاب. لم تبق لسعيّد سوى القوة السافرة لقمع الناس وترهيبهم".
وعلق البوعزيزي على بلاغات وزارة الداخلية قائلاً إن "الأنظمة الانقلابية سلاحها الترهيب والتخوين والوطنية الزائفة من خلال اغتيال الخصوم والمقاومين رمزياً، لكن نحن نعلم أن الانقلاب هو صناعة السفارات، وليس الحراك الشعبي الذي ينتصر للديمقراطية".
قيادية في "حركة النهضة": كل الانتهاكات التي مارستها سلطة الانقلاب بصدد التوثيق
أما القيادية في "حركة النهضة" يمينة الزغلامي، فأكدت أنه تم الاتفاق على موعد الثورة وهو 17 ديسمبر/ كانون الأول – 14 يناير/ كانون الثاني، بعد جدل طويل بين النواب المؤسسين، مبينة أنه "بعد هذا الاتفاق لم يثر هذا الخلاف أي تونسي، ولا نعلم لماذا يصر رئيس السلطة القائمة الآن على تقسيم التونسيين واختيار 17 ديسمبر".
وكان الرئيس التونسي قد أعلن خلال الشهر الماضي عن تغيير موعد الاحتفال بالثورة التونسية من 14 يناير إلى 17 ديسمبر/ كانون الأول، في خرق للدستور.
وتابعت: "منعنا اليوم من الاحتفال والاحتجاج. أصبحت صورة تونس الحقوقية سيئة جداً، وكل الانتهاكات التي مورست ضد مناهضي الانقلاب من نواب ومن حراك مواطني بصدد التوثيق".
نائبة رئيس البرلمان: لا يوجد أي سبب منطقي لمنع التظاهر
وقالت نائبة رئيس البرلمان، القيادية في حزب "قلب تونس" سميرة الشواشي: "اليوم كان من المفترض أن ينزل كامل الشعب للاحتفال بذكرى الثورة بعد توافق وطني أقر بالدستور، إلا أن القائم بأعمال الدولة اتخذ قراراً أحادياً واختزل الثورة في 17 ديسمبر، منكراً تضحيات شهداء يناير".
وأضافت: "جوبهنا بطريقة عنيفة وبطريقة اعتقدنا أننا تخلصنا منها في تونس، ولا نعلم لماذا منعنا، رغم أننا مسؤولون في الدولة ومن حقنا التظاهر، لكن المسيرة محاصرة ولا نعلم لماذا. لا يوجد أي سبب منطقي لمنع الناس من التظاهر".
من جهته، قال رئيس الهيئة السياسية لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، الحقوقي سمير بن عمر، إن ما سماه "نظام الانقلاب" جند كل مؤسسات الدولة، وخاصة المؤسسة الأمنية، لقمع حركة الشارع وإسكات أصوات المعارضين للانقلاب.
الشواشي: هذا الوضع لم تعشه تونس منذ 2011
واعتبر الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي أن "هذا الوضع لم تعشه تونس منذ 14 يناير 2011 الذي تخلصت فيه تونس من الاستبداد والفساد، واليوم بعد 11 سنة يمنع التونسيون من الاحتفال بعيدهم من طرف رئيس الدولة الذي يبشرهم بأن هذا تاريخ الانقضاض على الثورة وأن التاريخ الحقيقي للثورة هو 25 يوليو".
وتابع قائلا، في تصريح لـ"العربي الجديد": "نحن بصدد معاينة مشروعه (سعيّد) الهلامي الذي يبشر به التونسيين وقمع الحريات وأبسط الحقوق، عكس الشعارات التي يرفعها، وتم الاعتداء بالعنف على المتظاهرين من الشباب والقيادات الحزبية".
وقال: "لم نرد أن نعيش هذا المشهد الذي تم توثيقه من قبل وسائل الإعلام المحلية والدولية والتي أعطت صورة سيئة للداخل والخارج".
وأضاف: "هذه عودة إلى الوراء، إلى نظام شمولي استبدادي ديكتاتوري يتم فيه استعمال قوات أمنية من المفروض أن تكون أمنا جمهوريا في خدمة التونسيين لتأمين تظاهراتهم، كما تم توظيف الوضع الصحي وتوظيف الأمن لقمع الحريات".
وتابع: "لا أتصور أن يقبل التونسيون بهذا الوضع الرديء والمتخلف والقمعي، وسيواصلون نضالاتهم من أجل التحرر واستعادة دولة القانون والمؤسسات".
الشابي: سعيّد كشف اليوم عن وجهه الحقيقي
وقال أمين عام "الحزب الجمهوري" عصام الشابي، لـ"العربي الجديد"، إن "قيس سعيّد كشف اليوم عن وجهه الحقيقي بقمع المحتجين بالاعتداء عليهم بالغازات السامة وبالهراوات والاعتقالات وبغلق المنافذ والشارع الذي حرره التونسيون".
وأضاف: "لن نقبل بحكمه الفردي المطلق، فتونس الديمقراطية لن تقبل.. ونحمل المسؤولية لوزير الداخلية (توفيق شرف الدين)، الذي أعطى الأوامر بقمع التونسيين الذين خرجوا للتعبير عن آرائهم".
وبيّن أن "هؤلاء جاؤوا في حادث سير تاريخي وتولوا الحكم ولن يدوم لهم الحكم"، مشدداً على أن "تونس التي افتداها التونسيون بدمائهم لن تعود للديكتاتورية التي يريدون أن يعيدوها لمربع التصادم بين الشعب والأمن".
وقال الشابي: "صوبوا نحونا مباشرة في الوجه وأطلقوا الغاز الخانق السام ونكلوا بنا وضربوا واعتقلوا واستعملوا كل العنف في وجه المتظاهرين السلميين ولم تبدر منا إلا أصوات حناجرنا التي تصدح بالحرية".
وتابع: "حولوا شارع بورقيبة إلى المنطقة الخضراء في بغداد، ونحن نريد تونس خضراء بالحرية والديمقراطية".
الاتحاد التونسي للشغل: خريطة الطريق بحاجة إلى تصويب وتدقيق
إلى ذلك، جدد الاتحاد العام التونسي للشغل رفضه "الارتداد إلى الوراء والعودة إلى ما قبل 25 جويلية (يوليو/ تموز)"، وفي الوقت نفسه عبّر عن "هواجسه لغموض الوضع وضبابيّته، رغم الاستجابة لوضع خريطة طريق، هي بحاجة إلى تصويب وتدقيق، وذلك لغياب الحلول العاجلة ولتجاهل النهج الحواري والتشاركي بين الأطراف الوطنية المتبنّية لتغيير 25 جويلية من منظّمات وطنية وأحزاب سياسية وشخصيات وطنية".
وأكد الاتحاد، في المقابل، أنّ "الواقع يشير إلى ضعف الإرادة في تغيير حقيقي وتردّد في إنجازه، ويتجسّم ذلك في مواصلة تهميش القوى الوطنية الحيّة في البلاد، وفي اتخاذ قرارات أحادية اقتصادية ومالية لاشعبية في ميزانية 2022، وفي نزعة التفرّد في أغلب القرارات المصيرية، ومنها التفاوض مع الدوائر المالية العالمية، فضلا عن نزعة متنامية من العداء للعمل النقابي ووضع العراقيل أمامه".
واعتبر الاتحاد، في بيان بمناسبة إحياء الذكرى الحادية عشرة لثورة الشغل والحرية والكرامة الوطنية (17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 – 14 يناير/ كانون الثاني 2011)، أن يوم 14 يناير 2011 مثّل "حدثا مفصليّا في تاريخ تونس".
وذكّر الاتحاد بأنه اعتبر، منذ بيانه يوم 26 يوليو/ تموز، وفي سائر بيانات سلطات قراره وآخرها يوم 4 ديسمبر/كانون الأول 2021، أنّ "حدث 25 جويلية 2021 جاء استجابة للإرادة الشعبية وتجسيما لدعواته ودعوات أطياف سياسية واجتماعية كثيرة، لإنهاء التجاذبات العقيمة وعمليات التعطيل الممنهجة لأجهزة الدولة ودواليبها وإيجاد الحلول للأزمة السياسية الخانقة التي تفاقمت بعد انتخابات 2019".
غير أنّ الاتحاد، وإن اعتبرها خطوة مهمّة، لكنّه أكد أنها "بحاجة لتحويلها إلى مسار، وذلك عبر مطالبة رئيس الجمهورية بتقديم خريطة طريق واضحة تحدّد المهام والمضامين والأهداف، وخاصّة ما تعلّق بتنقيح الدستور والنظام الانتخابي وتعديل الهيئات الدستورية ومراجعة قانون الجماعات المحلية، مع ضبط الآجال لإنهاء المرحلة الاستثنائية من خلال انتخابات تشريعية سابقة لأوانها".