لوحظ في الآونة الأخيرة تسجيل خسائر بشرية في صفوف قوات الجيش المصري في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، بعد أسابيع طويلة من الهدوء الأمني النسبي، لجهة الهجمات التي ينفذها تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، والتي اقتصرت على مهاجمة المجموعات القبلية المساندة للجيش وإيقاع الخسائر في صفوفها. إلا أن هذا الهدوء بدأ يتآكل، في ظل عودة هجمات "داعش" التي تستهدف قوات الجيش بشكل مباشر، بالإضافة إلى مهاجمة المجموعات القبلية في الوقت نفسه، ما ينذر بعودة الأوضاع إلى سابق عهدها.
"داعش" يهاجم مناطق متفرقة في شمال سيناء
وفي تفاصيل التصعيد الجديد، قالت مصادر طبية عسكرية في شمال سيناء، لـ"العربي الجديد"، إنه سُجّل خلال الـ72 ساعة الماضية مقتل وإصابة عشرة عسكريين، وسبعة من المجموعات القبلية المساندة للجيش، نتيجة هجمات متتالية لـ"داعش" على مناطق متفرقة من محافظة شمال سيناء، بما فيها مدينة العريش.
أدت الهجمات الأخيرة إلى مقتل ملازمين أولين ورقيب أول، ومجند، وإصابة 6 عسكريين
وأدت الهجمات، وفقاً للإحصاءات المتوافرة، إلى مقتل ملازمين أولين، ورقيب أول، ومجند مقاتل، بالإضافة إلى إصابة ستة عسكريين آخرين بجروح متفاوتة. وأضافت المصادر الطبية العسكرية أنه قُتل اثنان من المجموعات القبلية المساندة للجيش أيضاً، بالإضافة إلى إصابة خمسة آخرين بهجمات التنظيم.
وأشارت المصادر الطبية إلى أن هذه الأرقام تمثل خسائر فادحة في صفوف القوات العسكرية والمساندة، مقارنة بالأسابيع التي سبقتها منذ نهاية العام الماضي، والتي لم تُسجل خسائر بهذا الحجم في مدة زمنية قصيرة تقدر بثلاثة أيام. وأضافت المصادر أنه يجري التعتيم على حجم الخسائر من قبل قيادة عمليات الجيش المصري في سيناء، وتأخير في نقل جثامين القتلى إلى مسقط رأسهم في المحافظات المصرية المختلفة.
يشار إلى أن قوات الجيش خسرت الآلاف من ضباطها وجنودها خلال العقد الأخير نتيجة الحرب الدائرة بين المؤسسة الأمنية المصرية وتنظيم "داعش" منذ عام 2012، والتي اشتدت وطأتها بعد أحداث يونيو/حزيران 2013. إلا أن الأشهر الأخيرة شهدت حالة من الهدوء لم يسبق لها مثيل منذ ذلك العام، كنتيجة عملية لضعف تنظيم "داعش" بشكل عام في الإقليم، وكذلك العمليات العسكرية الضخمة التي نفذها الجيش المصري بشكل متكرر خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى الفارق الملموس الذي أحدثته المجموعات القبلية المساندة للجيش أخيراً.
انتكاسة للجيش أمام تكتيكات "ولاية سيناء"
وتعليقاً على ذلك، أعرب باحث في شؤون سيناء، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن خشيته من أن تكون هذه الخسائر البشرية بداية انتكاسة لحالة الهدوء التي انتشى بها الجيش المصري أخيراً، وشعوره بارتياح بالغ نتيجة تراجع حاد في نشاط تنظيم "ولاية سيناء" خلال الفترة الأخيرة.
ولفت الباحث إلى أن التراجع قد يكون عملية انسحاب تكتيكي من منطقة عمليات الجيش المصري في مراكز وقرى المدن الرئيسية في المحافظة، والتي جرى إرجاع سُكّانها المهجرين إليها خلال الأشهر الماضية، بتنسيق بين قوات الجيش ووجهاء القرى المهجرة. وأضاف أن عودة التنظيم للضرب بقوة في مناطق مختلفة من رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد، تشي باستمرار قدرته على العمل، على الرغم من الضربات التي تعرض لها خلال الفترة الأخيرة.
باحث في شؤون سيناء: "داعش" يعمل على استغلال الخلافات التي طرأت بين المجموعات القبلية وقيادة الجيش المصري في سيناء
وأشار الباحث إلى أن كل مجموعات "داعش" في الإقليم، عادت للعمل أخيراً من أجل إثبات وجودها في ظلّ تغير زعيم التنظيم، والإعلان عن بيعة أمير جديد له (أبو الحسن الهاشمي القرشي)، بما في ذلك مبايعة "ولاية سيناء" له، والتي لا يمكن أن تتم من دون الإشارة إليه بوجود التنظيم وقوته وقدرته على الاستمرارية في تحقيق الأهداف المتمثلة في ضرب قوات الجيش بشكل مباشر، والمتعاونين معه كذلك.
وتابع أن ذلك يتم باستغلال حالة الانفكاك القائمة بين المجموعات القبلية وقيادة الجيش المصري في سيناء، على ضوء الخلافات التي طفت على السطح أخيراً، وأدت إلى انسحاب العشرات من المجموعات القبلية، ورفضهم الاستمرار في العمل، بحجة عدم احترامهم وتقديرهم من قبل الجهات الأمنية من خارج سيناء، في حال تحركهم في المحافظات المصرية الأخرى.
وبرأي الباحث، فإن المشهد بحاجة إلى تدخّل سريع من قبل قيادة عمليات الجيش المصري، بحيث لا تسمح للتنظيم برفع رأسه مجدداً، وإلا فإن التدهور الأمني قاب قوسين أو أدنى، في ظلّ أن التنظيم يعتمد على استغلال الظروف لإعادة التموضع والتحرك وتنفيذ الهجمات. وقال إن "هذا ما لاحظناه تكراراً ومراراً في سيناء على مدار سنوات الصراع بين قوى الأمن والتنظيم، إذ فشلت عديد العمليات العسكرية لقوات الجيش في القضاء على التنظيم بشكل كامل، على الرغم من التعاون الأمني بين الجيشين المصري والإسرائيلي في ملاحقة التنظيم، وقتل قياداته خلال السنوات الماضية".