أعلنت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالشأن الليبي، ستيفاني وليامز، أمس الأحد، انتهاء مهمتها في ليبيا، من دون أن تكشف عن توصلها إلى أي نتائج ملموسة في الأزمة التي قادت ملفها منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، في ظل خلافات محلية وإقليمية ودولية عميقة، على الرغم من أن عملها كان مركّزا على إقناع الأطراف الليبية بصياغة قوانين وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ نهاية العام الماضي.
وشغلت وليامز عدة مناصب في ليبيا، بدأتها بالقائمة بأعمال السفارة الأميركية في طرابلس بالإنابة عام 2018، ثم عملت نائبة لرئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، غسان سلامة، قبل استقالته. وفي مارس/آذار 2020، تولت مهمة رئاسة البعثة بالإنابة، قبل أن تغادر المهمة الأخيرة، وتعود في ديسمبر/كانون الأول الماضي بصفة مستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، للشأن الليبي.
منذ تعيينها رئيسة للبعثة الأممية بالإنابة، وبحسب تصريحات عديدة لها، عملت وليامز في إطار اتفاق برلين الذي قسّم الحل الليبي إلى ثلاثة مسارات: الأول عسكري تم بموجبه تشكيل لجنة عسكرية مشتركة من الطرفين (لجنة 5+5)، والثاني سياسي يهدف إلى إجراء انتخابات عامة، والثالث اقتصادي باتباع سياسة شفافة ورشيدة مع إيرادات النفط الليبي.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، نجحت وليامز في دفع طرفي اللجنة العسكرية إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، فيما فشلت كل جهود توحيد المؤسسة العسكرية أو إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، وانصبّ جهد وليامز بالأساس على إنهاء الانقسام السياسي.
بيان حول انتهاء مهمتي كمستشارة خاصة للأمين العام بشأن ليبيا: https://t.co/cjs9ns6msq pic.twitter.com/yC27LcPpYC
— Stephanie Turco Williams (@SASGonLibya) July 31, 2022
وفيما يخص إنهاء الانقسام، تمكنت وليامز من تحقيق اختراق في الأزمة الليبية، بحسب أستاذ العلوم السياسية خليفة الحداد، الذي يرى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "وليامز أدركت أن الانسداد لن يحل إلا بتجاوز مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، فشكلت ملتقى للحوار السياسي، وقامت بتيسير كل اجتماعاته بعيدا عن تأثير المجلسين، فنجح في إفراز أول سلطة تنفيذية، بعد سنوات من الانقسام، ممثلة في المجلس الرئاسي الحالي وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة".
احتدام الخلافات
لكن خارطة الطريق التي صاغها ملتقى الحوار السياسي وانتخب على أساسها السلطة التنفيذية دخلت في أتون الخلافات سريعاً، فبعد مغادرة وليامز منصبها، وتعيين خلفها يان كوبيتش، تعثرت جهود ملتقى الحوار في صياغة قاعدة دستورية للانتخابات. بعدها أعلن كوبيتش فشل الملتقى وإعادة الأمر لمجلسي النواب والدولة، وبذلك أعاد قوة الحراك السياسي للمجلسين اللذين سريعاً ما رجعا للمناكفات، وعادت معهما الخلافات والتموضعات السياسية.
ووسط الاستعدادات الممهدة للانتخابات، دخل مجلس النواب في صراع مع المجلس الأعلى للدولة وأصدر قوانين انتخابية من دون التنسيق معه، وتوج في الوقت ذاته خلافاته مع الدبيبة بسحب الثقة من حكومته.
وقبل أيام من موعد الانتخابات، الذي كان مقررا في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وصلت الخلافات إلى ذروتها بعد ترشح عدد من الشخصيات الجدلية للانتخابات الرئاسية، كاللواء المتقاعد خليفة حفتر، وسيف الإسلام القذافي نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ما عجّل بإطاحة الاستحقاق الانتخابي، بإعلان المفوضية العليا للانتخابات عدم قدرتها على إجراء الانتخابات.
وبحسب الحداد، فإن وليامز "أخطأت عندما استعجلت في المضي خطوات في المسار السياسي وترك المسار الدستوري وغادرت منصبها من دون حسمه"، ثم أضاف: "حين عاد أعضاء ملتقى الحوار السياسي بعد أشهر لمناقشة المسار السياسي، كانت الصراعات بين الأطراف الليبية قد عادت وعدواها وصلت للملتقى واستقطبت جزءا من أعضائه".
وبعد استقالة كوبيتش المفاجئة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ووسط خلاف دولي حول خلفه، عادت وليامز للمشهد الليبي بصفة مستشارة للأمين العام، في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد معارضة موسكو داخل مجلس الأمن تعيينها رئيسة للبعثة، لإنقاذ خارطة الطريق التي أشرفت على إنجازها، ومددت من عمرها بعد أن أعلنت للأطراف الليبية أن أجلها يمتد إلى نهاية يونيو/حزيران الماضي، عكس ما كان يروج له بعض قادة الأطراف من أن نهايتها كانت ستة أشهر قبل ذلك.
وفي محاولة لإنقاذ خارطة الطريق، تقدمت وليامز، مطلع مارس/آذار الماضي، بمبادرة أفضت إلى تشكيل لجنة دستورية مشتركة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، من أجل صياغة قاعدة انتخابية قبل انتهاء أجل خارطة الطريق في يونيو/حزيران، لكنها فشلت في ذلك بعد عدة جولات احتضنتها القاهرة. كما فشلت في جمع رئيسي مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، في جنيف نهاية يونيو/حزيران الماضي، لحسم النقاط الخلافية في الإطار الدستوري الذي اتفقت اللجنة الدستورية المشتركة على أغلب بنوده، باستثناء شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة.
ويحمّل الحداد وليامز مسؤولية الفشل في التوصل إلى توافق حول الاستحقاق الانتخابي، قائلا "عادت بالأوضاع إلى نقطة الصفر، فبدلا من إحياء ملتقى الحوار السياسي أو تشكيل بديل عنه، وقعت في شراك مجلسي النواب والدولة الذي كان معروفا أنهما سيفشلان أي اتجاه لإجراء الانتخابات"، معبرا عن استغرابه من إصرارها إلى آخر يوم عمل لها على توافق المجلسين كسبيل للحل.
ومضى قائلاً: "كان من الممكن أن تذهب وليامز إلى خطط بديلة، وهي من أشارت إلى ذلك في بعض تصريحاتها، ومن تلك الخطط إحياء ملتقى الحوار أو تكليف المجلس الرئاسي بالإشراف على صياغة قوانين الانتخابات، أو إعطاء دور أساسي للمجلس الأعلى للقضاء، خصوصا وأنها ستحظى بتأييد شعبي كانت بوادره واضحة في الاحتجاجات التي عمّت البلاد مؤخرا، وعلى رأس المطالب بحل كل الأجسام السياسية".
استقرار نسبي
ويؤكد الحداد أن وليامز "فشلت كليا، بل كانت سببا في إرجاع البلاد إلى ما قبل الاتفاق السياسي، فقد عاد الانقسام السياسي، ولم يتم توحيد المؤسسة العسكرية ولا إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، والانتخابات باتت حلما لن يتحقق في نظر الكثيرين، والوضع بين حكومتي الدبيبة وباشاغا ينذر بتجدد الحرب في أي لحظة".
وتسود حالة جمود سياسي وصراع في ليبيا بين حكومتي الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والمكلفة من مجلس النواب برئاسة باشاغا.
وفيما أعلنت الأمم المتحدة أن نائب رئيس البعثة الحالي، ريزدون زينينغا، سيقوم بتسيير البعثة إلى حين اختيار رئيس جديد للبعثة، يبدو أن تعقّد الأوضاع الدولية، خصوصا في ظل الحرب الأوكرانية، يجعل من مهمة التوافق الدولي حول رئيس جديد للبعثة أمراً بعيد المنال.
ويأتي ذلك وسط أنباء تداولتها تقارير دولية عن وجود أكثر من مرشح للمنصب، منهم وزير الخارجية الجزائري الأسبق، صبري بوقادوم، والدبلوماسي الغاني محمد بن شمباس، الممثل الخاص السابق للأمم المتحدة لغرب أفريقيا، وكذلك وزير الخارجية السوداني الأسبق، مصطفى عثمان إسماعيل. هذا بالإضافة إلى تواتر أنباء عن منافسة المبعوث الألماني السابق إلى ليبيا، كريستيان بوك، على المنصب.
وفي مقابل رأي الحداد، يرى الباحث في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، أن فترة وليامز كانت مهمة، على الرغم من الفشل البادي عليها، موضحا في حديثه لـ"العربي الجديد" أنها "كشفت للرأي العام المحلي والدولي بشكل واضح استحالة إمكانية التوصل إلى حل مع وجود الأجسام السياسية الحالية". واعتبر البرق أن النتيجة التي أظهرتها وليامز ستزيد من الإصرار المحلي والدعم الدولي في اتجاه ضرورة عقد انتخابات تزيح الطبقة السياسية الحالية.
ويلفت البرق إلى صعوبة الحالة الليبية أمام مساعي الحل، وقال "يجب ألا نغالي في لوم كل مسؤول دولي، فالبلاد كانت تعاني من حروب وأزمات عميقة وتدخّل دولي كبير، ووصول وليامز إلى هذه المرحلة من الاستقرار النسبي يعد إنجازا كبيرا".
ويوضح البرق أن وليامز: "نقلت حالة الصراع من المستوى العسكري إلى التنافس السياسي، وجعلت أقطاب الصراع اليوم يتقاربون في شكل صفقات سياسية، خصوصا إذا كان من بين هؤلاء المتنافسين سياسيا حفتر بكل ما فيه من دموية"، معتبرا أن أكبر إنجاز لوليامز بعد عودتها أنها حافظت على الصراع في مستواه السياسي من دون أن تنجر البلاد إلى مربع الحرب مجددا.