شكّلت استقالة عضو القائمة المصغّرة للجنة الدستورية عن وفد المعارضة السورية، عوض العلي، عقب انتهاء الجولة الخامسة من أعمال اللجنة الدستورية يوم الجمعة الماضي، محطة يمكن التوقف عندها حول مصير مشاركة المعارضة في المسار الدستوري. مسار أثبت فشله بعد خمس جولات وأكثر من عام وثلاثة أشهر، لم تسفر عن تحقيق أي نتائج تذكر لجهة صياغة دستور جديد للبلاد، في طريق كان من المفترض أن يصل إلى حل نهائي للصراع السوري من خلال تطبيق سلال القرار 2254، المتمثلة بـ"هيئة حكم انتقالي"، و"صياغة دستور جديد"، و"إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة"، بالإضافة إلى "مكافحة الإرهاب". وفي بيان مصور، أعلن العلي استقالته وانسحابه من وفد المعارضة للجنة الدستورية، معللاً ذلك بوصف أعمال اللجنة بـ"العبثية". وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن مشاركته مع وفد المعارضة في اللجنة، كان بأمل "إيجاد حل سياسي للقضية السورية"، منوهاً إلى أن وفد النظام طيلة فترة انعقاد اللجنة "لم يبادر بأي خطوة في هذا المسار". وأوضح أن رئيس وفد النظام أحمد الكزبري صرح في بداية الجولة الماضية بأنهم موجودون للمشاركة بمناقشات ومداولات دستورية، وليس لصياغة دستور. وقال العلي: "لا فائدة ترجى سوى أننا نعطي انطباعاً بأن هناك عملية سياسية، والنظام متفاعل معها، والحقيقة غير ذلك".
لم يبادر وفد النظام إلى أي خطوة لإيجاد حل سياسي للقضية السورية
وفي اتصال مع "العربي الجديد"، لم يضف العلي على ما ذكره من الأسباب التي وردت في البيان، ولم يتوقع مزيداً من الانسحابات ضمن القائمة المصغرة لوفد المعارضة في اللجنة، على غرار ما فعل، وذلك رداً على سؤال حول ما إذا كانت تلك الخطوة مشتركة بين عدد من أعضاء اللجنة عن وفد المعارضة.
مع العلم أن أحد أعضاء القائمة الموسعة لوفد المعارضة للجنة الدستورية، سبق أن كشف سابقاً لـ"العربي الجديد"، أن التوتر الذي ساد بين أطراف اللجنة طيلة أيام الجولة الخامسة بسبب الجدل والتعطيل، انتقل إلى وفد المعارضة. وأوضح أن أصواتاً ارتفعت من داخل القائمة الموسعة للمعارضة بضرورة استبدال أعضاء القائمة المصغرة إلى اجتماعات اللجنة الدستورية، بذريعة قلة كفاءتهم وعدم قدرتهم على التعامل مع ممارسات وفد النظام بالتعطيل والتملص من الدخول بصياغة نصوص الدستور. وأشار العضو إلى أنه على الأغلب سيكون هذا الموضوع مطروحاً بعد عودة الوفد من أعمال الجولة الخامسة، داخل هيئة التفاوض والقائمة الموسعة للمعارضة.
وعقب نهاية الجولة الخامسة من أعمال اللجنة الدستورية، حمّل المبعوث الأممي غير بيدرسن مسؤولية تعطيل أعمال اللجنة لوفد النظام. وفي تعبير واضح عن فشل هذه الجولة، قال بيدرسن، في تصريحات للصحافيين، إنه أبلغ أعضاء اللجنة الدستورية بأن هذه الجولة كانت مخيّبة للآمال. ولفت إلى أن وفد النظام رفض المقترحات التي قدّمها للجنة، معلناً أنه لم يتم تحديد موعد للجولة المقبلة من اجتماعات اللجنة. وأضاف أنه سيزور دمشق كما سيلتقي بمسؤولين روس وإيرانيين للمضي في المفاوضات. ويعد إعلان بيدرسن عن نيّته لقاء مسؤولين من روس وإيرانيين وزيارة دمشق، تصويباً غير مباشر على أن التعطيل لعمل اللجنة يأتي من النظام وحلفائه.
وفي تعليق على انسحاب العلي من وفد المعارضة للجنة الدستورية، قال عضو القائمة الموسعة لوفد المعارضة إلى اللجنة والمتحدث باسم هيئة التفاوض السورية المعارضة، يحيى العريضي، إن "موضوع الانسحابات سهل وهي تخفف من الشتائم واتهامات التخوين، لكن اليوم لدينا جوهر الموضوع، والمعيار الأساس القضية والقدرة والإمكانية لخدمتها. والأخ عوض العلي عبّر عن عبثية العملية وعدم رغبته في الاستمرار بهكذا حال، لأنه لم يستطع خدمة هذه القضية؛ وما قام به يعكس موقف كثيرين".
وأضاف العريضي في حديث لـ"العربي الجديد": "القضية السورية ليست محصورة بلجنة دستورية، وهي ليست أكثر من محاولة، بقيت أم ذهبت. القضية السورية حية، والثورة حية والقرارات الدولية موجودة مع بنودها. وهذا يدفع الآخرين للوصول إلى قناعة راسخة أن تلك البنود، وعلى رأسها الانتقال السياسي، هي الحل وهي أقصر طريق بعد فشل الوصول إلى حل عبر نوافذ وبوابات أخرى. وستكون هناك اجتماعات للقائمة الموسعة وهيئة التفاوض لمكاشفات ووضع النقاط على الحروف".
وتزيد استقالة العلي من حالة التراكم للمشاكل داخل أروقة هيئة التفاوض ووفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية، والتي من المتوقع أن تنفجر في الأيام القليلة المقبلة من خلال مطالبات أطراف هيئة التفاوض التي انبثق عنها وفد المعارضة للجنة الدستورية، بوضع توضيحات لما حدث ضمن تفاصيل المسار، ومراجعة عمل الهيئة ومشاكلها التي طفت إلى السطح أخيراً، قبل انعقاد الجولة الحالية من اللجنة الدستورية.
أظهر بيدرسن أن تعطيل أعمال اللجنة حصل من النظام وحلفائه
ولا يزال عضو هيئة التفاوض واللجنة الدستورية عن منصة القاهرة جمال سليمان، معتكفاً في الهيئة واللجنة، احتجاجاً على قرار استبدال عضو آخر ممثل في اللجنة والهيئة عن المنصة التي كان يقودها، بعضوين آخرين لكل من الهيئة ووفد المعارضة للجنة، وذلك بعد انقسام أدى إلى اعتماد الهيئة اقتراح ممثل المنصة، فراس الخالدي، الذي دخل في خلاف مع جمال سليمان داخل المنصة، بالاستبدال. في المقابل، تبقى مشكلة إبعاد عضو الهيئة ووفد المعارضة إلى اللجنة عن منصة موسكو، مهند دليقان، بعد مطالبته بنقل أعمال اللجنة إلى دمشق، محط اعتراض، إذ رفضت المنصة القرار وبالتالي لم تستجب لدعوى هيئة التفاوض باستبدال دليقان.
كل ذلك حمل منصة موسكو، والجناح الذي يقوده جمال سليمان من منصة القاهرة ومعهم هيئة التنسيق الوطنية، إلى توجيه رسالة إلى بيدرسن، طالبوا فيها بالتصرف سريعاً، والدفع نحو التوافق ضمن هيئة المفاوضات. كذلك تلقّى وزراء خارجية روسيا سيرغي لافروف، ومصر سامح شكري، والسعودية فيصل بن فرحان، نسخاً من الرسالة، وعلى الأثر علّقت السعودية عمل مكتب هيئة المفاوضات السورية في الرياض. ومن المتوقع أن يؤدي انسحاب العلي من وفد المعارضة للجنة الدستورية، إلى نشوب خلافات جديدة، سواء داخل وفد معارضة للجنة أو هيئة التفاوض المعارضة، الأمر الذي ستكشف عنه الأيام القليلة المقبلة، لا سيما مع أحاديث حول مطالبات بتعليق المعارضة مشاركتها في المسار الدستوري.