بدأت الحملة الانتخابية التشريعية للدور الثاني من انتخابات مجلس الشعب الجديد في تونس اليوم الإثنين، وتتواصل حتى 27 يناير/ كانون الثاني الجاري، استعداداً ليوم الاقتراع العام في 29 يناير/ كانون الثاني، وسط سعي واضح من هيئة الانتخابات لرفع نسب المشاركة وتحسين الإقبال على صناديق الاقتراع.
تشمل الحملة 262 مترشحاً موزعين على 131 دائرة انتخابية في الداخل فقط، من مجمل 161 مقعداً في البرلمان.
وقررت هيئة الانتخابات إجراء قرعة بين الدوائر الانتخابية للمرور في مناظرات تبث مباشرة في التلفزيون، كما كان الحال في الانتخابات الرئاسية في عام 2019، وسيهتم التلفزيون الرسمي بمسائل التصوير والعرض التقني، فيما ستحدد الهيئة الانتخابية الأسئلة.
وستضع هيئة الانتخابات موقعاً إلكترونياً يتضمن دليلاً خاصاً بالمترشحين، يحمل سيرهم الذاتية ونشاطاتهم وتصريحاتهم، بهدف تعريف الناخبين بهم.
وفسر رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر أن الاقتراع يهم 131 دائرة فقط من جملة 161 دائرة، وبالتالي فإن عدد المسجلين المعنيين في الدور الثاني في تلك الدوائر يبلغ 7853447 ناخباً، فيما يبلغ العدد الجملي للناخبين أكثر من 9.2 ملايين ناخب.
وقال بوعسكر، في تصريح لـ"العربي الجديد" أمس الأحد، إن الهيئة "ستركز على التعريف بالمترشحين، خاصة أن من أسباب العزوف السابقة عدم معرفة الناخبين بالمترشحين"، موضحاً أن "الاختيار سيكون أسهل في الدور الثاني، لأنه سيكون هناك مترشحان فقط في كل دائرة"، مضيفاً أنه "سيكون هناك حصص تعبير مباشرة، ومناظرات تلفزيونية، إضافة إلى الحملات الانتخابية الخاصة".
وأفاد بأن "الهيئة ستنطلق بدايةً من اليوم، عبر موقعها الرسمي، في التعريف بالمترشحين وبرامجهم، وهم يأملون في تسجيل نسب إقبال أفضل في الدور الثاني، وتقريباً جل المؤشرات تبدو إيجابية"، مضيفاً أنهم "ملزمون بوضع النتائج الموجودة في الصناديق كما هي".
وأكد رئيس المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد" بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الرقم المعلن من هيئة الانتخابات يمثل الدوائر المعنية بالدور الثاني الانتخابي، من دون اعتبار دوائر الخارج التي لم تجر فيها انتخابات، والدوائر التي حسمت من الدور الانتخابي الأول، ما يعني تقلص الجسم الانتخابي بنحو 1.3 مليون ناخب"، مشدداً على أن "المنظمة بصدد التأكد من هذه الأرقام من خلال جرد مدى مطابقتها مع كل دائرة".
وأضاف معطر أن "الندوة الصحافية تعكس تخوفاً كبيراً لدى هيئة الانتخابات من ضعف نسب الإقبال"، مرجحاً ضعف المشاركة بالقول إن "نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج من خلال اعتماد نفس الإطار القانوني، وربما ستكون عملية التناظر بين المترشحين إيجابية بعض الشيء، ولكن المعلوم انتخابياً أن الإقبال خلال الدور الثاني يكون أقل من الدور الأول، كما أن النظام الانتخابي التونسي لا يعطي دوراً للأحزاب، كما في بعض الدول التي تمنح الأحزاب المنسحبة في الدور الأول أصواتها للمترشحين في الدور الثاني، في إطار نوع من التحالفات، وهذا غير ممكن لأن الأحزاب ليس لها أي دور تقريباً".
وبين معطر أنه "يمكن أن ينعكس عدم وجود مرشحين لبعض المواطنين في الدور الثاني على المشاركة".
ولفت إلى أن "هناك مساعي من الهيئة لتحسين الإقبال والتعريف بالمترشحين، ولكنها متأخرة جداً، لأنه لا يوجد أي عمل للتعريف بالدستور ونظام الحكم ودور مجلس نواب الشعب وحدود النواب وحقوقهم، وهو ما كان يستوجب تعريفاً سابقاً"، مشيراً إلى أن "من أسباب العزوف عدم معرفة التونسيين بالنظام الجديد، وتوزيع السلط ومهام النواب وعدم معرفة المترشحين للانتخابات".
وتابع معطر بأن "ضعف الإقبال سيؤثر فيه أيضاً الوضع الراهن الاقتصادي والاجتماعي، وتزايد الوضع سوءاً مقارنة بالدور الأول".
من جانبه، قال المدير التنفيذي لمرصد "شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية"، الناصر الهرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تخوفاً واضحاً من هيئة الانتخابات من عزوف الناخبين عن المشاركة في الدور الثاني"، مبيناً أن" تأكيد رئيس الهيئة على الجسم الانتخابي المعني بالمشاركة في 131 دائرة يفسر ذلك بتقليص عدد الناخبين من 9.2 ملايين ناخب إلى 7.8 ملايين ناخب، باعتبار أن 23 دائرة فاز فيها مرشحون للانتخابات خلال الدورة الأولى، و7 دوائر في الخارج لم تجر فيها انتخابات، أي أنهم غير معنيين بهذه الانتخابات، بالتالي سيتم حذف أسمائهم من السجل الإنتخابي".
ورجح الهرابي أن "يسجل الدور الثاني عزوفاً أكثر من الدور الأول، باعتبار أن بعض الدوائر غير معنية بالانتخابات".
وبين المتحدث أن" المواطن يشعر أنه غير معني تماماً بالعملية السياسية والانتخابية، لأنه لم يجر إشراكه في هذا المسار الأحادي، الذي لم يجمع حوله كل التونسيين، بالإضافة إلى تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ما يمثل عاملاً لعزوف الناخبين".
وتابع بأنه "رغم مساعي الهيئة، فإنه لم يتغير شيء منذ انتخابات 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، متوقعاً أن تكون نسب الإقبال في 29 يناير/ كانون الثاني أضعف من الدور الأول".
وقال الهرابي: "لا أعتقد أن آلية المناظرة ستغير شيئاً، لأن ثقل الأحزاب التي كانت تشارك في المحطات الانتخابية السابقة لن تكون موجودة أيضاً".
ورجح الهرابي أن" تكون الحملة الانتخابية، التي تتواصل 12 يوماً، حملة باهتة"، مشيراً إلى أن" التونسيين يبررون عزوفهم بأنه مسار أحادي، وبالوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي".
واعتبر أستاذ القانون والإعلام أيمن الزغدودي أن "هيئة الانتخابات داست على الدستور والاتفاقيات الدولية، مشيراً إلى أن "ما صرحت به هيئة الانتخابات خلال الندوة الصحافية هو انتهاك صارخ للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من طرف بلادنا، والفصل 37 من الدستور التونسي".
وكتب الزغدودي على حسابه بـ"فيسبوك"، أن "الأسئلة التي ستطرح خلال المناظرة ستكون تحت إشراف الهيئة التي ستحدد نوعية الأسئلة التي سيجرى طرحها، والمواضيع التي سيجرى التطرق لها أيضاً".
وأضاف: "يشكل هذا التصريح انتكاسة جديدة للمسار الانتخابي المتعثر والمرتبك، واعتداءً إضافياً على حرية الإعلام".
وعرفت تونس جدلاً واسعاً خلال الدور الانتخابي الأول، بسبب تضارب الأرقام والفارق الكبير بين نسب المشاركة في الانتخابات التشريعية المعلنة يوم 17 ديسمبر/كانون الأول من عام 2022، التي كانت في حدود 8.8%، وبين النسب المعلن عنها بعد يوم، والتي بلغت 11.22%.
وواجهت هيئة الانتخابات انتقادات وتشكيكاً كبيراً رغم محاولات التوضيح للعموم، ما جعل الهيئة محل اتهام بعدم الدقة وضعف الكفاءة والانحياز، وتعمل الهيئة على تفادي ما وقع خلال الدور الأول، من خلال التبرير والتفسير مسبقاً، عن طريق احتساب نسب المشاركة من المعنيين بالعملية الانتخابية.
وكتب الناشط الحقوقي والمدني عبد الوهاب الهاني، على حسابه بـ"فيسبوك"، أن "تراجع عدد النَّاخبين المُسجَّلين بأكثر من مليون ورُبع مليون ناخب وناخبة بين الدَّور الأوَّل والدَّور الثَّاني، يستوجب على هيئة الرَّئيس للانتخابات طمأنة الرَّأي العام عن التزامها التَّام بالنَّزاهة والشَّفافيَّة (...) وشرح قواعد احتساب تراجع الجسم الانتخابي بين الدَّوريْن بهذا الحجم المهول من 9,136,502 إلى 7,853,447، أي بفارق أكثر من مليون وربع مليون (1,283,055)، وهو ما يعادل 14% من النَّاخبين".