انفتاح متأخر للحكومة التركية على العلويين: شكوك بحسابات انتخابية

16 أكتوبر 2022
يشكّل العلويون قرابة 20 في المائة من الأتراك (آدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -

لاقت الخطوات الحكومية التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام تجاه الطائفة العلوية في البلاد، تشكيكاً كبيراً في خلفياتها، خصوصاً أنها تأتي قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو/حزيران المقبل، فيما استمرت مساعي الحوار بين السلطة والعلويين لـ13 عاماً من دون أي تقدّم سابقاً.

وأعلن أردوغان، في 7 الشهر الحالي، إنشاء رئاسة مرتبطة بوزارة الثقافة باسم رئاسة الثقافة العلوية البكداشية وبيوت الجمع، وسيكون من مهامها إدارة بيوت الجمع التي تُعتبر دور العبادة للعلويين، وتقديم الخدمات لها، وأن تكون جميع هذه الخدمات تحت ضمانة ورقابة مؤسسية حكومية. 

وأضاف أن الخطوات تشمل تقديم الخدمات لدور الجمع من المياه والبناء والترميم، وحل المشاكل المتعلقة بالإعمار، إضافة إلى تخصيص راتب للقائم على بيوت الجمع يُحدد من العلويين وتقدّمه الدولة، معتبراً أن هذه الخطوات تأتي في سبيل تعزيز الديمقراطية والإصلاح والحريات.

كاتب تركي: الحكومة تريد ربط مطالب العلويين بوزارة الثقافة، بما يعني أنها لا تعتبرها عقيدة معينة أو مذهباً

وكان أردوغان قد استبق هذا الإعلان بالمشاركة في افتتاح مجموعة من دور الجمع في ولايات تركية عدة، كما شارك في إفطار عاشوراء بأحد بيوت الجمع بحضور مشايخ الطائفة العلوية البكداشية.

تعزيز سجل "العدالة والتنمية"؟

هذه الخطوة الحكومية التي تأتي في فترة ما قبل الانتخابات، يضعها البعض في سياق تعزيز سجل حزب العدالة والتنمية الحاكم في مجال الحقوق والحريات، والتقرب من كافة الأقليات الدينية في البلاد، خصوصاً أن ورش العمل التي عقدها الحزب للاستماع لمطالب العلويين بدأت في العام 2009، من دون أن يتم الإعلان عن أي خطوات سابقاً. 

وشبّهت أوساط متابعة الخطوة الراهنة، بتلك التي تحاول المعارضة العلمانية ممثلة بحزب الشعب الجمهوري القيام بها عبر التقرّب من الكتلة المحافظة، بطرح مسألة الحجاب للنقاش، لاستمالة المحافظين في الانتخابات المقبلة.

لكن أوساطاً علوية نظرت إلى القرارات الجديدة على أنها ناقصة، إذ طرحت سابقاً مطالب بأن تتعامل الدولة مع دور بيوت الجمع مثل تعاملها مع دور العبادة للطوائف المسلمة الأخرى، كالجوامع، فيما القرار الجديد ربط مراكز عبادة العلويين بوزارة الثقافة على اعتبار أنها ثقافية وليست مذهبية دينية.

وقال الكاتب التركي فايق بولوط، مؤلف كتاب "العلوية من دون علي"، لـ"العربي الجديد"، إن الخطوات فيها إيجابيات وفيها نواقص، شارحاً أن زيارة أردوغان دور عبادة العلويين أمر جيد، والقيام ببناء بعضها أيضاً خطوة لا بأس بها، وفتح بعض المدارس لتعليم العقيدة العلوية هي خطوات إيجابية، ولكن هناك نواقص اعترض عليها ممثلو العلويين.

هذه الاعتراضات، بحسب بولوط، "هي أن الحكومة تريد ربط مطالب العلويين بوزارة الثقافة، بما يعني أنها لا تعتبرها عقيدة معينة أو مذهباً، بل مسألة ثقافية فقط، بينما يريد العلويون ممارسة طقوسهم في مراكز تُعتبر أماكن عبادة". 

وأضاف أن "المشكلة الثانية هي مسألة دفع الرواتب لرجال الدين العلويين من قبل الحكومة، فهناك قلق من أن هذه القرارات قد تسعى إلى السيطرة على العلويين عبر تخصيص رواتب للقائمين على بيوت الجمع".

وشدد على أن "هذه الخطوات كان يفترض أن تُقدم عليها الحكومة قبل 10 سنوات، وكانت هناك نقاشات وورش عمل لمدة 4 أشهر تحت مراقبة وزراء، ولكن لم تسفر عن أي نتيجة".

واعتبر أن "هناك غياباً للثقة والمصداقية بين الطرفين، وعلى الرغم من أن هناك من يؤيد السلطة من العلويين، لكن النسبة الساحقة منهم ترى القرارات الأخيرة خطوة للحصول على أصوات العلويين وكسب تأييدهم في الانتخابات المقبلة".

خطوة حكومية متأخرة

في المقابل، قال المحلل السياسي، عضو حزب العدالة والتنمية بكير أتاجان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "العلويين 4 تيارات رئيسية، ففي مدن الجنوب مرسين وأضنة وأنطاكيا هناك العلويون من أصول عربية، الذين يرفضون أن يكونوا تابعين لشؤون الديانة ويرفضون أي تبعية، كما هناك العلويون الأكراد وهم من أصول أرمينية في شمال شرق البلاد، وهم قريبون من تفكير العلويين العرب". 

عضو في "العدالة والتنمية": الانفتاح الحكومي على العلويين تأخر لسنوات بسبب الاختلافات بينهم
 

وأضاف: "هناك أيضاً العلويون من التركمان والأتراك في منطقة الأناضول، وهؤلاء وفق الطريقة البكداشية يفضّلون عبادتهم في دور الجمع. أما التيار الرابع فهم علويو منطقة الغرب في مدن إزمير وبالك إسير وآيدن ومانيسا ودنيزلي، وهؤلاء يعتقدون بأن لديهم عبادة أقرب لشؤون الديانة".

ولفت إلى أنه بسبب هذا الانقسام تأخر الانفتاح الحكومي لسنوات على العلويين، وبسبب الخلافات تم الحديث عن ربطهم بوزارة الثقافة درءاً لنقاشات بينهم، ولهذا كان التفضيل بأن تكون الجهة المسؤولة عنهم ذات بُعد ثقافي. 

واعتبر أن "وضع العلويين مختلف عن باقي الأقليات والمذاهب، ويشكّلون قرابة 20 في المائة من الأتراك، وهم مدعومون خارجياً خصوصاً من ألمانيا، وبالتالي فإن الانفتاح تأخر لعدم حصول صدامات مجتمعية".

من جهته، قال المحلل السياسي محمد جيرين لـ"العربي الجديد"، إن "الخطوة الحكومية الأخيرة تبدو صحيحة في إطار الانفتاح على جميع شرائح المجتمع، لكن توقيتها مثير للجدل، وهو ما أدى إلى تشكيك بعض الأطراف بمصداقيتها، فيما ترى أطراف أخرى أن توقيتها مناسب".

وأردف: "كل التطورات الحالية في البلاد، يتم ربطها بالانتخابات، فقضية العلويين كان يمكن للحكومة حلها قبل سنوات، وهناك انطباع أن التأخير كان بسبب ارتياح الحزب الحاكم قبيل الانتخابات السابقة، أما الإقدام على الخطوة في هذا التوقيت فهو لشعوره بتراجع أصواته".

ولكنه اعتبر أن "أي خطوة تجاه أي طائفة أو أقلية في تركيا، وعلى الرغم من الانتقادات، تُعتبر مكسباً في خطوات تصالح الدولة مع جميع أطيافها، وهي خطوة يجب الترحيب بها أيضاً وإعطاؤها الفرصة للتثبت من النوايا خلفها".