بعد سنوات من اعتداءات متكررة على منطقة راس العقبة بين بلدتي سنجل شمال رام الله وسط الضفة الغربية، واللبن الشرقية جنوب نابلس شماليّ الضفة، أقام مستوطنون قبل أيام بؤرة استيطانية جديدة.
وتأتي إقامة البؤرة الاستيطانية إثر ما يعتبره الفلسطينيون ضوءاً أخضر أُعطي للمستوطنين من حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً الوزيرين الإسرائيليين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، إثر العملية الفدائية في مستوطنة "عيلي" المقامة على أراضي الفلسطينيين جنوب نابلس.
وتملك عائلة الصحافي محمد غفري (33 عاماً) قرابة 12 دونماً على بعد مئتي متر من البؤرة الاستيطانية الجديدة، وهو يملك قطعة أرض هناك، كانت قد تعرضت "لإعدام" أشجار الزيتون فيها نهاية فبراير/ شباط الماضي، بالتزامن مع الهجوم الكبير حينها على بلدة حوارة جنوب نابلس.
لكن ذلك الاعتداء لم يكن سوى الأكبر، والذي أدّى إلى تخريب كل ما زرعه في عام 2019 من أشجار زيتون اشتراها كبيرة لكي تثمر مبكراً، وقد أثمرت فعلاً، وكأن المستوطنين انتظروا تلك اللحظة لقلع كل الأشجار، وقد سبقته اعتداءات كثيرة، كما يقول لـ"العربي الجديد".
اللافت ما يرويه غفري عن أن المستوطنين، على مدار سنوات، استهدفوا هذه المنطقة وأرضه، وهم أنفسهم الذين أقاموا البؤرة الاستيطانية قبل أيام. فكما يقول، ذهب إلى المنطقة ورأى الوجوه نفسها التي حفظها في كل اعتداء، برفقة قيادات استيطانية.
السبت الماضي، حرث غفري أرضه التي تعرضت للاعتداء قبل ثلاثة أشهر، وأشترى سياجاً، من أجل إحاطة أرضه به، عله يحميها من اعتداءات أخرى للمستوطنين، لكنه لا يعرف إن كان سيستطيع الوصول وتسييج أرضه أو لا، بعد البؤرة الاستيطانية الجديدة، فهي تبعد عنها 200 متر تقريباً.
ويشير غفري إلى أن البؤرة الجديدة تتوسط الطريق المعروفة باسم (معرجات اللبن)، وهي طريق رام الله نابلس القديمة بين سنجل واللبن الشرقية، وتشرف على أهم سهلين زراعيين في البلدتين، أحدهما سهل مرج عرزل، ويطمع المستوطنون بالسيطرة عليه، من خلال اقتحامه، وتنفيذ اعتداءات وطرد المزارعين منه بشكل متكرر، ما أدّى إلى بقاء مساحات قليلة منه فقط مزروعة.
ويشدد على أن "وجود بؤرة استيطانية جديدة في المنطقة، إضافة إلى المستوطنات الموجودة بالأصل في المنطقة، سيزيد من اعتداءات المستوطنين على الأراضي الزراعية، التي كانت تأخذ شكل تكسير الأشجار، وسرقة خلايا النحل، وتخريب الأسلاك والسياج الذي يحيط بأراضي الأهالي، وسيجعل مصيرها مجهولاً".
وقُبيل منتصف الأربعاء الماضي، وبعد ساعات من هجوم المستوطنين الكبير على بلدة ترمسعيا المجاورة، وإطلاق أحد المستوطنين النار تجاه منازل سنجل، وصلت آليات المستوطنين الثقيلة بحماية جيش الاحتلال، كما يروي نائب رئيس بلدية سنجل، بهاء فقهاء لـ"العربي الجديد".
ويقول فقهاء إن "آليات بدأت بالتجريف، وشاحنات أحضرت غرفاً متنقلة (كرافانات)، لإقامتها على أرض تُقدَّر مساحتها بشكل أولي بخمسة دونمات تتبع لبلدتي سنجل واللبن الشرقية، وهي أراضٍ خاصة لفلسطينيين، مع كون المساحة مرشحة للازدياد، في ظل استمرار المستوطنين بالعمل في الموقع".
ويأخذ شكل البؤرة شكل البيوت المتنقلة، وعددها حتى اللحظة خمسة، حسب فقهاء، بينما يوجد فيها ما بين 15 إلى 20 مستوطناً، دون أن يعلم الأهالي طبيعة المستوطنة، إن كانت زراعية أو سكنية أو رعوية حتى اللحظة.
وفي موقع آخر، يبعد قرابة 4 كيلومترات، وضع المستوطنون غرفاً متنقلة أخرى بذات الليلة، لكن ذلك الموقع كان قد أعد مسبقاً قبل ثلاثة أسابيع بتجريف قرابة 38 دونماً، وإقامة بنية تحتية في المكان.
كل ذلك يهدف، بحسب فقهاء، إلى إيجاد شريط استيطاني، يربط بين مستوطنتي شيلو ومعاليه ليفونا ومستوطنات أخرى، لتكوين امتداد استيطاني في المكان، سيؤثر مباشرةً على الأهالي.
ويتوقع فقهاء مزيداً من الاعتداءات على المارين من الشارع، والمركبات الفلسطينية، والمنازل، فضلاً عن منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم التي يستغلونها بالزراعة، أو تربية النحل.
ويعتبر فقهاء أن إقامة هذه البؤرة واستكمال بؤرة أخرى قرب بلدته، جزء من الضوء الأخضر الذي أعطته حكومة الاحتلال للمستوطنين بعد عملية إطلاق النار في مستوطنة "عيلي" المقامة جنوب نابلس والتي تبعد عدة كيلومترات عن المكان.
ويقول فقهاء: "بن غفير وسموتريتش أعطيا المستوطنين الضوء الأخضر، وكأنها رسالة لهم بأن يفعلوا ما يشاؤون، بعد أن أقرت حكومة الاحتلال بناء 1000 وحدة استيطانية في مستوطنة عيلي، ونحن نناشد وقفة جدية من الأهالي في شمال شرق رام الله، وجميع القرى المحيطة، لأننا سنخسر جميع الأراضي".
ويعدّ الأهالي خطوة إقامة البؤرة الاستيطانية مفاجئة، حيث لم يكن هناك أي إعلان مسبق عن خطط لبؤرة جديدة في المكان، لكنهم يعتقدون بوجود خطة معدة دون إعلان، استخدمت فيها الاعتداءات للوصول إلى تلك النتيجة، واختيرَت اللحظة التي اعتبرها المستوطنون مناسبة، ضمن ما يدعي الاحتلال أنه جزء من ردود الفعل على العملية الفدائية قرب مستوطنة عيلي، التي أدت إلى مقتل 4 مستوطنين.
ويحيط بسنجل، التي تقع شمال رام الله 5 مستوطنات وبؤر استيطانية، وتتعرض لاعتداءات متكررة، ولا سيما قرب الشارع الرئيسي الذي يمر منه المستوطنون، حيث أحرقوا أحد المنازل القريبة من الشارع في مارس/ آذار الماضي.