كثّف المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، نشاطه في المسار العسكري على حساب المسار الدستوري، وهو الأساس في دفع الأوضاع نحو إجراء الانتخابات خلال العام الحالي، وفق ما تهدف إليه مبادرته التي لا تزال طيّ الكتمان حتى الآن، على الرغم من مرور أكثر من شهر على إعلانه أمام أعضاء مجلس الأمن عن اكتمالها وعزمه على الإعلان عن تفاصيلها.
وعلى الرغم مما صاحب الاجتماعات العسكرية والأمنية التي رعاها باتيلي في طرابلس وبنغازي، بمشاركة لجنة 5+5 وعدد من أبرز قادة السلاح من شرق وغرب البلاد، من بيانات الإشادة والتأييد من كل الأطراف، إلا أن شيئاً لم ينبثق عنها سوى تعهد من شارك فيها بتقديم "كافة أشكال الدعم لتأمين الانتخابات". كما أن أجندة تلك الاجتماعات وبنودها، بل موضوعها، لم يُعلن عنه، باستثناء بعض التلميحات خلال كلمات باتيلي وتصريحاته حول ضرورة مشاركة القادة العسكريين في تأمين الانتخابات، وذلك في إطار تشديده على أهمية تهيئة الظروف الأمنية للانتخابات.
وتتزايد المخاوف من مسلك باتيلي في التعامل مع ملف الانتخابات. فكيف يمكن أن يصدّق أي متابع أن قادة السلاح، الذين كانوا طيلة عقد أداة التخريب والقتل والدمار والتهجير وجلب الأجنبي، سيكونون اليوم أداة لصنع السلام، ونقل ليبيا إلى الاستقرار من بوابة الانتخابات؟ وكيف يمكن تصديق أن خليفة حفتر، الذي يشارك أبرز قادة أذرعته العسكرية في تلك الاجتماعات، قد تخلّى عن مشروع حكم البلاد بقوة السلاح وتحويلها إلى مُلك عسكري؟ وماذا عن حلم قادة المليشيات، وهو الجزء المقابل لحفتر في تلك الاجتماعات، بعدما أسسوا جماعات نهب وسرقة، سيطروا من خلالها على مفاصل مؤسسات الدولة؟ هل يمكن الاقتناع بأنهم تخلوا عن أحلامهم ومصالحهم والوضع الحالي الذي يُبقي لهم السيطرة على كل شيء، بكل سهولة وتحوّلوا إلى حمام سلام؟ كيف يمكن للعسكر أن يؤسس للديمقراطيات والاستقرار؟
الأسئلة التي تحيط بمسار باتيلي تبدو كثيرة، لكن أهمها يدور حول الضمانات التي حصل عليها من قادة السلاح لتأكيد مواقفهم، ومن المعطيات التي بنى عليها آماله وثقته فيهم، وعلى الأقل ضمان عدم تدخّلهم فيها والتأثير عليها.
يبدو مسار باتيلي في ثقته بقادة السلاح غير مطمئن، والمخاوف تزداد كل يوم منذ أن طرأت لديه فكرة أن "التمهيد للانتخابات لا يتوقف عند إصدار الأطر الدستورية والقانونية فقط"، بل تأمينها على الأرض من قِبل القادة العسكريين والأمنيين، كما تصفهم البعثة الأممية. وأكبر تلك المخاوف من أن ينتقل مسار عرقلة الانتخابات من يد مجلسي الدولة والنواب إلى يد قادة السلاح، بتعاظم دورهم من خلال كثافة تلك الاجتماعات التي سبق أن منحت مجلسي النواب والدولة الكلمة العليا في قرار الانتخابات ومصيرها. وإن حدث وانتقل الأمر إلى قادة السلاح، فعلى الانتخابات السلام.