عقد مسؤول كبير في الخارجية الأميركية مؤتمراً صحافياً عبر الهاتف، قدّم فيه عرضاً لحصيلة الجولة السابعة من مفاوضات فيينا التي انتهت الجمعة بطلب ايراني، على أن تُستأنف "قريباً على ما نأمل" كما قال، في وقت تحدّده طهران.
في بيانه، كما في رده على الأسئلة، سعى لتقديم صورة تضع الجولة خارج خانة الفشل من دون أن تدّعي نجاحها. ووصفها بأنها كانت "أفضل مما كان يمكن أن تكون عليه، وأسوأ مما كان ينبغي أن تنتهي إليه". وضمن هذه الحدود، أقرّ بأن ما أحرزته بقي من نوع "التقدم الضئيل"، من غير أن يفصح عن النواحي التي تم فيها هذا التقدم. نوّه فقط بموافقة إيران على "إعادة نصب كاميرات مفتشي وكالة الطاقة الدولية في منشأة كرج". خطوة وصفها المتحدث، الذي لا يذكر اسمه في مثل هذا اللقاء، بأنها "هامة ومرحب بها، رغم أنها متواضعة"، علماً أن قبول إيران جاء لتحاشي إحالة الأمر على مجلس إدارة وكالة الطاقة، الذي يبت بالمخالفات من هذا النوع التي ترتكبها الدول الأعضاء في الوكالة، مثل إيران، والمفترض أن تعمل على تسهيل مهمة المفتشين، ومنها نصب الكاميرات للقيام بالمراقبة المطلوبة.
كما "رحب بالتوافق الذي حصل حول تحديد" الأجندة التي ستجرى مناقشة بنودها النووية، "من دون الشق المتعلق بالعقوبات الذي لم يطرح"، ولم تُتخذ بشأنه أي قرارات، و"الذي كنا على استعداد للبحث فيه" كما قال.
كلامه، الذي حرص فيه على التوازن بين الدبلوماسية ولغة الالحاح والتحذير الملطّف، جاء ليعكس "حالة عدم اليقين التي تركتنا فيها الجولة لناحية ما إذا كان بمقدورنا الوصول إلى حيث نريد خلال الوقت القصير المتبقي لنا"، على حدّ تعبيره. وكان من اللافت أن يعترف المسؤول، بصورة ضمنية، بأن بعض التعقيدات والصعوبات القائمة نشأت نتيجةً للانسحاب من اتفاق 2015 "الذي كان هزيمة ذاتية". وربما كان هذا الاعتراف العلني، الذي أثار دهشة بعض المراقبين، قد سمعه الوفد الايراني خلال جلسات التفاوض.
وأيضاً، استوقف المراقبين ما كشفه المسؤول عن أن المفاوضات عادت إلى ما بدأته في يونيو/حزيران، وذلك بعد أن كانت الإدارة قد اشترطت البدء في الجولة الأخيرة من حيث انتهت سابقتها. وهو تراجع بدا تنازلاً من إيران، التي "قدّمت مقترحات لا تتساوق مع اتفاق 2015".
في ضوء ذلك، وعلى خلفية الجولات السابقة التي جرى التراجع عمّا تحقق فيها على تواضعه، بدأت تتعالى التساؤلات والاعتراضات في الكونغرس وغيره، وبعضها بضغوط إسرائيلية، حول مخاطر الاستمرار في المراوحة، "في حين يواصل المشروع النووي تقدّمه، وتخصيب اليورانيوم بدرجة عالية وصلت إلى 60 بالمائة". ثم توسعت دائرة هذا الخطاب في الأيام الأخيرة، ودخلت على خطها أسماء وزراء وجنرالات سابقين ومتقاعدين تطالب بوجوب مخاطبة إيران بصورة مباشرة وبلغة "الخيار العسكري ردّاً على استمرارها بخطها الراهن"، كما جاء في كتاب رفعه وزير الدفاع السابق ليون بانيتا والجنرال السابق دافيد بتريوس الذي تولّى قيادة القوات الأميركية فترة في العراق، ومعهما آخرون. وهؤلاء محسوبون في واشنطن على خندق الاعتدال المؤثر خاصة على أجواء الكونغرس.
وقال المسؤول إن الإدارة أخذت علماً بهذه الدعوة، مع التذكير بأن الرئيس جو بايدن سبق أن تعهد بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وإن "كافة الخيارات مطروحة" لترجمة هذا التعهد. لكن من غير الإشارة الصريحة إلى القوة العسكرية، المستبعد أن يلجأ إليها الرئيس بايدن ما دام هناك بصيص أمل في عملية التفاوض التي يتقن أهل البازار لعبتها. لذلك، وعلى الرغم من سخونة الحديث عن إيران والمفاوضات، ما زالت كفة التوصل إلى مخرج تفاوضي "مقبول" راجحة ولو بقليل، ليس لشيء سوى لأنه لا مخارج أخرى.