فتحت قضية التأجيل المحتمل لموعد الانتخابات العامة في باكستان صفحة جديدة من الجدل والصراع بين الأحزاب السياسية من جهة، ومؤسسات الدولة من جهة ثانية.
وكان حزب "حركة الإنصاف"، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عمران خان، المسجون حالياً، يرفض بشدة تأجيل الانتخابات العامة، وهو أمر تدعمه الجماعة الإسلامية. لكن التحالف من أجل الديمقراطية، الذي كان يقود الحكومة قبل أن تنتهي فترتها القانونية في 9 أغسطس/آب الحالي، كان يعمل وبشدة، بدعم من المؤسسة العسكرية، من أجل إرجاء الانتخابات، المتوقع أن تجرى في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وتم على هذا الأساس تعيين أنوار الحق كاكار على رأس حكومة تصريف الأعمال.
خلاف بين أعضاء التحالف الحاكم
وبدأت الأمور تتغير رويداً رويداً بعد أن تولت حكومة تصريف الأعمال مهامها في البلاد، كما بدأت العلاقة بين أعضاء التحالف من أجل الديمقراطية تتدهور، تحديداً بين حزبين رئيسيين: "الرابطة الإسلامية" جناح نواز شريف المُصر على إرجاء الانتخابات، و"الشعب الباكستاني" بزعامة الرئيس الأسبق أصف علي زرداري، الذي أعلن قبل يومين أن تأجيل عملية الانتخابات أمر غير مقبول، داعياً لجنة الانتخابات وحكومة تصريف الأعمال للعمل من أجل إجراء الانتخابات وفق الدستور، الذي ينص على إجراء الانتخابات خلال 90 يوماً من إنهاء فترة الحكومة السابقة.
حمزة أمير: جميع الداعين لتأجيل الانتخابات يواجهون ضغطاً كبيراً
وقالت القيادية في "الشعب" شيرين رحمان، في مؤتمر صحافي في كراتشي بعد اجتماع الشورى المركزي للحزب في 25 الشهر الحالي، إن حزبها لن يقبل بأي حال من الأحوال إرجاء عملية الانتخابات، معتبرة أن الحل الوحيد لإخراج البلاد من المآزق المختلفة هو انتخاب حكومة قوية، كي تأخذ قرارات مصيرية وجريئة في مختلف القطاعات، وهو أمر لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال القيام به.
وقال المحلل السياسي زين الإسلام، لـ"العربي الجديد"، إن إعلان حزب الشعب الباكستاني مغاير تماماً لما يتطلع إليه التحالف من أجل الديمقراطية، لذا هو فاجأ كل أعضاء التحالف، لكنه في الأساس يشكل خيبة أمل لحزب شهباز شريف، الذي أعلن قبل تنحيه عن المنصب في 9 الشهر الحالي أن جميع أحزاب التحالف مع إرجاء عملية الانتخابات، وذلك بعد أن وافق مجلس المصالح المشتركة (وهو هيئة دستورية تضم رئيس الحكومة وكبار الوزراء) أن تكون الانتخابات العامة المقبلة وفق نتائج التعداد السكاني الجديد، ولا شك أن إجراء الانتخابات وفق نتائج التعداد السكاني الجديد يتطلب تأجيلها.
مع العلم أن نتائج التعداد السكاني كانت قد أعلنت في الخامس من شهر أغسطس الحالي، وتبين أن عدد سكان باكستان قد بلغ 250 مليون نسمة وأن هناك زيادة سكانية قدرها 35 مليون نسمة خلال ست سنوات. وقرار الحكومة أن تكون الانتخابات على أساس التعداد السكاني الجديد يعني أن لجنة الانتخابات تحتاج إلى فترة أطول لتحديد الدوائر الانتخابية من جديد.
ورأى زين الإسلام أن الهدف من إعلان "الشعب" ورجوعه عما قررته الحكومة السابقة، التي هو كان عضو مهم فيها، قد يكون عائدا إلى أن الحزب أدرك أن الرأي العام ليس مع قرار إرجاء الانتخابات، وبالتالي هو يريد بالإعلان الجديد الحصول على دعم الشارع.
واعتبر زين الإسلام أن إعلان حزب "الشعب" الجديد ليس إلا مجرد دعاية إعلامية وبمثابة ذر الرماد في أعين المواطنين، إذ إن معظم الناس في باكستان يرون أن الحل الوحيد للخروج من كافة الأزمات التي تواجهها البلاد هو تعيين حكومة جديدة قوية كي تأخذ قرارات صارمة، وبالتالي حزب "الشعب" حاول بهذا الإعلان أن يقول للشارع نحن نحترم رأيكم، لكنه في الحقيقة مع قرار إرجاء عملية الانتخابات.
وأكد المحلل السياسي أن "جميع أعضاء التحالف من أجل الديمقراطية لم يكونوا على قلب رجل واحد حيال عملية الانتخابات، لكنهم اجتمعوا على إخراج عمران خان من الساحة السياسية، ما جعلهم يوافقون على أي قرار يخدم مصلحتهم هذه، ومنها قرار إرجاء الانتخابات، وإلا فإن القضية لم تكن أصلاً محط توافق بين الجميع، لكن العداء لخان والضغط من قبل المؤسسة العسكرية جعلاهم يتفقون على ذلك".
لكن الإعلامي والكاتب الباكستاني حمزة أمير قال، لـ"العربي الجديد" إنه صحيح أن حزب الشعب كان جزءاً من الحكومة التي صادقت على أن تكون الانتخابات وفق إحصائية التعداد السكاني الجديدة، لكن لم يتم التطرق في مسودة التوافق على أن تجرى الانتخابات وفق هذا الأمر.
ولفت إلى أنه منذ البداية كانت نبرة حزب الشعب الباكستاني توحي بأنها غير راضية على قرار تأجيل الانتخابات، ولهذا فإن له الحق أن يعلن ما يحلو له، خصوصاً أن هناك بعض الجهات (في إشارة إلى المؤسسة العسكرية والاستخبارات) تمهد لجعل نواز شريف رئيساً للوزراء في المستقبل، وهو أمر لن يقبله حزب الشعب، الذي يتطلع إلى أن يتولى رئاسة الحكومة المقبلة، لأن رئاسة الحكومة السابقة كانت بيد حزب الرابطة، وكان شهباز شريف يتولى منصب رئيس الوزراء وحزب الشعب كان يدعمه، تحت مظلة التحالف من أجل الديمقراطية.
ضغط قويا على الداعين لتأجيل الانتخابات
وأشار أمير إلى أن "جميع الداعين لتأجيل الانتخابات يواجهون ضغطاً قوياً، وهم لجنة الانتخابات، وحكومة تصريف الأعمال، ومن يدعمهما" في إشارة مبطنة إلى المؤسسة العسكرية.
وأكد أن حزب "الرابطة الإسلامية" يرى أنه سيفوز في الانتخابات المقبلة، وهو بحاجة لمزيد من الوقت من أجل عودة زعيمه نواز شريف من لندن، في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لكنه بحاجة إلى بعض الوقت أيضاً، لأنه يواجه ملفات في المحاكم، وقد أعلن حزبه أنه مرشح لمنصب رئيس الوزراء، وهذا الأمر غير مقبول لحزب الشعب.
وقال: "نحن نعرف التاريخ الطويل من الصراع بين حزبين رئيسيين قبل أن يتحالفا بسبب صراعهما مع حزب عمران خان". واعتبر أن "من التحديات الكبيرة التي تواجهها لجنة الانتخابات موقف الرئيس الباكستاني عارف علوي، وهو من حزب عمران خان، ولا يزال بيده الكثير. كما أن القضية قد ترفع إلى المحكمة العليا. ولهذا فإن لجنة الانتخابات الوطنية تتصرف بشكل عشوائي، وكأنها تدور حيثما يقال لها أن تدور".
حزب عمران خان يلعب أوراقه الأخيرة
في المقابل، بات دور عمران خان على الساحة السياسية ضعيفاً جداً، بعد أن دخل السجن، وهناك ملفات أخرى كثيرة تنتظره بسبب صراعه مع المؤسسة العسكرية. كما انشقت عنه قيادات كثيرة، ما جعل مراقبين يتحدثون عن أن خان لن يكون قادراً على خوض الانتخابات في ظل الكثير من الملفات التي يواجهها قضائياً، وفي ظل صراعه مع المؤسسة العسكرية.
محمد راشد مندو خيل: قد تُستخدم لجنة الانتخابات، من قبل المؤسسات التي تدعمها، لتأجيل العملية
إلا أن حزب "حركة الإنصاف" لا يزال يستخدم أوراقه الأخيرة، أهمها السلطة القانونية التي يملكها علوي، الذي فشلت كل المحاولات لينشق عن حزبه، ولا يزال يواجه كل من يخالف خان ومشروعه السياسي بقوة. كما أن الدستور الباكستاني ينص على أن رئيس البلاد لديه الحق بتحديد موعد الانتخابات، بالإضافة إلى خيار اللجوء إلى المحكمة العليا لتثبيت إجراء الانتخابات في الموعد المحدد.
القرار بيد المحكمة العليا الباكستانية
ورأى الخبير القانوني محمد راشد مندو خيل، وهو محام لدى المحكمة العليا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن دور الرئيس الباكستاني مهم، ولكن الأهم من ذلك ما ستقرره المحكمة العليا إذا حولت القضية إليها، والتي ليس لديها خيار سوى إجراء الانتخابات بعد 90 يوماً من تولي حكومة تصريف الأعمال السلطة.
لكن مندو خيل أشار إلى وجود خيار ثانٍ أمام المحكمة العليا، يقضي بإعطاء المزيد من الوقت لإجراء الانتخابات، بناء على تقديم حكومة تصريف الأعمال ولجنة الانتخابات دلائل وجيهة حول ضرورة تأجيلها.
وأعرب الخبير القانوني عن خشيته أن تُستخدم لجنة الانتخابات الحالية، من قبل المؤسسات التي تدعمها، بهدف تأجيل عملية الانتخابات إلى أجل غير معلوم، بحجة أن الأوضاع المعيشية والأمنية لا تسمح بذلك. لكن مندو خيل حذر من أن هذا الأمر سيفتح الباب أمام صراع بين المؤسسة القضائية والأحزاب التي تريد إجراء الانتخابات في موعدها من جهة، وبين الحكومة ولجنة الانتخابات ومن يدعم قرار التأجيل من جهة ثانية، لتدفع البلاد ثمن ذلك الصراع الخطير.