شهد البرلمان البريطاني هذا الأسبوع أجواء متوترة خلفها انقسام حزب المحافظين الحاكم، حول خطة تشيكرز التي طرحتها رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، في ورقة بيضاء الأسبوع الماضي. فبينما شهد يوم الإثنين الماضي خضوع ماي للتعديلات التي طرحها متطرفو بريكست على قانون التجارة، والذي يهدف إلى تنظيم التجارة البريطانية بعد خروجها من منظومة الاتحاد الأوروبي، بالكاد نجت الحكومة البريطانية، أول من أمس، من تصويت على تعديل على القانون ذاته تقدم به مؤيدو الاتحاد الأوروبي، وكان ليقود إلى صراع على زعامة الحزب وإلى انتخابات عامة في بريطانيا.
فقد نجت ماي الثلاثاء من نيران الحرب الأهلية في صفوف حزبها، عندما صوّت البرلمان البريطاني ضد تعديل تقدم به مؤيدو الاتحاد الأوروبي من النواب المحافظين حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي، وبفارق ستة أصوات فقط، معتمدة بذلك على أصوات أربعة من نواب حزب العمال المتمردين على توجيهات جيريمي كوربن. وكان لمثل هذه الهزيمة، إن وقعت، أن تضع حكومة ماي بين ناري مؤيدي ومعارضي الاتحاد الأوروبي، وهو ما كان سيقود إلى تصويت على أهليتها لزعامة الحزب الحاكم، وبالتالي إلى انتخابات عامة تنتج عنها تركيبة برلمانية جديدة.
وكان "السياط الحزبي"، وهو الشخص الذي يضمن التزام تصويت النواب لمصلحة توجيهات قيادة الحزب، قد هدد مؤيدي الاتحاد الأوروبي، البالغ عددهم 12 نائباً، بالدعوة إلى انتخابات عامة هذا الصيف إذا فشلت رئيسة الوزراء في تمرير خططها الخاصة بالاتحاد الجمركي بعد بريكست. وجاء هذا التحذير بعد أن تلقت الحكومة البريطانية هزيمة غير متوقعة خلال تصويت مجلس العموم لمصلحة البقاء ضمن منظومة التشريعات الأوروبية المتعلقة بالأدوية. وكشف أحد النواب المتمردين عن تهديدات نائب "السياط الحزبي" المحافظ كريس بنشر، موضحاً: "نشر أنه سيسحب القراءة الثالثة لقانون التجارة ويدعو إلى تصويت للثقة (في الحكومة). وقال إننا سنكون مسؤولين عن الانتخابات العامة، ووصول جيريمي كوربن إلى رئاسة الوزراء. إنه تصرف مخزٍ". ووفقاً لقوانين البرلمان البريطاني، يمكن لهزيمتين متتاليتين للحكومة البريطانية في البرلمان خلال أسبوعين أن تؤديان إلى انتخابات عامة، إلا أن قيادة حزب المحافظين كانت تخشى من أن هزيمة ماي خلال التصويت على الاتحاد الجمركي كانت ستدفع المزيد من نواب الحزب المترددين إلى صفوف المعارضة البرلمانية، والمطالبة بإسقاطها من قيادة الحزب، قبل أن يتجه البرلمان نحو عطلته الصيفية الثلاثاء المقبل.
وشمل التعديل الذي تقدم به مؤيدو الاتحاد، والذي صوّت البرلمان ضده بـ307 أصوات مقابل 301، أنه وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق على منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي بحلول 21 يناير/كانون الثاني المقبل، فإنه يجب على الوزراء تغيير استراتيجية التفاوض والانضمام إلى اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما يدعمه حزب العمال، وترى فيه الحكومة تقييداً لقدرة بريطانيا على التفاوض على اتفاقيات تجارية مع أطراف ثالثة. وكانت تيريزا ماي قد أذعنت قبل أربع وعشرين ساعة للضغوط القادمة من الجناح المعارض للاتحاد الأوروبي، من خلال موافقة حكومتها على التعديلات التي تقدمت بها مجموعة الأبحاث الأوروبية في البرلمان البريطاني، والتي يرأسها جاكوب ريس موغ، وتضم 60 نائباً من حزب المحافظين. وهدف أهم هذه التعديلات الأربعة اغتيال خطة تشيكرز للتسوية الجمركية مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما عارضته الحكومة البريطانية طوال الأسبوع الماضي، ولكن انتهى بها الأمر للإذعان قبل ساعات من التصويت البرلماني. وبررت رئاسة الوزراء هذه الانعطافة بأن التعديلات الأربعة متماشية مع ورقة بريكست البيضاء، وهو ما أثار غضب عدد من أعضاء حزبها، ودفع وزير الحكومة للمشتريات الدفاعية، غوتو بيب، للاستقالة من منصبه احتجاجاً. وتمكن أحد التعديلين من تجاوز العقبة البرلمانية بتصويت 305 أعضاء لمصلحته مقابل 302، بينما مررت الحكومة تعديلاً آخر يتعلق بعضويتها في نظام ضريبة القيمة المضافة الأوروبي بـ303 أصوات مقابل 300، وكلاهما بالاعتماد على أصوات متمردي حزب العمال.
ودفعت هذه التطورات بآنا سوبري، النائبة المحافظة من الكتلة المؤيدة للاتحاد الأوروبي، إلى التساؤل عمن يدير بريطانيا، قائلة إن السبب الوحيد لقبول الحكومة بهذه التعديلات هو خوفها من الكتلة المؤيدة الطلاق التام مع الاتحاد الأوروبي. وقالت: "من المسؤول هنا؟ هل هي رئيسة الوزراء أو النائب عن شمال شرق سومرست (ريس موغ)؟". وأضافت، في مقابلة مع القناة الرابعة لهيئة الإذاعة البريطانية أمس الأربعاء، أن تيريزا ماي قد فقدت السيطرة على حكومتها، مطالبة بحكومة وحدة وطنية للتعامل مع بريكست.
ومن جهته، عبّر الاتحاد الأوروبي عن قلقه من عدم الاستقرار الحكومي في بريطانيا، لكنه أكد ضرورة المضي قدماً في المفاوضات المقررة هذا الأسبوع، والتركيز على قضية الحدود الأيرلندية، وخطة المساندة، التي سيتم تطبيقها في حال فشل الخطط الحكومية الحالية. وقال رئيس الوزراء الأيرلندي، ليو فارادكار، "لا يجب أن تتسبب القلاقل السياسية في لندن والإضراب في وستمنستر بفزعنا، ويجب ألا نغير مواقفنا نتيجة لها". ويعارض الاتحاد الأوروبي حالياً الخطة البريطانية المقترحة للتسوية الجمركية، بينما ينقسم حول منحها وصولاً إلى السوق المشتركة، خصوصاً من قبل الأعضاء ذوي الروابط التجارية القوية مع بريطانيا. وقد تيسر الخطوط العريضة التي تشملها الورقة البيضاء لحكومة ماي المرونة التفاوضية الكافية للحصول على موافقة قادة الاتحاد الأوروبي، كما كان الحال في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ولكن تصلب الموقف الأوروبي أخيراً سيدفع إلى تقليل عدد الخيارات المتاحة أمام بريطانيا، وبالتالي سيزيد الضغط على نواب حزب المحافظين، وقد يدفعهم ذلك إلى خفض حدة معارضتهم الاتحاد الأوروبي كي لا يكونوا عرضة للاتهامات بالوقوف في وجه التسوية مع أوروبا. وينطبق الأمر ذاته على أحزاب المعارضة. ويمكن لهذا السيناريو أن يضع تيريزا ماي في موقف يسمح لها بتمرير خطتها الخاصة ببريكست، معتمدة على المناورة بين الضغوط المحلية والأوروبية. ولكن قد يبرز أيضاً سيناريو آخر، وإن كان أقل احتمالاً، برفض الاتحاد الأوروبي الكلي الطروحات البريطانية في الورقة البيضاء، وهو ما سيؤدي إلى رفض البرلمان البريطاني أيضاً نتيجة التفاوض مع الاتحاد، وتخرج بريطانيا من الكتلة الأوروبية من دون أي اتفاق، وتخضع علاقتها به لقوانين منظمة التجارة العالمية. أما السيناريو النقيض لذلك، فهو أن تبقى بريطانيا في عضوية كل من الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة، نتيجة للتمرد في صفوف حزب المحافظين، وتصويت أعداد متزايدة من نوابه إلى جانب حزب العمال المعارض.
ويشير استطلاع للرأي، أجرته منظمة "يوغوف" لمصلحة صحيفة "التايمز" البريطانية، إلى أن حزب العمال يتقدم حالياً على حزب المحافظين بخمس نقاط، إذ ارتفعت نسبة تأييده بين البريطانيين نتيجة لخطة تشيكرز. ويحصل حزب العمال على تأييد 41 في المائة من المستطلعة آراؤهم، بينما حزب المحافظين على 36 في المائة، وهو الذي قاد الاستطلاعات الشهر الماضي بنحو خمس نقاط مئوية. كما يشير الاستطلاع إلى ارتفاع التأييد لاستفتاء ثانٍ إلى 40 في المائة، وهي الأعلى على الإطلاق.