ستة أسابيع تفصل البريطانيين عن انتخاب رئيس جديد لحكومة بلادهم، ورابع زعيم لـ"حزب المحافظين" خلال السنوات الـ 12 الماضية، منذ أن استعاد المحافظون السلطة، فيما يخوض المرشحان ليز تراس وريشي سوناك مواجهة تلفزيونية هي الأولى بينهما، مساء اليوم.
وسيتعيّن على ما يقارب 160 ألف ناخب (معظمهم في أواخر الخمسينيات من العمر) الإصغاء جيداً لخطط ووعود المرشّحين، تراس وسوناك في مواجهة أكبر تحدّيات يمكن لأي رئيس وزراء بريطاني مواجهتها منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي حين أن الفائز سيرث أغلبية برلمانية غير مستقرة، فمن المرجّح أن تعيق تقدّمه واستقراره في منصبه الفوضى الكبيرة التي أحدثتها حكومة بوريس جونسون، إضافة إلى الكثير من الصراعات الداخلية والانقسامات.
ويخوض المرشّحان تراس وسوناك مساء اليوم المواجهة الأولى بينهما على محطة "بي بي سي" قبل أيام من المناظرة الثانية المقرّرة في الرابع من آب/ أغسطس على قناة "سكاي نيوز"، حيث ستطرح الأزمات ذاتها التي تعصف بالمملكة المتحدة للنقاش، إلا أن المرشحين مطالبان بتقديم رؤيتين مختلفتين خلال المواجهة، إضافة إلى تقديم حلول عجزت الحكومة السابقة عن تقديمها.
مواجهة غير تقليدية
ولا تبدو المنافسة بين المرشّحين تقليدية تماماً، إذ تفقد الأقوال ومن بعدها الأفعال وزنها المفترض في مواجهة كهذه، كون المرشّحين ينحدران من الحزب نفسه أولاً، ويمتلكان العقلية نفسها تقريباً مع بعض التمايزات غير المؤثّرة على الأرجح، إضافة إلى أن كلا المرشّحين يتقدّمان لمركز القيادة كنتاج لحكومة جونسون ولطريقته في قيادة البلاد حتى أن الانطباع العام يرى أن "شبح" جونسون يطارد هذا السباق.
عدا عن ذلك، يشترك المرشحان في الارتقاء بالمنصب، كمكافأة لولائهما المطلق ولقدرتهما الهائلة على التلوّن وفقاً لأجندة جونسون والحزب. يبقى أن تراس أثبتت خلال عملها الطويل نسبياً في السياسة البريطانية، قدرة أكبر على التلوّن والتبدّل والتكيّف، هي التي دخلت السياسة الطلابية بصفتها ديمقراطية ليبرالية وسطية، وعارضت في البدء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لكنها باتت متشدّدة أكثر فأكثر في سبيل طموحاتها القيادية.
في المقابل، يعتبر سوناك محافظا تقليديا دافع عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منذ كان طالباً في المدرسة الثانوية.
وبذلك، يلبّي المرشّحان تطلعات مركز الحزب الذي تحوّل إلى اليمين عبر تبنّيهما سياسات متشدّدة وتوافقهما في ملفّات أساسية تتطلّع إليها الشريحة الصغيرة التي ستختار رئيس الوزراء القادم كملفّات الهجرة والتعليم والتخفيضات الضريبية وبروتوكول إيرلندا الشمالية.
خطط المرشحين
وفي حين تتركّز خطّة سوناك الاقتصادية على معالجة التضخّم قبل خفض الضرائب، تعهّدت تراس برفع معدل التأمين الوطني وخفض الضرائب ومواجهة الاقتراض المتراكم خلال الوباء، إلا أن الخبراء لا يبدون تفاؤلاً في كلتا الخطّتين نظراً لتداعيات الوباء الاقتصادية وارتفاع حجم الوظائف الشاغرة من جهة، ولتداعيات "بريكست" وعدم التوصل إلى اتفاق بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، حيث إن بريكست أفقد المملكة المتحدة قدرتها على السيطرة على اليد العاملة في الوقت الذي تشير فيه أرقام الناتج المحلي المخيبة إلى الحاجة الملحّة للتوسع في القوة العاملة ولزيادة الإنتاجية.
ويتفق المرشحّان أيضاً على المضي قدماً بـ "خطة رواندا"، المثيرة للجدل والتي سبق لتراس أن وصفتها في أكثر من مناسبة بـ"الأخلاقية"، بينما وصفها الأمير تشارلز بـ"المروّعة". كما تعهّدت تراس بتوسيع رقعة الخطة لتشمل دولاً أخرى غير رواندا كتركيا مثلاً، بينما لوّح سوناك بحجب المساعدات عن الدول التي لن تستجيب لاستقبال طالبي اللجوء ممن رفضت طلباتهم في المملكة المتحدة.
وتعهّد سوناك بتقليل أعداد الأشخاص المسموح لهم بحق اللجوء في بريطانيا عبر اعتماد "تعريف" جديد لطالبي اللجوء، بينما تعهّدت تراس بزيادة السيطرة وعدد الدوريات على الحدود بنسبة 20 بالمئة. ويتفق المرشّحان أيضاً على حذف أجزاء مهمة من اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبي وإلغاء ما قد "يعيق النمو" في المملكة المتحدة، كما تحظى خصخصة الإعلام بدعم المرشّحين اللذين أعربا عن تأييدهما لبيع القناة الرابعة، كما أعلنا عن عدم موافقتهما على إجراء تصويت ثان على استقلال اسكتلندا.
وفي حين أن شريحة صغيرة جداً هي التي ستختار رئيس الوزراء المقبل، إلا أن الأكثرية ستنتظر منه الكثير في مواجهة تحديات كبيرة متعلقة بالاقتصاد والخدمات العامة المتردّية والتعليم والشرطة والصحة في وقت يعاني فيه القطاع الصحي من أكبر أزمة له على الإطلاق.
وسيتعيّن على الفائز أيضًا توحيد الحزب الذي يعيش انقسامات هائلة للبقاء في السلطة والاحتفاظ بها وعدم تسليمها لحزب معارض، حيث إن المشاكل التي يعاني منها تبدو أكبر بكثير وأبعد من شخص بوريس جونسون.
وما تزال تراس تتصدّر العديد من استطلاعات الرأي الخاصة بالمحافظين، كما أنها تحظى على خلاف سوناك، بتأييد جونسون والموالين له الذين لم يبتلعوا بعد "خيانة" سوناك والطعنة التي وجّهها لزعيمهم عبر استقالته.