يجري وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، زيارة للمملكة العربية السعودية، لمدة يومين، من 6 إلى 8 يونيو/ حزيران الجاري، غرضها الرسمي المشاركة في الاجتماع السنوي لتحالف "هزيمة داعش" الدولي في الرياض. ويعقب الزيارة، في اليوم التالي، لقاء وزاري مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وبين الاجتماعين سيجري تناول "تشكيلة واسعة" من القضايا والاهتمامات، لا بدّ أن تكون على رأسها العلاقات العكرة، بل "المتوترة"، حسب التسمية المتداولة، بين إدارة بايدن والرياض، التي تتصدر الحديث الأميركي عن أي لقاءات بين الجانبين أو تطور في منطقة الخليج يتصل بالسعودية.
فعلاقات "الشراكة الاستراتيجية" بينهما، التي استمرت حوالى 8 عقود، والتي نوهت بها الخارجية أمس في تمهيدها للزيارة، أصيبت باهتزاز كبير منذ مجيء إدارة بايدن وخطابه المتوعّد المعروف تجاه الرياض، ولو أنه تراجع عنه على الأقل في الظاهر. ثم تفاقم الفتور بعد زيارة الرئيس بايدن للمملكة في يوليو/ تموز 2022. وازداد التأزم من الناحية الأميركية، بعد رعاية الصين للاتفاق السعودي - الإيراني في مارس/ آذار الفائت. وفي كل مناسبة تحاول الإدارة إزالة هذه الصورة بادعائها أن المياه عادت إلى مجاريها بين الشريكين.
أمس الجمعة، أجرى اثنان من كبار المسؤولين في الخارجية لقاءً مع الصحافة للحديث عن زيارة الوزير، إذ أسهبا في رسم صورة مغايرة لواقع العلاقات من خلال التركيز على "الشراكة" التاريخية مع المملكة، وتأكيد مواصلة "التعاون والتشاور" معها على المستويين "الثنائي والإقليمي"، كما هو حاصل الآن لاحتواء أزمة السودان.
لكن ليس سراً في واشنطن أن الأمور ما زالت على حالها، وأن الإدارة تعمل لمداراتها لا أكثر. في بعض القراءات، فإن الروابط عميقة بما فيه الكفاية لتحقيق مثل هذه العودة، فيما يستبعدها آخرون، في المدى المنظور، من زاوية أن المملكة اختارت النموذج التركي، ولو مع الفوارق، في تعاملها مع الولايات المتحدة، بحيث تكون العلاقة معها استنسابية وليست نمطية من نوع وضع كل البيض في سلة واحدة.
وفي التفسير أن هذا التوجه حصل بنتيجة "خيبات" أمنية من واشنطن، بدأت مع امتناعها عن توفير الحماية والرد على "صواريخ ومسيَّرات" الحوثيين التي ضربت مواقع خليجية حساسة. وقيل إن الخيبة تكررت أخيراً، إذ "لم تتحرك واشنطن وترسل بارجة حربية والمزيد من القوة الجوية إلى المنطقة، إلا بعد أسبوعين" على مصادرة جماعات إيران ناقلتي نفط في الخليج بين أواخر إبريل/ نيسان ومطلع مايو/أيار الماضي، ولا يستبعد أن يكون هذا التأخير متعمداً ليحمل رسالة إلى المتوترة علاقات واشنطن معهم في المنطقة، بأنه لا بديل لها من الناحية الأمنية. وفي هذا الإطار، تردد أن البيت الأبيض "حذّر" الإمارات من العون الذي توفره لموسكو "لتمكينها" من الالتفاف على العقوبات، فضلاً عن تحذيرها من عواقب بناء الصين لقاعدة بحرية لها في أبوظبي.
نفي الإدارة لتردي العلاقات مع السعودية، وأيضاً الإمارات، دبلوماسي لا غير. العلاقات بينها تعقّدت، والتشكيك المتبادل يترسخ. الحديث الأميركي عن السعودية، كما أبوظبي، تجاوز العتب، ويتسم بكثير من الجفاء، خصوصاً في الكونغرس، وبالتحديد في صفوف الديمقراطيين، كما في الإعلام الليبرالي خصوصاً، مثل صحيفة "واشنطن بوست"؛ سواء تناول النفط وأسعاره، أو التحالفات الدولية والإقليمية التي عقدها "الشريكان"، والتي "لا تتماشى مع المصالح الأميركية"، ودفعت النفور إلى ذروته.
سبق لمسؤولين آخرين أن زاروا، في إبريل/ نيسان الماضي، الرياض، والتقوا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مثل بريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي. وجاءت زيارته آنذاك بعد يومين من حديث هاتفي أجراه مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، جيك سوليفان، مع ولي العهد. وكانت التوجهات الخارجية الجديدة للسعودية محور هذه الاتصالات التي لا يبدو أنها تمخضت عن حلحلة.
والآن يتولى المهمة الوزير بلينكن الذي لم تؤكد الخارجية ولم تنفِ، بلسان المسؤولَين أعلاه، احتمال لقائه وليّ العهد لبحث علاقات "غير مريحة".