بوادر صدام فصائلي شمال سورية

20 سبتمبر 2024
تدريب لعناصر "الجيش الوطني"، عفرين، 8 أغسطس 2024 (غيث السيد/Getty)
+ الخط -

تلوح بوادر صدام جديد بين فصائل المعارضة شمال سورية بسبب محاولة من "الجيش الوطني" السوري، الذي يضم هذه الفصائل، لإعادة هيكلة بنيته ضمن خطة قال إنها "إصلاحية شاملة"، بيد أنها لا تلقى الترحيب الكافي من عدة فصائل وتشكيلات وهو ما يعمّق حالة الانقسام الفصائلي في المشهد السوري العسكري المعارض. وكانت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة قررت، قبل أيام، حل فصيل "صقور الشمال" و"تكييف القوى البشرية والمعدات العسكرية واللوجستية التابعة لهذا الفصيل ضمن مؤسسات وفصائل مختلفة في الجيش الوطني السوري"، وذلك في سياق ما قالت إنه "إعادة هيكلة الجيش الوطني السوري وفق خطة إصلاحية شاملة مستمرة منذ عامين". واستبق الفصيل المذكور قرار الحل، وأعلن الاندماج الكامل في تشكيل "الجبهة الشامية" وذلك "انسجاماً مع رغبة الإخوة الأتراك في اختصار الفصائل الثورية"، وفق بيان صدر الأربعاء الماضي.

محاصرة مقرات "صقور الشمال"

وائل علوان: أساس المشكلة مع صقور الشمال هو عدم مرونته بموضوع معبر أبو الزندين

وبحسب مصادر محلية في شمال سورية فإن ما تسمّى "القوة المشتركة"، التي تضم فصيلي "فرقة السلطان سليمان شاه" و"فرقة الحمزة" وهما من أكثر الفصائل ارتباطاً بالجانب التركي، تحاصر مقرات "صقور الشمال" بعد إعلانه الاندماج مع "الجبهة الشامية"، في خطوة نُظر إليها على أنها التفاف على الأوامر التركية. ويملك "صقور الشمال"، الذي يضم مقاتلين من ريف إدلب، مقرات له في ريف عفرين وفي منطقة حوار كلس في ريف اعزاز ليس بعيداً عن الحدود السورية التركية.

وكانت علاقة "الجبهة الشامية" بدأت في التراجع مع الجانب التركي مطلع الشهر الحالي عقب انتقادات لاذعة وجّهها هذا الفصيل لرئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى. واتهمت الجبهة مصطفى بـ"تعمّد الإساءة إلى بعض الجهات الثورية" بشكل يعزّز "رواية الأعداء المغرضة عنها باتهامها بالتخريب والإرهاب". وأعلنت "تجميد التعاون" مع الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني المعارض، مطالبة بسحب الثقة من هذه الحكومة، وإحالة رئيسها إلى القضاء لـ"ينال جزاءه العادل". ورفض مصطفى، في حينه، تقديم استقالته على الرغم من تنامي حالة الرفض الشعبي له ولحكومته في شمال سورية بسبب فشلها في إدارة المنطقة وتخفيف الأزمات المعيشية عن السكان. ويدفع مصطفى باتجاه فتح معبر "أبو الزندين" مع مناطق سيطرة النظام السوري، استجابة للرغبة التركية باعتباره "حيوياً واقتصادياً وإنسانياً". ولـ"الجبهة الشامية" قاعدة شعبية شمال سورية باعتبارها الفصيل الأكثر استقلالية وتمسكاً بمبادئ الثورة السورية، وفي مقدمتها عدم التطبيع مع النظام السوري، وفتح المعابر من أجل إنعاش اقتصاده.

عدم مرونة "صقور الشمال" شمال سورية

وفي السياق، أوضح الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان، المواكب للمشهد الفصائلي في شمال سورية في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أساس المشكلة مع فصيل صقور الشمال هو عدم مرونته في ملفات تتعلق باستقرار الشمال السوري من وجهة نظر تركيا، وأبرزها موضوع معبر أبو الزندين في ريف حلب الشمالي مع مناطق النظام". وتابع أن "تركيا تعتبر أن إعادة فتح المعبر تساعد في استقرار شمال سورية ويحول دون تجاذب أمني وعسكري مع الروس، ويشدد الحصار والقطيعة مع مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرقي سورية وهو هدف مهم للجانب التركي، فضلاً عن أن تركيا ترى أن فتح المنطقة لا يهدد الشمال السوري وسكانه". واعتبر علوان أن "حالة الفصائلية المتجذرة في المشهد العسكري المعارض في الشمال سبب رئيسي لعدم استقراره، وهي تشكل ثغرة أمنية ربما تسمح لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) بتوسيع نطاق سيطرتها على حساب فصائل المعارضة في محيط إدلب".

من جانبه، لم يستبعد الباحث بسام أبو عدنان سيناريو الصدام العسكري على خلفية التطورات الأخيرة، مستدركاً بالقول: لكن سيناريو الاتفاق واحتواء الأزمة لا يزال الأرجح حتى الآن، فالصدام ليس في مصلحة الجميع وهذا ما سيدفعهم حالياً للوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين. واعتبر، في حديث مع "العربي الجديد"، موقف "الجبهة الشامية" و"صقور الشمال" في الآونة الأخيرة "أكبر حالة اعتراض علني على قرارات الجانب التركي في منطقة شمال حلب حتى الآن"، مضيفاً: هذا غالباً سيدفع الجانب التركي إلى مقاربة جديدة مع "الشامية" لاحتواء حالة الاعتراض المتنامية لديها، والتي بدأت تتحول إلى حالة معدية تتمدد إلى فصائل أخرى.

محمود سايح: تركيا ستعمل على إنهاء الحالة الفصائلية

ولا يمكن عزل التطورات الأخيرة في شمال سورية عن مسار التقارب الجاري بين أنقرة ونظام بشار الأسد. وتشير المعطيات إلى أن الجانب التركي بصدد ترتيب الأوضاع شمال سورية استعداداً لمرحلة مقبلة ربما تشهد تفاهمات مع الأسد حول مصير الشمال السوري برمته. وحاول الجانب التركي خلال الشهر الحالي فتح معبر "أبو الزندين" أمام حركة التجارة والعبور وفق تفاهمات كما بدا مع الجانب الروسي، إلا أن الرفض الشعبي والفصائلي حال دون ذلك، وهو ما اعتبر تمرداً على الإرادة التركية في شمال سورية الخاضع للنفوذ التركي المباشر. واعتبرت عدة فصائل وتشكيلات عسكرية، منها "الجبهة الشامية"، أن فتح المعبر سيكون مقدمة لتنازلات كثيرة للنظام السوري على حساب الشمال الخارج عن سيطرته في وقت لا يزال يرفض فيه تقديم أي تنازلات مماثلة، خصوصاً حيال ملفات كثيرة ومنها المعتقلين والعملية السياسية.

ورأى المحلل السياسي محمود سايح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجانب التركي "يتجه نحو إقرار توازن قلق بين فيالق الجيش الوطني السوري في الشمال لإضعافها"، مضيفاً: أعتقد أن تركيا ستعمل على إنهاء الحالة الفصائلية وإعادة بناء مؤسسة عسكرية قابلة للعمل جنباً إلى جنب مع قوات النظام لمحاربة تنظيم داعش، وحزب العمال الكردستاني في سورية. ويُعدّ الشمال السوري غرب نهر الفرات، بدءاً من ريف اللاذقية الشمالي غرباً، إلى منطقة جرابلس على ضفاف الفرات الغربية شرقاً، منطقة نفوذ تركية. وشرق نهر الفرات، هناك منطقتا تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي. وأقامت الحكومة التركية خلال الأعوام الماضية العديد من القواعد العسكرية داخل الأراضي السورية، وتنشر آلاف الجنود خصوصاً في ريف إدلب.

المساهمون