بوتين: مستقبل علاقتنا مع واشنطن تحدده مواقفها بعد الانتخابات الرئاسية

25 أكتوبر 2024
بوتين يجيب على أسئلة الصحافيين خلال مؤتمر على هامش قمة بريكس، 24 أكتوبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الخميس، أنّ مستقبل العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة رهن بما ستكون عليه مواقف واشنطن بعد انتخابات البيت الأبيض المقرّرة بعد أقلّ من أسبوعين، منوّها بالرغبة "الصادقة" التي أبداها المرشح الجمهوري دونالد ترامب بإحلال السلام في أوكرانيا.

وقال بوتين خلال المؤتمر الصحافي الختامي لقمة بريكس في قازان إنّ "تطوّر العلاقات الروسية-الأميركية بعد الانتخابات سيعتمد على الولايات المتحدة. إذا كانوا منفتحين، فسنكون منفتحين أيضا، وإذا كانوا لا يريدون ذلك، فلن يتعيّن علينا أن نفعل ذلك". وأتى تصريح الرئيس الروسي قبيل اجتماع بينه وبين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس هو الأول بينهما منذ إبريل/نيسان 2022.

بوتين: ترامب صادق

ونوّه بوتين بتصريحات أدلى بها الرئيس الأميركي السابق بشأن رغبته بإنهاء الحرب في أوكرانيا بين كييف وموسكو. وذكر الرئيس الروسي أنّ ترامب "قال إنه يريد بذل كلّ ما يستطيع لوضع حدّ للنزاع في أوكرانيا. يبدو لي أنه يقول هذا الأمر بصدق. ونرحّب بالتأكيد بتصريحات مماثلة أيا يكن مصدرها".

وترامب الذي تولى الرئاسة الأميركية بين 2017 و2021، أكّد مرارا أنّ بإمكانه، إذا فاز بالانتخابات، إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا "خلال 24 ساعة"، دون أن يوضح كيف سيفعل ذلك. وترامب هو أيضا من أشدّ منتقدي المساعدات العسكرية والمالية الكبيرة التي تقدمها الولايات المتحدة لأوكرانيا، ومن هنا خشية كييف أن تتعرّض هذه المساعدات الحيوية للخطر إذا عاد الملياردير الجمهوري إلى البيت الأبيض.

ورغم كل مواقف ترامب هذه، قال بوتين مؤخرا بنبرة ساخرة إنّه يدعم فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. وفي ما يتعلّق بإنهاء الحرب في أوكرانيا، شدّد بوتين على أنّ أيّ اتفاق سلام يجب أن يرتكز "على الوقائع الميدانية" مع استمرار سيطرة الجيش الروسي على نحو 20% من أراضي أوكرانيا.

كما حذّر بوتين الغربيين من مخاطر "حساباتهم الواهمة" بأنّ دعمهم أوكرانيا سيلحق "هزيمة استراتيجية" بروسيا. وقال إنّ الغربيين "لا يخفون هدفهم المتمثّل في إلحاق هزيمة استراتيجية ببلادنا"، مؤكّدا أنّ هذه "حسابات واهمة لا يمكن أن يقوم بها إلا من لا يعرفون تاريخ روسيا ولا يأخذون بالاعتبار وحدتها التي تشكّلت خلال قرون".

وفي القمة، دعا غوتيريس على مسامع بوتين إلى "سلام عادل" في أوكرانيا "بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة". وتعليقا على ذلك، قال الرئيس الروسي إنّ "الأمين العام قال إنه ينبغي لنا العيش جميعا كعائلة واحدة كبيرة (...) للأسف، في العائلات، غالبا ما تكون هناك خلافات وفضائح ونزاعات على الملكية، وأحيانا تكون هناك شجارات".

وأعلن غوتيريس أنّه أبلغ بوتين خلال اجتماعهما على هامش قمة دول مجموعة بريكس أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا ينتهك القانون الدولي. كما أكد غوتيريس لبوتين تمسّكه بـ"حرية الملاحة في البحر الأسود"، وهو أمر بالغ الأهمية لأوكرانيا ولأمن الغذاء والطاقة في العالم.

تحذير من تحول النزاع في الشرق الأوسط إلى حرب شاملة

وخلال القمة، حذّر بوتين، على غرار ما فعل سائر قادة دول بريكس، من أنّ النزاع الحالي في الشرق الأوسط "يوشك أن يتحوّل حربا شاملة". وقبيل تصريحات بوتين، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة تحقيق "سلام عادل" في أوكرانيا. كما طالب غوتيريس بـ"وقف فوري للنار في غزة وإطلاق سراح الرهائن والوقف الفوري للأعمال العدائية في لبنان". وهذه أول زيارة لروسيا يجريها غوتيريس منذ إبريل/نيسان 2022.

وسبق لغوتيريس أن انتقد العملية العسكرية الروسية وضمّ موسكو أراضي أوكرانية، لكنّ القتال يتواصل للعام الثالث تواليا. وقال أثناء القمة "نحتاج إلى سلام في أوكرانيا. سلام عادل يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الجمعية العامة" للأمم المتحدة. وشدد على وجوب احترام "مبادئ السيادة وسلامة الأراضي والاستقلال السياسي لجميع الدول".

وأسفت المعارضة الروسية يوليا نافالنايا التي تقيم في المنفى لقيام غوتيريس بمصافحة بوتين، وكتبت على منصة إكس "إنه العام الثالث للحرب، والأمين العام للأمم المتحدة يصافح قاتلا". ودعا قادة آخرون أثناء القمة إلى وقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، فيما اتّهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس الاحتلال الإسرائيلي بالعمل على تجويع المدنيين في غزة وإخراجهم من القطاع.

وعلى هامش القمة، عقد بوتين الخميس اجتماعا مع عباس. وقال بوتين لعباس حسبما نقل مراسلو وكالة فرانس برس الموجودون في القاعة: "منذ لقائنا الأخير (في أغسطس/آب في موسكو)، لم يتحسّن الوضع... على العكس، لقد تدهور".

وحذّر الرئيس الصيني شي جين بينغ من "تحديات خطرة" يواجهها العالم وأمل بأن تكون بلدان "بريكس" "قوّة تجلب الاستقرار من أجل السلام". وقال "علينا مواصلة الضغط من أجل وقف لإطلاق النار في غزة وإعادة إطلاق حل الدولتين ووقف اتساع رقعة الحرب في لبنان. ينبغي أن تتوقف المعاناة والتدمير في فلسطين ولبنان".

وانتهز الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان المناسبة للتنديد بدور مجلس الأمن الدولي قائلا إن المنظمات الدولية وخصوصا الأمم المتحدة "لا تتمتع بالفاعلية اللازمة لإخماد نيران هذه الأزمة".

تنديد أوكراني بلقاء غوتيريس وبوتين

ونددت أوكرانيا بقرار غوتيريس لقاء "المجرم بوتين"، على حد وصفها. وقال المتحدث باسم غوتيريس إن الأمين العام مستعد لعرض وساطته عندما يكون الطرفان على استعداد لذلك. ودان الأمين العام للأمم المتحدة في الماضي العملية العسكرية الروسية وزار مناطق في أوكرانيا حيث اتُّهمت القوات الروسية بارتكاب فظاعات. كما أدى دور الوسيط في اتفاق سمح لكييف بتصدير حبوب من موانئها على البحر الأسود بشكل آمن، علما بأنه كان الاتفاق الدبلوماسي الأهم بين روسيا وأوكرانيا في ظل النزاع. لكن لم تُجرَ أي اتصالات مباشرة تذكر بين الطرفين مذّاك، فيما تتقدّم موسكو بشرق أوكرانيا منذ شهور. وطالب بوتين كييف بالتخلي عن أراضٍ كشرط مسبق لوقف النار.

"اسألوا بيونغ يانغ"

وعقِدت قمة بريكس في وقت تساءلت الولايات المتحدة عن سبب إرسال كوريا الشمالية آلاف الجنود إلى روسيا، مرجّحة احتمال نشرهم للقتال بأوكرانيا. وأتى اللقاء بين غوتيريس وبوتين غداة تأكيد الولايات المتحدة أنها تعتقد أن "آلاف" الجنود الكوريين الشماليين يتلقون التدريب في روسيا.

وقال مسؤول أميركي رفيع "لا نعرف ما ستكون عليه مهمّتهم وإن كانوا سيذهبون للقتال في أوكرانيا". وردا على سؤال عن مسألة الجنود الكوريين الشماليين، لم ينفِ بوتين المعلومات المنشورة بهذا الشأن، متجنبا في الوقت نفسه الإدلاء برد مباشر. وقال "لم نشكّ أبدا في أنّ الكوريين الشماليين يتعاملون بجدية مع اتفاقاتنا (للتعاون)"، مضيفا "هذه شؤوننا الخاصة". وكانت الناطقة باسم الخارجية الروسية أعلنت الأربعاء أنه يتعيّن "سؤال بيونغ يانغ" بشأن تحرّكات جنودها، رافضة تأكيد الاتهامات أو نفيها.

في الأثناء، أقر البرلمان الروسي، أمس الخميس، موازنة تنص على زيادة الإنفاق الدفاعي بنحو 30 في المئة. ويواجه بوتين أيضا دعوات من حلفاء أمثال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا لوضع حد للقتال في أوكرانيا.

يُذكر أن قمة بريكس التي احتضنتها مدينة قازان، عاصمة جمهورية تتارستان، الواقعة على بعد نحو 800 كيلومتر شرقي موسكو، كانت القمة الأولى التي جرت بتشكيلة موسعة بعد انضمام مصر وإيران والإمارات والسعودية وإثيوبيا إلى المجموعة المكونة أساسا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون