واصل الطيران الحربي الروسي، صباح اليوم الثلاثاء، غاراته على شمال غربي سورية الخاضع لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين تركيا وروسيا في موسكو. وجاءت الغارات الروسية الجديدة تزامناً مع الإعلان عن عقد لقاء "قمة" في موسكو بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس النظام بشار الأسد، قال فيها الأول إنّ قوات الطرفين سيطرت على أكثر من 90% من الأراضي السورية، خلال سنوات التدخل الروسي، داعياً القوات الأجنبية إلى الانسحاب من سورية.
وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إنّ الطيران الحربي الروسي شن غارات، منذ صباح اليوم الثلاثاء، في منطقة دارة عزة بريف حلب شمال غربي سورية. وهذه الغارات تستهدف المنطقة لليوم الثالث على التوالي، وجاءت بعد يوم أيضاً من شن قرابة 15 غارة روسية في ريفي حلب وإدلب استهدفت مناطق في محيط نقاط المراقبة التركية.
وقال بوتين خلال حديثه مع الأسد: "بجهودنا المشتركة وجهنا ضربة للإرهابيين، فالجيش السوري يسيطر على أكثر من 90٪ من أراضي البلاد، رغم بقاء عدد من بؤر الإرهاب قائمة".
وأضاف بحسب الموقع الرسمي للكرملين: "مع ذلك، فإنّ النازحين يعودون بنشاط إلى المناطق المحررة. لقد رأيت بأم عيني، عندما كنت في ضيافتكم (في سورية)، كيف يعملون بدأب على ترميم منازلهم، ويبذلون قصارى جهدهم للعودة إلى الحياة السلمية بالمعنى الكامل للكلمة".
وخلال الاجتماع، قال بوتين إنّ القوات الأجنبية، التي يجري نشرها في سورية دون قرار من الأمم المتحدة، "تشكل عائقاً أمام توحيد البلاد وإعادة الإعمار"، بحسب بيان رسمي بشأن الاجتماع.
ونقل موقع "روسيا اليوم" عن الكرملين أنّ بوتين أشار خلال اللقاء إلى أن بشار الأسد يفعل الكثير لإقامة حوار مع المعارضين السياسيين. كما هنأ بوتين الأسد بالنتائج الجيدة للانتخابات الرئاسية، وقال إنّ هذه النتائج "تؤكد أن السوريين يثقون بك، وعلى الرغم من كل الصعوبات والمآسي التي شهدتها السنوات السابقة، فإنهم يعولون عليك في عملية العودة إلى الحياة الطبيعية".
قمة سورية روسية بين الرئيسين #بشار_الأسد و #فلاديمير_بوتين عقدت في #موسكو جرى خلالها التباحث في ملفات التعاون الثنائي القائم بين البلدين، والإجراءات المتخذة لتوسيعه وتطويره تحقيقاً للمصالح المشتركة.
— Syrian Presidency (@Presidency_Sy) September 14, 2021
وقال بوتين: "المشكلة الرئيسية، في رأيي، تكمن في أنّ القوات الأجنبية موجودة في مناطق معينة من البلاد دون قرار من الأمم المتحدة ودون إذن منكم، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي ويمنعكم من بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد ومن أجل المضي قدماً في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية".
من جانبها، قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، إنّ القمة استهلت باجتماع ثنائي مطول بين بشار الأسد وبوتين وانضم إليهما لاحقاً وزير الخارجية فيصل المقداد ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، حيث جرى بحث التعاون المشترك بين جيشي "البلدين" في عملية "مكافحة الإرهاب واستكمال تحرير الأراضي التي ما زالت تخضع لسيطرة التنظيمات الإرهابية".
وبحسب الوكالة، فقد تباحث الطرفان بشأن الخطوات المتخذة على المسار السياسي حيث أكد الجانبان "أهمية استكمال العمل في هذا المسار من أجل التوصل إلى توافقات بين السوريين ودون أي تدخل خارجي، وتطرقت المباحثات أيضاً إلى مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين". كما ناقش "الرئيسان الأسد وبوتين آخر مستجدات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية".
وذكرت الوكالة أنه في مستهل القمة الثنائية قال الأسد: "أنا سعيد أن نلتقي اليوم في موسكو وقد مضى على العملية المشتركة لمكافحة الإرهاب الآن نحو ست سنوات حقق خلالها الجيشان العربي السوري والروسي إنجازات كبيرة ليس فقط من خلال تحرير الأراضي أو من خلال إعادة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم، وإنما أيضاً من خلال حماية مواطنين أبرياء كثر في هذا العالم لأن الارهاب لا يعرف حدودا سياسية ولا يقف عند الحدود السياسية".
وقدم بشار خلال حديثه الشكر لـ"لدولة الروسية وللشعب الروسي" على مساعدته في مواجهة جائحة كورونا كما قدم الشكر لوزارة الخارجية الروسية التي دعمته في المحافل الدولية".
رسائل بوتين إلى تركيا و"قسد"
ويشير الباحث في "مركز جسور للدراسات" والمعارض السوري وائل علوان، إلى أنّ هذا اللقاء يأتي قبيل أيام قليلة من ذكرى مرور 6 أعوام على التدخل الروسي لصالح نظام بشار الأسد في سورية حيث جرى التدخل في 30 سبتمبر/أيلول عام 2015.
ويضيف، لـ"العربي الجديد": "يأتي هذا اللقاء أيضاً في وقت هام جداً تزامناً مع تسوية الفوضى الأمنية في جنوب سورية، حيث انتقلت روسيا من دور الضامن إلى دور الوسيط، واليوم العين الروسية تراقب التحركات الأميركية في المنطقة عموماً، والتي قد تؤثر على الوجود الأميركي في مناطق قوات سورية الديمقراطية (قسد) في شمال وشريق سورية، وروسيا اليوم بعد استقرار درعا تتجه إلى إحداث الفوضى في إدلب من أجل تحصيل مكاسب أكبر من تركيا؛ أي من حلفاء واشنطن".
وعن قول بوتين إنّ قواته مع النظام السوري سيطروا على 90% من الأراضي السورية وإنّ القوات الأجنبية تعيق السيطرة على باقي الأراضي، يرى علوان أنّ حديث بوتين فيه رسالتان؛ الأولى أنه يسير في اتفاق مع "قسد" ويحاول إقناعها بحتمية الانسحاب الأميركي، والثانية هي لتركيا التي تعد صاحبة النفوذ في بقية المناطق التي مازالت خارجة عن سيطرة النظام.
وذكّر علوان بتصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي زعم خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإسرائيلي يائير لبيد، في موسكو، في 9 سبتمبر/أيلول الجاري، بأنّ روسيا "تأسف لعدم تمكّن تركيا من فصل المعارضة العقلانية عن الإرهابيين"، معتبراً أنّ هذا "هو عنوان التوتر الجديد في العلاقات الروسية التركية في سورية، حيث يتجلى هذا التوتر بتوسيع القصف في إدلب، ووصول القصف الروسي للمرة الأولى إلى عفرين شمال غرب حلب، وذلك منذ سيطرة المعارضة السورية عليها ربيع 2018".
ورأى أنّ "كل تلك المؤشرات تدل على أنّ روسيا تتجه إلى بث الفوضى في شمال غرب سورية لتحقيق مكاسب جديدة".
وكانت روسيا قد سيّرت مع تركيا، أمس الاثنين، دورية مشتركة في محيط عين العرب الخاضعة لـ"قسد"، ترافقت أيضاً مع تحليق طائرة مروحية روسية فوق منطقة جرابلس للمرة الأولى منذ سيطرة الجيش التركي عليها بالتعاون مع "الجيش الوطني السوري" المعارض.
ويذكر أنّ التدخل الروسي في سوري، والذي بدأ في 30 سبتمبر/أيلول عام 2015، قد أسهم في قتل وتشريد ملايين السوريين وسيطرة النظام السوري على مساحات واسعة من البلاد، كما أنّ "الفيتو" الروسي في مجلس الأمن الدولي كان الحامي للنظام السوري من أي قرار يدين جرائمه.