وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران، عصر الثلاثاء، ليشارك في قمة مع نظيريه الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب أردوغان، تخصّص لبحث ملف النزاع في سورية، ويعقد مع الأخير لقاءً ثنائياً مرتبطاً بتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأظهرت لقطات بثّها التلفزيون الرسمي بوتين وهو ينزل من الطائرة في مطار مهرآباد بطهران، في ثاني زيارة خارجية له منذ بدء قواته هجوماً واسعاً على الأراضي الأوكرانية في فبراير/شباط.
وبعيد وصوله إلى طهران، أجرى بوتين لقاء مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ثم بعد اللقاء معه توجه إلى مكتب المرشد الإيراني الأعلى.
وخلال استقباله بوتين، أكد الرئيس الإيراني أن "الإرادة الإيرانية الروسية لتوسيع التعاون ملحوظة للغاية"، قائلا إن "التعاون في مجال مكافحة 'الإرهاب' يحقق أمن المنطقة"، وفق ما أورده نادي "المراسلين الشباب" التابع للتلفزيون الإيراني.
وأضاف رئيسي أن "أطرافا أخرى تزعم أنها تكافح الإرهاب لكن تعاوننا مع روسيا أظهر أننا صادقون في وعودنا".
من جهته، قال الرئيس الروسي إن التعاون بين إيران وروسيا "يتقدم بشكل كبير في مخلتف المجالات"، مشيرا إلى أن البلدين سيرفعان مستوى التعاون بينهما بشأن الأمن الدولي.
وعن الوضع السوري، قال بوتين إن طهران وموسكو "لهما دور كبير في حل الأزمة السورية"، على حد تعبيره.
ويشارك بوتين غداً مساءً في قمة مسار أستانة الثالثة حول سورية إلى جانب الرئيسين الإيراني والتركي.
لقاء بوتين وأردوغان
كما عقد الرئيس الروسي مباحثات منفصلة مع الرئيس التركي بشأن الأزمة الأوكرانية.
وكانت الرئاسة التركية قد أعلنت، الأحد، في بيان، أن "الرئيس أردوغان سيلتقي، على هامش القمة (أستانة في طهران)، نظيره الروسي بوتين في لقاء ثنائي"، من دون تقديم مزيد من التفاصيل عن مضمون اللقاء بينهما، الذي ستخيم عليه حتماً أجواء الحرب الروسية على أوكرانيا.
وأمس، الاثنين، أعلن يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، أن زعماء الدول الضامنة لمسار أستانة سيوقعون بياناً مشتركاً خلال الاجتماع في طهران، مشيراً إلى أنه تمّ بالفعل إعداد مسودته، وفقاً لما أوردته وكالة "نوفوستي" الروسية.
واستبق وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان وصول الزعيمين الروسي والتركي بالقول إن اجتماعات رؤساء إيران وتركيا وروسيا في طهران "تشكل فرصة لتوطيد العلاقات والتعاون الاقتصادي والتركيز على الأمن الإقليمي في ضوء الحل السياسي وعدم اللجوء إلى الحرب وضمان الأمن الغذائي".
وأضاف أمير عبد اللهيان أن بلاده باتت "مركزاً للدبلوماسية الفاعلة".
وأشاد المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أمس الاثنين، في مقابلة مع التلفزيون الإيراني بالعلاقات بين روسيا وإيران، واصفاً الأخيرة بأنها "دولة صديقة وشريكة لروسيا، وتعتز موسكو كثيراً بالعلاقات الثنائية مع طهران".
وقال بيسكوف إن روسيا تولي "الاهتمام الكبير والقيمة المتميزة للعلاقات مع إيران"، مضيفاً أنه في الأشهر الأخيرة والسنوات القليلة الماضية منحت "محفزات إضافية" للعلاقات في جميع المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية.
وأكد المتحدث الروسي أن روسيا وإيران لديهما قدرات كافية للتعاون بينهما لأجل تقليل تداعيات العقوبات المفروضة على البلدين، كاشفاً عن أنهما تسعيان للتخلي عن التعامل بالدولار في علاقاتهما الاقتصادية.
وأعرب بيسكوف عن أمله بأن يوقع البلدان قريباً اتفاقيات في مجال التعاون الاستراتيجي الشامل، لافتاً إلى تسليم موسكو مشروعاً لإيران بهذا الخصوص.
إلى ذلك، قال سفير إيران لدى روسيا كاظم جلالي، أمس الاثنين، في مقابلة مع وسائل إعلام إيرانية، إن البلدين "يطوران حالياً علاقاتهما الثنائية بشكل نشيط"، متحدثاً عن "تطورات مهمة خلال الفترة المقبلة في العلاقات بينهما"، ومشيراً إلى أن "ثمة تعاوناً جاداً يجري بين البلدين راهناً".
عقوبات على روسيا وإيران
وتأتي زيارة بوتين في الوقت المناسب بالنسبة إلى إيران، التي تتعرض أيضاً لعقوبات اقتصادية غربية وفي ظل خلاف مع الولايات المتحدة بخصوص برنامج طهران النووي ومجموعة من القضايا الأخرى.
وتحرص قيادتها الدينية على تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع روسيا في مواجهة تكتل خليجي عربي إسرائيلي ناشئ تدعمه الولايات المتحدة ويمكن أن يحوّل ميزان القوى في الشرق الأوسط أبعد عن إيران.
وقال مسؤول إيراني كبير لـ"رويترز"، طلب عدم ذكر اسمه: "بالنظر إلى العلاقات الجيوسياسية المتطورة بعد حرب أوكرانيا، تحاول المؤسسة تأمين دعم موسكو في مواجهة طهران مع واشنطن وحلفائها الإقليميين".
وبعدما شجعتها أسعار النفط المرتفعة بسبب حرب أوكرانيا، تراهن طهران على أنها قد تضغط بدعم من موسكو على واشنطن لتقديم تنازلات من أجل إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
وقال المسؤول الإيراني الكبير الذي طلب عدم ذكر اسمه: "نحتاج إلى حليف قوي وموسكو قوة عظمى".
ومع ذلك، فإن ميل روسيا المتزايد نحو بكين في الأشهر الأخيرة أدى إلى انخفاض كبير في صادرات النفط الإيراني إلى الصين، وهي مصدر رئيسي للدخل لطهران منذ أن أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض عقوبات عليها عام 2018.
وفي مايو/ أيار أفادت وكالة رويترز بأن صادرات إيران من النفط الخام إلى الصين تراجعت بشكل حاد، إذ فضلت بكين النفط الروسي ذا الحسومات الكبيرة، تاركة ما يقرب من 40 مليون برميل من النفط الإيراني مخزنة على ناقلات في البحر في آسيا وتبحث عن مشترين.
وقبيل وصول بوتين، وقّعت الشركة الوطنية الإيرانية للنفط ومنتج الغاز الروسي غازبروم مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها حوالى 40 مليار دولار.
سورية وأوكرانيا
من بين الموضوعات التي تتصدر جدول أعمال المحادثات الثلاثية، اليوم الثلاثاء، التي ستشمل تركيا أيضاً، ستكون الجهود المبذولة للحد من العنف في سورية، إذ هدد أردوغان بشنّ مزيد من العمليات العسكرية لتمديد "مناطق آمنة" بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود. وتعارض موسكو وطهران أي عمل من هذا القبيل من جانب تركيا.
وقال خامنئي لأردوغان: "الإبقاء على تكامل الأراضي السورية أمر في غاية الأهمية وأي هجوم عسكري على شمال سورية سيضر تركيا بالتأكيد كما سيضر سورية والمنطقة بأسرها، ولن يخدم سوى الإرهابيين".
ومن شأن أي عملية تركية في سورية أن تهاجم وحدات حماية الشعب الكردية، وهي جزء أساسي من "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من شمال سورية، وتعتبرها واشنطن حليفاً مهماً ضد تنظيم داعش.
وقال مسؤول تركي كبير، رفض الكشف عن هويته، لـ"رويترز"، إنه ستحصل مناقشة العملية التركية المزمعة وكذلك التقارير التي تفيد بأن روسيا والأكراد يعملون معاً في بعض مناطق سورية.
وروسيا وإيران أقوى داعمي الرئيس السوري بشار الأسد، بينما تدعم تركيا قوات المعارضة المناهضة له.
ولم يقم بوتين، الذي يبلغ عمره 70 عاماً، هذه السنة إلا بزيارات خارجية قليلة كما في السنوات الأخيرة بسبب جائحة كوفيد والأزمة الأوكرانية. وكانت آخر زيارة له خارج جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق إلى الصين في فبراير/ شباط.
وستتركز محادثاته الثنائية مع أردوغان على خطة لتحريك صادرات الحبوب الأوكرانية مجدداً.
ومن المتوقع أن توقع روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة اتفاقاً في وقت لاحق من هذا الأسبوع يهدف إلى استئناف شحن الحبوب من أوكرانيا عبر البحر الأسود.