أصدر مجلس النواب المصري، بياناً رسمياً أمس الجمعة، يتهم فيه البرلمان الأوروبي بـ"الاستمرار في نهجه الوصائي تجاه أوضاع حقوق الإنسان في البلاد"، على خلفية بيانه الصادر، أول من أمس الخميس.
وكان البرلمان الأوروبي قد دعا في بيانه إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن الحقوقي والناشط السلمي علاء عبد الفتاح، وعشرات المدافعين عن حقوق الإنسان، والمحامين، والصحافيين، والناشطين السلميين، والسياسيين، والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ والتراجع عن الاستخدام المفرط للحبس الاحتياطي التعسفي".
وناشد البرلمان الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دعم مطلبه بـ"استحداث آلية أممية للمراقبة، والإبلاغ عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة".
وقال النواب المصري، في بيانه: "طالع المجلس القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي بتاريخ 24/11/2022 بشأن حالة حقوق الإنسان بمصر، والذي بُني على حزمة من المغالطات والادعاءات الباطلة التي لا تمت للواقع بصلة، ولا يعكس سوى نظرة متحيزة غير موضوعية إزاء حقيقة الأوضاع في البلاد".
وأعرب مجلس النواب المصري عن "رفضه واستيائه الكامل من القرار الذي جاء مخيباً للآمال، ومدللاً على إصرار البرلمان الأوروبي -غير المبرر- في استمرار نهجه الاستعلائي والوصائي تجاه مصر، وتنصيب نفسه حكماً وقيماً على تطورات الأحداث فيها؛ ما يمثل تدخلاً صارخاً في الشؤون الداخلية لدولة تتمتع بالسيادة، بالمخالفة لمواثيق الأمم المتحدة، وذلك استناداً إلى وقائع كاذبة"، وفق البيان.
وتابع: "مواقف البرلمان الأوروبي لا يمكن تجاوزها أو غض الطرف عنها، بوصفها مرفوضة جملة وتفصيلاً"، مضيفا أن "المجلس لديه القدرة الكاملة في الرد على كل ما ورد بقراره الذي لا يتسم جميعه بالمصداقية أو الحيادية، وانتهاجه سياسة الوصم والتشهير غير البناءة والمرفوضة والتي ثبت فشلها عبر التاريخ؛ إضافة إلى صدوره من دون استجلاء رأي البرلمان المصري، وهو حق كامل له في ما ورد به من ادعاءات لا أساس لها من الصحة".
وأضاف أن "ما جاء في القرار هو محض أحاديث مرسلة تستند إلى معلومات غير دقيقة، تعبر فقط عن توجه سياسي غير محمود؛ ومنها أن حالة الطوارئ مطبقة في مصر منذ عام 2017 وحتى الآن. والحقيقة أن حالة الطوارئ تم إيقاف العمل بها في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ولم تُجدد منذ ذلك الحين".
وتطرق البيان إلى "تناول القرار تنفيذ مصر عقوبة الإعدام بحق الأطفال؛ في حين يحظر قانون الطفل توقيع عقوبات الإعدام، والسجن المؤبد، والسجن المشدد على الأطفال، حظراً مطلقاً. كما ورد بالقرار أن علاء عبد الفتاح اعتُقل تعسفياً بتهم لا أساس لها، ولا يُسمح بزيارته إلا بشكل متقطع، وإثر ضغوط دولية. والحقيقة أنه ليس معتقلاً تعسفياً، وإنما هو محكوم عليه من قبل السلطة القضائية بالحبس خمس سنوات لثبوت ارتكابه جريمة جنائية، على ذمة القضية رقم 1228 لسنة 2021".
وجاء في البيان كذلك: "أشار القرار إلى تعذيب أيمن هدهود (الباحث الاقتصادي الراحل) حتى الموت، والذي توفي في 5/3/2022، ولم يجر أي تشريح مستقل للجثة، أو تحقيق موثوق به من قبل النيابة العامة. والحقيقة أن النيابة المصرية، بوصفها جزءاً من السلطة القضائية، قد حققت في الواقعة، وأصدرت بياناً تشير فيه إلى انتفاء الشبهة الجنائية في الوفاة، عقب إجراء الصفة التشريحية على جثمان الراحل بمعرفة مصلحة الطب الشرعي".
وبخصوص قرار البرلمان الأوروبي الذي حث السلطات المصرية على الإفراج الفوري عن مجموعة من المواطنين الذين أشار إلى أنه تم اعتقالهم ظلماً، قال البرلمان المصري إن هؤلاء مواطنون إما مقيدي الحرية تنفيذا لأحكام قضائية صادرة عن محاكم مصرية، أو تم حبسهم احتياطياً على ذمة تحقيقات تجريها جهات التحقيق، وفق قوانين إجرائية جنائية متعارف عليها.
وذكر بيان البرلمان المصري أن "مجلس النواب لاحظ مساس القرار بشكل سافر باستقلال النيابة العامة، والقضاء المصري؛ ما يعد إخلالاً بضمانات استقلال القضاء ارتباطاً بالمواثيق الدولية. ولذلك يندد بأشد العبارات محاولة المساس بالسلطة القضائية المصرية، التي ترفض أي تدخل في شؤونها من جهات داخلية أو خارجية".
كذلك أعرب المجلس عن "استيائه البالغ إزاء الاستهداف المكثف الذي تعرضت له مصر من قبل البرلمان الأوروبي، استغلالاً لاستضافتها قمة المناخ (كوب 27) وسط مشاركة واسعة، والتي خرجت بنتائج ملموسة عبرت عن احتياجات ومطالب العالم من أجل إنقاذ كوكب الأرض"، حسب زعم البيان.
وزاد: "كان الأجدر بالبرلمان الأوروبي أن يوجه أنظاره صوب التحديات التي تجابهها دول الاتحاد للارتقاء بحقوق الإنسان، في ظل ما تشهده الدول الأوروبية من انتهاكات صارخة لتلك الحقوق. وفي مقدمتها: المخاطر التي يواجهها المهاجرون واللاجئون والأقليات العرقية، والعنصرية الممنهجة ضد بعض الدول الأوروبية، وتنامي ظواهر مقلقة تُهدد أمن وسلم المجتمع كالإسلاموفوبيا، وخطاب الحض على الكراهية، والعنف ضد المرأة، والجرائم المرتكبة ضد القُصر، وعنف الشوارع".
واستدرك البيان: "مجلس النواب المصري لا يزال حريصاً على مد أواصر الصداقة والتعاون مع الشركاء كافة؛ بمن في ذلك الأوروبيون، متفهماً رغبة بعض المؤسسات البرلمانية في الإعراب عن اهتمامها بالشأن الداخلي، لما تتمتع به مصر من ثقل سياسي، لا سيما أنها كانت وما زالت ركيزة الأمن والاستقرار بالمنطقة. غير أن هذا الاهتمام يجب أن يُبنى على أساس من الاحترام المتبادل والتعاون، وبعيداً عن سياسات الإملاء والرصد والتدخل في الشؤون الداخلية".
وكان قرار البرلمان الأوروبي قد دعا إلى "إجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، في ضوء التقدم المحدود للغاية في سجلها الحقوقي، وحملتها المستمرة على المعارضة، على الرغم من دعم الشركاء الأوروبيين المستمر لها". وطالب القرار جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بـ"الالتزام التام باستنتاجات مجلس الاتحاد الصادرة في 21 أغسطس/ آب 2013، والتي أوصت بتعليق تراخيص التصدير لأي معدات مستخدمة للقمع الداخلي؛ بما في ذلك تقنيات المراقبة المستخدمة لتعقب الأصوات المعارضة".
وفي بيان مشترك، قالت 12 منظمة مجتمع مدني دولية وإقليمية ومصرية، عقب صدور القرار، إن "ثمة احتياجاً ملحاً لأن ينتبه الاتحاد الأوروبي إلى أهمية وقف الممارسات الانتقامية بحق النشطاء السلميين، ومنتقدي السياسات الرسمية في مصر، سواء من المشاركين في مؤتمر المناخ، أو بالتزامن معه".
كذلك شددت المنظمات على "أهمية العمل الجماعي والمشترك من المجتمع الدولي، لا سيما قادة الاتحاد والدول الأعضاء، لضمان الاستجابة لتحذير البرلمان الأوروبي بشأن أزمة حقوق الإنسان، والضغط على السلطات المصرية لوقف حملتها القمعية على المجتمع المدني، وكفالة حقوق الإنسان لجميع المواطنين من دون تمييز".