لكنّ هذا الخلاف لا ينفي احتمالات تدهور الأوضاع في القطاع إلى عدوان متطوّر تدريجياً، في حال "أفلتت الأمور"، وفشلت جهود الوساطة المصرية التي دارت طواحينها هذا الأسبوع بشكل لافت، توّجها اعتراف إسرائيل بصدقية بيان الفصائل الفلسطينية الذي اعتبر إطلاق صاروخي غراد باتجاه الأراضي المحتلة ليل الأربعاء الماضي تخريباً للجهود المصرية.
ولكن في ظلّ حرب التصعيد الكلامي الإسرائيلي (لدوافع واعتبارات داخلية)، وتعزيز قوات الاحتلال على الحدود، كنوع من توفير "رصيد لتهديدات نتنياهو"، ينبغي ألا تُسقِط المقاومة في غزة من حساباتها، رغم سيل التصريحات والتقارير الإسرائيلية عن موقف الجيش المعارض حالياً لأي عملية عسكرية، أن يكون هذا السيل مقصوداً، ويخفي خلفه استعدادات فعلية لعدوان جديد فعلاً بشكل مباغت، حتى لو كان محدود النطاق.
ولعله من المفيد الانتباه إلى الفجوة بين هدفي الطرفين: إسرائيل من جهة وحماس من جهة ثانية في كل ما يتعلّق باتصالات التهدئة - الهدنة. فإسرائيل تريد تهدئة وفق معادلة الهدوء يقابل بالهدوء، مع غطاء دولي لتحسين الظروف الإنسانية في القطاع لمنع الانفجار، فيما تصرّ "حماس" على الوصول إلى هدنة شرطها الأساسي الالتزام برفع الحصار، مع خطوات تدريجية نحو تكريس الهدوء وفتح ملفات الأسرى والمفقودين لاحقاً.
هذا التناقض الأساسي في ظلّ مواقف السلطة الفلسطينية يجعل من احتمالات الوصول إلى تهدئة طويلة الأمد ضعيفة للغاية، ويزيد من حرج رئيس حكومة الاحتلال، وهو ما قد يدفع في نهاية المطاف إلى شنّ عدوان ولو على شكل غارات جوية من دون خوض حرب برية، سعياً لكسر نمط مسيرات العودة والرجوع مجدداً لمربع تحسين الأوضاع المعيشية ولكن من دون رفع الحصار. وبالتالي، فإنّ ما يدور حالياً هو جولة أخرى من حرب الإرادة بين المقاومة في القطاع وبين الاحتلال، لا يمكن التكهّن بنتائجها.