تأجلت جلسات التحقيق مع عدد من الحقوقيين المصريين، ومنهم المحامي البارز جمال عيد، مدير "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، في القضية رقم 173 لسنة 2011، المعروفة إعلامياً بـ"قضية التمويل الأجنبي"، إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى الذي صادف يوم الثلاثاء الماضي. واعتبر سياسيون وحقوقيون، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أن قرار التأجيل، قد يكون بمثابة فرصة أمام النظام لغلق هذه القضية التي شابها الكثير من العيوب على مدار 10 سنوات كاملة، منذ أن فُتحت للمرة الأولى عام 2011.
وكان التحقيق في قضية تمويل منظمات محلية وأجنبية، قد بدأ في يوليو/تموز 2011، بعد 5 أشهر من سقوط الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، وأدى بالفعل إلى إدانة وإغلاق مكاتب 5 منظمات دولية غير حكومية في مصر. وتتولى حالياً التحقيقات لجنة من 3 قضاة اختارتهم محكمة استئناف القاهرة بناء على طلب وزارة العدل.
التحقيق في قضية تمويل منظمات محلية وأجنبية بدأ في يوليو/تموز 2011
وأصبحت مقاضاة قيادات المنظمات غير الحكومية المصرية المستقلة، على خلفية اتهامات مرتبطة بنشاطاتهم في مجال حقوق الإنسان، تشكل خطراً وشيكاً على استمرار عمل تلك المنظمات في مصر. فعلى مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، أصدر قضاة التحقيق في القضية 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلامياً بـ"قضية التمويل الأجنبي"، أوامر عدة بحق حقوقيين مصريين ومنظمات مستقلة، ما بين قرارات بالمنع من السفر وأوامر بتجميد الأموال واستدعاء للعاملين بتلك المنظمات ومديريها، بالإضافة إلى قرارات بالغلق لبعضها، وقد نالت تلك الإجراءات من 12 منظمة مصرية حقوقية مستقلة على الأقل. وبناءً على تلك القرارات، ارتفع إجمالي الحقوقيين الممنوعين من السفر على خلفية القضية إلى 12، فضلاً عن استدعاء 5 آخرين من العاملين بمنظمات حقوق الإنسان للتحقيق، ليصبح إجمالي المطلوبين للتحقيق بشأن نشاطهم الحقوقي 17 شخصاً.
لكن تحقيقات ما بعد العيد، يمكن ببساطة أن تكون فرصة أمام النظام لغلق القضية برمتها، في ظلّ ما يروجه بعض السياسيين عن أجواء إيجابية تمثّلت بالإفراج عن عدد من الصحافيين والنشطاء السياسيين أخيراً، وفي ظلّ مؤشرات نحو تهدئة الأوضاع مع المعارضين في مصر، بعدما فوّت النظام فرصاً سابقة لغلق قضية تمويل المجتمع المدني، كان آخرها في 6 مايو/أيار الماضي، عندما أصدر قاضي التحقيق المنتدب في القضية، المستشار علي مختار، قراراً بحفظ التحقيقات مع 18 مؤسسة وكيانا لأنه "لا وجه لإقامة الدعوى" نظراً "لعدم كفاية الأدلة". بل إن حيثيات الحكم تناولت دور المجتمع المدني في مصر بمنحى إيجابي في سياق "تقدم الأوطان ودعم المجتمع".
وصحيح أن التحقيقات حفظت مع منظمات مجتمع مدني تنموية، ليست حقوقية، وليس لها علاقة مباشرة بالأبعاد السياسية للقضية، لكنها كانت مناسبة لغلق القضية برمتها، خصوصاً مع منظمات المجتمع المدني الحقوقية المتشابكة مع كل القضايا السياسية، مثل "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، و"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، و"مركز أندلس لدراسات التسامح والمساواة"، و"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" وغيرها. كما أضاع النظام سابقاً فرصة غلق ملف القضية مع الإفراج وترحيل الأجانب المتهمين فيها، ضمن 43 شخصاً قبض عليهم في ديسمبر/كانون الأول 2011.
وهذا الأمر يمكن تفادي حدوثه مرة أخرى في تحقيقات ما بعد العيد مع عدد من الشخصيات الحقوقية المصرية البارزة، خصوصاً بعد تحذير وزارة الخارجية الأميركية أخيراً من أن "استهداف" السلطات المصرية للناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان "يهدد استقرار مصر وازدهارها"، وذلك بعد إعلان المدير التنفيذي لـ"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، حسام بهجت، عن إحالته للمحاكمة بتهم تتعلق بنشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، في بيان قبل نحو أسبوع، إن "الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء استمرار الاعتقالات وقرارات الاتهام والمضايقات التي يتعرض لها قادة المجتمع المدني المصري والأكاديميون والصحافيون". وأشار برايس إلى تصريح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في إبريل/نيسان الماضي، الذي قال فيه إن "الولايات المتحدة ستقف مع المدافعين الشجعان عن حقوق الإنسان والصحافيين في جميع أنحاء العالم". وتابع برايس: "نعتقد أنه يجب السماح لجميع الناس بالتعبير عن آرائهم السياسية والتجمع السلمي بحرية. بصفتنا شريكاً استراتيجياً، فقد ناقشنا هذه المخاوف مع الحكومة المصرية، وسنواصل القيام بذلك في المستقبل".
ارتفع إجمالي الحقوقيين الممنوعين من السفر على خلفية القضية إلى 12
ومن بين الانتقادات أيضاً، تلك التي وجهتها منظمة "هيومن رايتس ووتش"، التي قالت قبل نحو أسبوع، في تقرير بعنوان "أسئلة وأجوبة: الإطار وبيئة العمل القانونية للمنظمات الأهلية في مصر"، إنه "في ظل ضغوط داخلية ودولية متزايدة، سحبت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي القانون السلطوي الصادر في 2017 المتعلق بالمنظمات الأهلية، واستبدلته بالقانون رقم 149 لسنة 2019 (قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي)، وأصدرت الحكومة اللائحة التنفيذية (قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 104 لسنة 2021) لهذا القانون في 11 يناير/كانون الثاني 2021. في غضون ذلك، انخرطت الحكومة في حملات داخلية ودولية واسعة تصف قانون 2019 بالإطار القانوني التقدّمي الذي يزيل جميع العقبات التي تواجه المنظمات غير الحكومية".
وأشارت إلى أن "قانون 2019 يفرض على كل المنظمات والجمعيات والمجموعات التي تقوم بعمل أهلي، التسجيل بموجب القانون الجديد بحلول يناير 2022، أي بعد عام من صدور اللائحة التنفيذية في 11 يناير 2021". وأوضحت أن القانون يحظر على كل الكيانات الحكومية، باستثناء وزارة التضامن الاجتماعي، إصدار تصاريح للقيام بعمل أهلي، ويعتبر أن أيّ تصريح من هذا القبيل يكون "لاغياً وباطلاً". كما يسمح القانون للحكومة بإغلاق أي منظمة تنشط من دون تصريح وتجميد أصولها بالقوة، وتستطيع المحكمة الإدارية الأمر بحلّها، في حين قد يواجه العاملون فيها ملاحقات قضائية وغرامات باهظة وحتى السجن إذا تمت مقاضاتهم بموجب قوانين إضافية تقيّد حرية تكوين الجمعيات.
وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إنه "بالإضافة إلى تقييد المنظمات الموجودة أصلاً، من المرجح أنّ القانون الجديد سيردع المصريين عن إطلاق مبادرات في مجال العمل الأهلي، لعلمهم بالأعباء والمخاطر التي تنجرّ عنه". وتابعت "يشير القانون بوضوح إلى أنّ حكومة الرئيس السيسي عازمة على خنق أي مظاهر حقيقية للمجتمع الأهلي". ولفتت المنظمة إلى أنّ "الحكومة لم تقدم على أيّ تغيير في السياسات أو أدنى تحوّل في كيفية تعاملها وأجهزتها الأمنية مع المنظمات غير الحكومية والمجموعات المستقلة في مصر، فهي تعاملها بالأساس على أنها تهديد وليست مصدر قوة، ولا يزال العشرات من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان في مصر محتجزين أو خاضعين لحظر سفر منذ سنوات".