يبدو أن الخطة التي كانت تختمر داخل أروقة الجهازين الأقويين في النظام المصري؛ المخابرات العامة والأمن الوطني، منذ فترة، والتي تهدف إلى السيطرة على النقابات المهنية في مصر، والتي تمتلك تاريخاً طويلاً من النضال السياسي والاجتماعي، قد وجدت طريقها إلى التنفيذ الآن.
فقد كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، عن أنه على الرغم من اجتماع ضباط من جهاز المخابرات العامة، بمرشحين وأعضاء مجالس إدارات بعض النقابات المهنية، والاتفاق على برامج عمل محددة، إلا أن جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، هو من يمارس دوراً أكثر فاعلية على الأرض في ما يتصل باختيار المرشحين وأسلوب إدارة الانتخابات داخل النقابات، وأيضاً في الأندية الرياضية، كما حدث في انتخابات نقابة المهندسين وانتخابات نادي الزمالك أخيراً.
يمارس جهاز الأمن الوطني دوراً بإدارة انتخابات النقابات
وأكدت المصادر أن تحكم جهاز الأمن الوطني في انتخابات النقابات والأندية "يرجع بالأساس إلى خبرته الطويلة في المجال، إذ كان جهاز أمن الدولة هو المتحكم الرئيس في تلك الانتخابات حتى قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وحتى عندما كانت هناك شبه منافسة حقيقية بين التيارات المختلفة، مع تصاعد الحراك السياسي في مصر وتحديداً في الفترة التي تلت تعديل الدستور عام 2005، وهو ما منح أمن الدولة خبرة ليست بالقليلة في هندسة انتخابات النقابات".
وأضافت المصادر أن "الأمر الآخر الذي سمح لجهاز الأمن الوطني بممارسة دور أكثر فعالية من المخابرات العامة في مسألة انتخابات النقابات والأندية، هو المساحة التي حصل عليها الجهاز بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتحديداً بعد الدور الذي لعبه في السيطرة على تظاهرات سبتمبر/أيلول 2019، التي اندلعت في القاهرة ومحافظات أخرى عقب دعوة وجهها المقاول والممثل المصري المقيم بالخارج، محمد علي، للتظاهر.
وقد تعاملت وزارة الداخلية مع هذه التظاهرات بطريقة أثنى عليها السيسي، وبعدها منح الجهاز صلاحيات أوسع في التعامل مع ملفات مختلفة منها الإعلام والصحافة والنقابات والأندية، وفق المصادر.
انتخابات نقابة المهندسين المصريين
في انتخابات نقابة المهندسين، كشفت مصادر عن أن الأجهزة الأمنية كانت قد أجرت اجتماعات مع المرشح أحمد عثمان، النائب البرلماني عن حزب "مستقبل وطن" الذي أسسته المخابرات الحربية بداية حكم السيسي، ويشرف عليه الآن جهاز الأمن الوطني، وتم التنسيق معه للدفع به للمنافسة على مقعد النقيب.
لكن تم استبعاد عثمان لاحقاً بعد الفتوى التي أصدرها مجلس الدولة، بشأن عدم قانونية الجمع بين عضوية مجلس النواب التي تستوجب التفرغ التام، وبين إدارة النقابات، وهي الفتوى التي صدرت بخصوص النائبين محمد شبانة وإبراهيم أبو كيلة، عضوي مجلس إدارة نقابة الصحافيين.
وقد تبع هذه الفتوى بخصوص النائبين، حكم من محكمة القضاء الإداري، بإلزام نقيب الصحافيين ضياء رشوان، بإعادة تشكيل هيئة مكتب النقابة، واستبعاد كل من سكرتير عام النقابة محمد شبانة، ووكيل النقابة إبراهيم أبو كيلة من منصبيهما، لجمعهما بين وظيفتين عامتين.
وكان المهندس أحمد عثمان، وهو وكيل أول في نقابة المهندسين العامة، ونجل رجل الأعمال عثمان أحمد عثمان، والقيادي بحزب "مستقبل وطن"، قد أعلن عزمه الترشح لمنصب النقيب في الانتخابات، بعد الاتفاق على تنحية النقيب الحالي هاني ضاحي، وزير النقل الأسبق، والذي يتمتع أيضاً بعلاقات قوية مع الأجهزة.
لكن بعد استبعاد عثمان تقرر دعم ضاحي في مواجهة المهندس طارق النبراوي المرشح أيضاً لمقعد النقيب والمحسوب على التيار اليساري.
وأعلن هاني محمد محمود، وزير الاتصالات والتنمية الإدارية الأسبق، ورئيس اللجنة العليا لانتخابات نقابة المهندسين، الأحد الماضي، نتائج انتخابات المرحلة الثانية، والتي تنافس خلالها مرشحو مقعد النقيب العام ومرشحو الإعادة من النقابات الفرعية.
وتم الإعلان عن جولة إعادة بين المهندس هاني ضاحي الذي حصل على 18091 صوتاً بنسبة 45 في المائة من إجمالي الأصوات الصحيحة والبالغة 40027، والمهندس طارق النبراوي الذي حصل على 9544 صوتاً بنسبة 24 في المائة من إجمالي الأصوات الصحيحة، لتكون المنافسة على مقعد النقيب العام يوم الجمعة المقبل.
تسعى الأجهزة الأمنية المصرية لتأميم النقابات
وقالت المصادر إنه في إطار "سعي الأجهزة الأمنية الحثيث لتأميم النقابات في مصر، تم توجيه الوزارات والجهات الحكومية التي تضم مهندسين، مثل وزارتي البترول والري، من أجل التأكيد على المهندسين العاملين فيها، للتصويت لصالح المرشح هاني ضاحي، وذلك بالإضافة إلى مهندسي القوات المسلحة من خريجي الكلية الفنية العسكرية، وذلك لضمان فوز ضاحي بجولة الإعادة أمام النبراوي".
ولفتت المصادر إلى أنه بعيداً عن مقعد نقيب المهندسين، تسعى الأجهزة الأمنية أيضاً لإنجاح مرشحي "مستقبل وطن" لشغل مقاعد الشعب المختلفة داخل النقابة، والمرشحين للنقابات الفرعية بالمحافظات.
خلاف بين المخابرات العامة والأمن الوطني بشأن نقابة الصحافيين
وفي ما يتعلق بنقابة الصحافيين، كشفت مصادر خاصة من داخل النقابة، عن خلاف وقع بين جهازي المخابرات العامة من جهة، والأمن الوطني من جهة أخرى. إذ إنه بعد إصدار محكمة القضاء الإداري، برئاسة المستشار فتحي إبراهيم توفيق، نائب رئيس مجلس الدولة، قراراً بإلزام نقيب الصحافيين بإعادة تشكيل هيئة مكتب النقابة، واستبعاد كل من محمد شبانة وإبراهيم أبو كيلة من منصبيهما، رأت المخابرات العامة أنه من الأفضل تنفيذ حكم المحكمة.
لكن جهاز الأمن الوطني كان له رأي مخالف، إذ إن المسؤولين بالجهاز، يعتقدون أن السيطرة على نقابة الصحافيين ستكون أصعب مع ابتعاد شبانة الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع الأمن.
وقالت المصادر إن المسؤولين بجهاز الأمن الوطني "أصروا على بقاء شبانة في منصبه، ومن أجل ذلك وجهوا نقيب الصحافيين ضياء رشوان، للطعن بحكم محكمة القضاء الإداري بشأن استبعاد شبانة".
وقررت هيئة مكتب نقابة الصحافيين المصريين برئاسة النقيب رشوان، بالفعل في 28 فبراير/شباط الماضي، استمرار العمل بالتشكيل الحالي، وتقديم استشكال على الحكم واجب النفاذ الصادر من محكمة القضاء الإداري في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، ببطلان تشكيل هيئة مكتب النقابة واستبعاد عضوي مجلس الشيوخ شبانة وأبو كيلة من منصبيهما التنفيذيين في مجلسها.
تضم هيئة مكتب نقابة الصحافيين 7 أعضاء موالين للسلطة
ويضم تشكيل هيئة مكتب نقابة الصحافيين 7 أعضاء موالين للسلطة الحاكمة، بخلاف النقيب، وذلك إثر استبعاد 4 من أعضاء مجلس النقابة من هيئة المكتب، وكذلك من تولي أي مناصب في جميع اللجان، بوصفهم من المحسوبين على "تيار الاستقلال النقابي" المعارض، وهم: محمد خراجة، وهشام يونس، ومحمد سعد عبد الحفيظ، ومحمود كامل.
وبعد استبعاد هؤلاء، وُزعت اللجان كلها على باقي أعضاء المجلس من الخاضعين لتعليمات أجهزة الأمن، التي أصرت على اختيار شبانة لمنصب السكرتير العام، فيما أغلقت أبواب النقابة في وجه الصحافيين منذ أكثر من عام، بحجة الشروع في ترميم مبناها الرئيسي بوسط القاهرة.
وقاد النظام المصري حملة ممنهجة لإنجاح أسماء بعينها، وفرضها على مجلس النقابة في الانتخابات الماضية، لكن محاولاته تلك لم تمنع نجاح اثنين من المحسوبين على المعارضة، وهما محمد خراجة ومحمد سعد عبد الحفيظ، لينضما إلى هشام يونس ومحمود كامل المستمرين من الدورة النقابية السابقة.
انتخابات نقابة الأطباء المصريين
كانت نقابة الأطباء أيضاً هدفاً للأجهزة الأمنية في مصر، لا سيما مع وجود نقيب محسوب على ما يسمى بـ"تيار الاستقلال"، وهو الدكتور خيري حسن. وهو ما دفع الأجهزة الأمنية لدعم مرشحين بعينهم في انتخابات التجديد النصفي التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، والتي نتج عنها فوز قائمة المستقبل بـ10 مقاعد من 12 مقعداً بالنقابة العامة للأطباء.
وقال مصدر من النقابة لـ"العربي الجديد"، إن "نسبة الإقبال على انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء، لم تتجاوز 1.5 في المائة في القاهرة"، مرجعاً ذلك إلى "عدم ثقة الأطباء في العملية الانتخابية برمتها، وما تسفر عنه من نتائج محسومة ومعدة سلفاً".
مصدر في نقابة الأطباء: الانتخابات التي كانت تتسم بالشفافية والديمقراطية داخل النقابات في مصر، لم تعد موجودة الآن
وأضاف المصدر أن "الانتخابات التي كانت تتسم بالشفافية والديمقراطية داخل النقابات في مصر، لم تعد موجودة الآن، في ظل سيطرة الأجهزة الأمنية التامة على النقابات وعلى القضاة أنفسهم ممن يشرفون على العملية الانتخابية".
ولفت المصدر إلى أن القضاة المشرفين على الانتخابات داخل النقابات أصبحوا يلجأون إلى أسلوب "الجمع النهائي"، وهو ما حدث في انتخابات نقابة الأطباء السابقة، إذ يحضر من يحضر ويصوت من يصوت، ثم في النهاية تتم هندسة النتائج بالاتفاق مع اللجنة المشرفة وإعلان الرقم النهائي، وفق قوله.
وأضاف المصدر أنه شاهد أمراً مشابها لذلك في انتخابات نادي الزمالك التي جرت أخيراً وأسفرت عن فوز مرتضى منصور برئاسة النادي. وأكد المصدر، والعضو بناديي الزمالك والأهلي، أن انتخابات الأندية في مصر "كانت في السابق، مثالاً في الشفافية والديمقراطية، لكن شأنها الآن شأن أي انتخابات أخرى".
وأشار إلى أن "اللجنة المشرفة على انتخابات الزمالك أعلنت أن من حضروا الجمعية العمومية للنادي بلغ عددهم 47 ألف عضو، وهو نحو 50 في المائة من أعضاء النادي، وذلك أمر يكاد يكون مستحيلاً، لكن اللجنة التي أعلنت فوز منصور قررت ذلك ولم يراجعها أحد".
ولفت المصدر إلى أن ذلك الأسلوب "أصبح هو المعتمد منذ الانتخابات الأولى التي فاز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بالرئاسة، حيث كانت نسبة الإقبال ضعيفة جداً، ولذلك لجأ المشرفون على التلاعب في الأرقام النهائية".