قضت الدائرة الجناحيّة 16 لدى محكمة الاستئناف في تونس، الخميس، بالرفض شكلا في الطعن الخاص بحكم ابتدائي قضى بعدم سماع الدعوى في حقّ قاضية توبع بقضية "أخلاقية"، وكانت من ضمن القضاة الذين أقالهم الرئيس التونسي قيس سعيّد.
ولقي قرار المحكمة ترحيبا من عدة أطراف، في مقابل استنكار لتصريحات الرئيس قيس سعيّد، الذي كان تحدث عن القاضية وتهمتها (من دون أن يسميها)، عندما عزل القضاة في يونيو/ حزيران الماضي.
يشار إلى أنه بعد صدور اﻷمر الرئاسي الذي أُعفي بموجبه 57 قاضياً من مهامهم، جرى تداول ملف إعفاء قاضية تضمن شهادة طبية ومحضراً، وتبين أن السبب هو توجيه تهمة "زنا" لها، وصدر حكم ابتدائي في شأنها بعد سماع الدعوى.
وكانت عدة منظمات قد نددت بخطر إقحام الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية للنساء في المعارك المتعلقة بالقضاء وبالشأن العام، مؤكدة، في بيان لها بتاريخ 10 يونيو 2022، أن "قضايا الزنا لا تهم الرأي العام والمجتمع في شيء حتى من الناحية القانونية".
وقال رئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "إنصاف القاضية تم منذ الطور الأول الابتدائي، حيث تم الإقرار بعدم سماع الدعوى"، مبينا أن "النيابة العمومية تولت استئناف القرار، ولكن محكمة الاستئناف أصدرت اليوم حكما نهائيا برفض الاستئناف شكلا، وبالتالي إقرار الحكم الابتدائي، وهذا يعني أن قيام النيابة العمومية بالاستئناف مرفوض شكلا".
ولفت المسعودي إلى أن "هتك الأعراض غير مقبول، وسبق أن احتج نشطاء تضامنا مع القاضية المعنية"، مبينا أن "هذا النوع من الجرائم خاص، والطرف الوحيد المخول له بالتتبع هو القرين لا غير".
وأضاف أنه "لا يحق لرئيس الجمهورية ولا للنيابة العمومية التتبع في جريمة خاصة"، مبينا أنه "كان لا بد من احترام قرينة البراءة، والقاضية المعنية لها حكم ابتدائي بعدم سماع الدعوى، وبالتالي لم يكن هناك أي موجب أن يتحدث عنها رئيس الجمهورية علنا".
وأشار رئيس جمعية القضاة الشبان إلى أن "التشويه لم يطاول هذه القاضية فقط، بل شمل عدة قضاة، خاصة ممن تم عزلهم، ولم تكن هناك ملفات ضدهم، بل بعد شهرين أو ثلاثة تم تكوين ملفات وتلفيق تهم، وظهر بعضهم كأنه متآمر في قضايا إرهابية، ومن طالب باستقلال القضاء وصف بالتآمر مع حركة النّهضة".
وبين المسعودي أن "التشويه الذي طاول القضاة دون إدانة يعتبر جريمة"، مبينا أن "تلفيق التهم أيضا جريمة، وادعاء بالباطل"، مشيرا إلى أن "أغلب القضايا كانت بغرض التخويف ومحاولة لإبراز القوة ولإذعان القضاة، حيث تم استهداف القضاة الذين لا يذعنون للسلطة، وتم اختيارهم بعناية"، مؤكدا أنه "جرى إفراغ الساحة القضائية من القضاة القدامى، والعديد من الوظائف اليوم شاغرة، وهو القضاء الذي يريده سعيّد".
من جانبه، أكد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي، عدنان منصر، أن "رئيس الدولة الذي يدعي أنه من الصحابة، يتهم قاضية في شرفها بناء على تقرير بوليسي تافه، ويعزلها بناء عن ذلك"، مضيفا، في تدوينه له على صفحته في فيسبوك، أن "المحكمة اليوم تبت نهائيا في قضيتها بالبراءة".
بدوره، كتب الباحث سامي براهم: "المحكمة تقضي ببراءة القاضية التي اتّهمت في عرضها من طرف رأس الدّولة في خطاب رسميّ متلفز أمام عموم الشّعب التّونسيّ والعالم بأسره، وعزلت بسبب تلك التّهمة الباطلة من خطّتها القضائيّة وشُهِّر بها، واستُبِيحَت حرمتها أمام العموم".
وأضاف برهم: "الآن بعد أن ثبتت براءتها في حكم قضائيّ باتّ، من يقاضي مقترف جريمة قذف المحصنات بحقّ هذه القاضية الشّريفة ويعيد إليها كرامتها وكرامة عائلتها؟ وهل يستأمن منتهك عرضها على مصالح النّاس وحرماتهم وكرامتهم؟".
أما الشاعر عمار الجماعي، عضو "مواطنون ضد الإنقلاب"، فكتب على صفحته: "أكره مزيد الحديث في أمر القاضية المُبرّأة. فليس أوجع عندي من مسّ الأعراض. فجميعنا بلا استثناء معرّضون للهتك حقاً وباطلاً. ولكن، وقد انتشر الأمر، فقد صار لزاما عليّ توضيح أمرين، فلو لم أفعل لخنقتني غصّة: أولهما أنّ تبرئة القاضية هو عندي أجلّ وأسمى من توظيف براءتها. وثانيهما أنّي حزين من أجل نفسي عندما أتذكّر أنّ بعض "ثقاتنا" - وا أسفاه! - قد نشروا تقرير البحث الأوّلي للواقعة بما فيه من مغالطة و"فضائحيّة" وإدانة مسبقة مناصرة للرئيس.. فأصابتنا خيبة لا تزال تلازمنا".
كما قال المحامي سمير ديلو: "إمّا إعمال مقتضيات العدل والقانون.. والتّحضّر والمروءة، بإعادتها لعملها والاعتذار لها.. وإمّا تفعيل مقتضيات المكابرة والإنكار والهروب إلى الأمام".