يتجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى تركيا، الأحد المقبل، في زيارة تدوم ثلاثة أيام، هي الأولى لرئيس جزائري منذ سنوات طويلة، يلتقي خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، ويجري خلالها توقيع اتفاقيات شراكة في عدة ميادين اقتصادية، تكريساً لتطور لافت وسريع للعلاقات بين البلدين في غضون الخمس سنوات الأخيرة.
ويعقد الرئيس تبون قمة ثنائية مع الرئيس أردوغان لبحث جملة من الملفات السياسية والاقتصادية تخصّ تعميق العلاقات بين البلدين وتطوير الشراكة الاقتصادية. ويرافق الرئيس الجزائري، إضافة إلى وزير الخارجية رمطان لعمامرة وعدد من الوزراء في الحكومة، وفد من رجال الأعمال الجزائريين، حيث سيلتقي في آخر يوم لزيارته الثلاثاء المقبل منتدى رجال الأعمال الأتراك، لتقديم فرص الاستثمارات التي تعرضها الجزائر أمام المستثمرين الأتراك والأجانب، والامتيازات التي يقدمها قانون الاستثمار الجديد الذي تعتزم الجزائر إصداره في 19 مايو/أيار الجاري.
وسيلتقي الرئيس الجزائري، مساء الأحد المقبل، في أنقرة، أعضاء وجمعيات الجالية الجزائرية في تركيا، والطلبة الدارسين في الجامعات التركية، للاستماع إلى انشغالاتهم ومطالبهم ومدى إسهامهم في تطوير العلاقات بين البلدين على صعيد الدور المجتمعي، ولا سيما أنّ الجالية الجزائرية في تركيا نجحت بشكل كبير في تنظيم نفسها ضمن منظمات أهلية، خاصة "منتدى الجالية الجزائرية" الذي أسسه طلبة وناشطون وإعلاميون جزائريون يقيمون هناك.
واستبقت وزارة الخارجية التركية زيارة تبون بإصدار بيان توضيحي ينفي قطعياً ما نسبته وسائل إعلام مغربية إلى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو بشأن دعم تركيا لحل الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب في قضية النزاع في الصحراء، تجنباً على ما يبدو لأي تشويش على زيارة تبون.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، السفير تانجو بيلغيتش، في بيان نشرته السفارة التركية بالجزائر، يوم الخميس، دعم بلاده حلاً سياسياً لقضية إقليم الصحراء يستند إلى القرارات الدولية.
وقال بيلغيتش، إنّ أنقرة "تدافع منذ البداية عن إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء الغربية في إطار قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومن خلال الحوار بين الأطراف، وتركيا تدعم وحدة أراضي وسيادة جميع دول المنطقة داخل حدودها المعترف بها دولياً"، مذكّراً بأنّ وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، قد سبق له التعبير عن هذا الموقف خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، في 11 مايو/أيار الجاري بمراكش.
وتعزز زيارة الرئيس تبون لأنقرة التي كانت مقررة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قبل تأجيلها، العلاقات الجزائرية التركية التي شهدت تطوراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، إذ كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أدى ثلاث زيارات متتالية للجزائر، في 2014، وفي يونيو/حزيران 2018، وحرص على أن يكون أول رئيس دولة يزور الجزائر في يناير/كانون الثاني 2020، بعد انتخاب تبون رئيساً للبلاد في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.
وباتت تركيا المستثمر الأول في الجزائر بمقدار يقارب خمسة مليارات دولار، بمجموعة مصانع وشركات، أبرزها مصنع الحديد "توسيالي" الذي بلغت صادراته 800 مليون دولار أميركي، ومركب ضخم للنسيج، إضافة إلى مساهمة لافتة للشركات التركية في قطاعات البناء والأشغال العمومية وترميم المنشآت التاريخية، وتعتزم أنقرة رفع إجمالي استثماراتها إلى أكثر من خمسة مليارات دولار، وفقاً لتعهدات الرئيس أردوغان، كذلك فإنها تأتي ثانية على لائحة الشركاء التجاريين للجزائر، وهي مرشحة لأن تكون الأولى بعد إعادة فتح الخط البحري لنقل السلع والبضائع بين الموانئ الجزائرية والتركية، بعد تجميد دام منذ عام 1998.
ووصف رئيس مركز العلاقات الجزائرية التركية محمد وعراب الزيارة بـ"الحدث المحوري والمنعطف الذي سيكون له أثر كبير على مستوى العلاقات في المنطقة". وقال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الزيارة تكتسي أهمية كبيرة جداً لتعزيز مسار تقوية العلاقات الجزائرية التركية الذي بدأ بشكل جلي عقب انتخاب الرئيس تبون، إذ كان الرئيس التركي أول من أجرى زيارة رسمية للجزائر عقب رئاسيات ديسمبر 2019، وهذه إشارة سياسية بالغة الأهمية إلى رغبة تركيا في تركيز أكبر لعلاقاتها مع الجزائر، ووعي تركي بأهمية الجزائر كبلد محوري في أفريقيا وبقدراته الكبيرة في الإقلاع الاقتصادي".
وأضاف أنّ "كلاً من الجزائر وتركيا الآن، في ظل الأزمات الدولية الكبيرة في المنطقة، محتاج لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الآخر، خصوصاً مع وجود خلفية تاريخية كبيرة مشتركة بين البلدين، وحركة تجارية سياحية نشيطة جداً محتاجة لمرافقة وتخفيف بعض العراقيل الإدارية لتبلغ مدى كبيراً سيعود بالفائدة على الشعبين الجزائري والتركي".
وإضافة إلى ملفات التنسيق السياسي وتقارب المواقف بشأن جملة من الأزمات الراهنة، خاصة الأزمة في ليبيا والقضية الفلسطينية، والتوافق على ضرورة إعادة بعث منظمة التعاون الإسلامي، وكذا التعاون التجاري والاقتصادي، فإنّ ملف التعاون في مجالات التصنيع العسكري والتنسيق الأمني بات أحد الأوجه التي تؤكد تطور العلاقات بين الجزائر وأنقرة، إذ أبدت الأخيرة ليونة كبيرة في التعاون مع الجزائر بشأن ترحيل مطلوبين للقضاء، كان أبرزهم الضباط قرنيط بونويرة، السكرتير السابق لقائد الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح.