بعد أكثر من شهر من إرجائها، بدأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس الإثنين، زيارة رسمية إلى القاهرة، تدوم يومين، في ثالث خروج إقليمي له منذ توليه الرئاسة في ديسمبر/كانون الأول 2019، بعد زيارتين سابقتين أجراهما إلى كل من الرياض وتونس.
وتعد زيارة تبون، الذي استقبله أمس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مطار القاهرة، الأولى لرئيس جزائري إلى مصر منذ الزيارة التي أجراها الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة في عام 2000. ووصف بيان للرئاسة الجزائرية أول من أمس الأحد، الزيارة، بأنها "زيارة عمل وأخوة". وقالت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إنها "فرصة لتعزيز العلاقات التاريخية والسياسية بين البلدين وتوسيع مجالات التعاون الثنائي، وكذا مواصلة التنسيق والتشاور حول أهم القضايا العربية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك".
وتأتي زيارة تبون إلى القاهرة، في ظرف عربي خاص، يسبق عقد القمة العربية المقبلة في الجزائر، والتي لا تزال تتأرجح على صعيد التاريخ والأجندة السياسية بسبب مستوى قياسي من التباين في المواقف إزاء عدد من الملفات العربية. وتضاف إلى ذلك كرّاسة من النقاط الخلافية بين الجزائر ومصر بشأن أزمتي ليبيا وتونس، والملف الفلسطيني، بحيث قد لا تكفي زيارة واحدة لحسمها.
تفرض 3 ملفات نفسها على الزيارة، تتعلق بالقمة العربية والقضية الفلسطينية والأزمة الليبية
ويطغى السياق العربي على زيارة تبون إلى القاهرة، أكثر من كونها فرصة لمناقشة الملفات الثنائية والقضايا المشتركة. وتفرض ثلاثة ملفات نفسها خلال الزيارة، تتعلق أساساً بالقمة العربية التي تعتزم الجزائر استضافتها منتصف العام الحالي، والقضية الفلسطينية في علاقة بمبادرة الجزائر لاستضافة مؤتمر الفصائل الفلسطينية، وملف الأزمة في ليبيا.
ويسعى تبون إلى استكشاف الموقف المصري بشأن هذه الملفات الثلاثة، وحسم النقاط التي تبدو متباينة حولها بين الطرفين.
تبون في القاهرة: القمة العربية أولاً
وتفرض القمة العربية نفسها كملف رئيسي في هذه الزيارة بسبب الثقل المصري في الجامعة العربية، وبسبب حجم المعوقات السياسية المرتبطة بجدول أعمال القمة.
وفي هذا الخصوص، تراهن الجزائر على إسناد مصري في ما تطرحه من اشتراطات لعقد القمة، التي تعتزم الجزائر اقتراح تاريخ جديد لها يتزامن أو يقترب مع احتفال البلاد بذكرى ستينية الاستقلال (في 5 يوليو/تموز المقبل).
كما تراهن الجزائر على جعل القضية الفلسطينية نقطة مركزية في جدول أعمال القمة، بالإضافة إلى ملف عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، وموضوع إصلاح الجامعة العربية ومراجعة آليات العمل العربي المشترك الذي تسعى الجزائر إلى إدراجه في أجندة القمة المرتقبة.
وكان سبق للجزائر أن طرحت الملف الأخير المتعلق بالجامعة العربية، في القمة العربية التي احتضنتها عام 2005، وهو ملف يحتاج إلى نقاش ومشاورات معمقة مع الطرف المصري خصوصاً، قبل اقتراح أي صيغ محتملة لطرحها في القمة المقبلة.
ويعد هذا الملف حيوياً للجانب المصري، لاعتبارات عدة منها تمسك الجزائر بمطلب تدوير منصب الأمين العام للجامعة، بدلاً من إبقائه بيد مصر وهو ما يحصل منذ عقود.
وتعتبر الجزائر أن القاهرة يمكن أن تكون ممراً لإقناع دول الخليج بهذه الأجندة، وعلى سبيل رد "خدمة" سياسية قدمتها الجزائر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عندما دافعت لإبقاء مصر في الاتحاد الأفريقي بعد الانقلاب في مصر على الرئيس الراحل محمد مرسي في عام 2013.
وكانت الجزائر قد استقبلت السيسي في يونيو/حزيران 2014، كأول بلد يزوره الأخير بعد انتخابه رئيساً في أعقاب الانقلاب السياسي، وهي فاتورة تعتقد الجزائر أنه حان الوقت للسيسي أن يدفعها لها.
وفي هذا السياق، يعرب عدد من المراقبين السياسيين عن اعتقادهم بأن لا مناص أمام الجزائر من العمل على نقاط التوافق مع مصر وتعزيزها لصالح تقوية موقفها في القمة العربية المقبلة وفي باقي الاستحقاقات الإقليمية.
ويشدّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، زهير بوعمامة، على أن "الجزائر تدرك جيداً أهمية الموقف والدور المصري في إنجاح القمة العربية المرتقبة على أراضيها". وبرأيه في حديث لـ"العربي الجديد"، فإن مصر "دولة المقر ولها تأثير تقليدي واضح على منظومة العمل العربي المشترك، والرئيس تبون يريد أن يستثمر في التقارب الكبير الذي حصل بين البلدين، لأجل الدفع بالقاهرة للعمل مع بلاده في اتجاه تهيئة أجواء تصالحية وتوافقية تمكن الجزائر من استجماع عوامل إنجاح القمة".
ويعتبر بو عمامة أن حضور السيسي القمة "سيكون دعماً مهماً للرئيس تبون، خصوصاً أن هناك أطرافاً تعمل على إضعاف القمة وتحجيم قيمتها الدبلوماسية من خلال خفض مستوى الحضور فيها، بينما تحرص الجزائر على أن تكون القمة بحضور قوي للرؤساء والملوك".
عودة سورية للجامعة العربية
ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن "القاهرة تلتقي مع الجزائر في بعض ملفات أجندة القمة، وأبرزها الموضوع الشائك الذي تمثله عودة سورية إلى الحاضنة العربية، خصوصاً بعدما أقدمت بعض العواصم العربية على إعادة الاتصالات السياسية مع دمشق، ومصر من هذه الدول".
ترى الجزائر أنه يمكن لمصر أن تساعد في إيجاد صيغة توافقية تضمن عودة سورية إلى الجامعة العربية
ويلفت بو عمامة في هذا الإطار إلى أن هذه الخطوة "تلاقي معارضة أو تحفظاً من أطراف معينة لحسابات خاصة بها أو بعلاقاتها المتشابكة في الإقليم"، معتبراً أن القاهرة "يمكن لها تساعد في إيجاد صيغة توافقية تضمن عودة سورية إلى الجامعة العربية كمدخل لتوسيع دور العرب في إيجاد التسوية المنتظرة للأزمة السورية، مع الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات الأطراف المتحفظة".
ويأتي ذلك برأيه، على اعتبار أن القاهرة "هي صوت مسموع لدى الأطراف التي لا تزال تتحفظ على خطوة استعادة سورية لمقعدها ومكانها في البيت العربي".
طمأنة مصر من المبادرة الفلسطينية
ومن دون شك، فإن ملف المصالحة الفلسطينية يفرض نفسه على أجندة المباحثات السياسية بين الرئيسين تبون والسيسي، بعد دخول الجزائر على خط الملف من خلال دعوة تبون الفصائل الفلسطينية إلى الاجتماع في الجزائر.
واستقبلت الجزائر فعلياً الأسبوع الماضي قيادات حركات "فتح" و"حماس" و"الجبهة الديمقراطية" و"الجبهة الشعبية" واستلمت أوراقاً سياسية تتضمن مقترحات حول إنهاء الانقسام الفلسطيني. وهذه الخطوة قد تنظر إليها القاهرة بعين الريبة، كونها تعتبر الملف خاصية مصرية، ويمكن أن تقرأ في المبادرة الجزائرية تدخلاً في مربع هيمنت عليه مصر لفترة طويلة.
وضمن هذه الأجواء، تمثل الزيارة مناسبة للرئيس تبون لشرح المبادرة الجزائرية وظروفها، لرفع أي التباس سياسي، تأسيساً على العلاقة التاريخية القوية للجزائريين بالقضية الفلسطينية، ولكون المبادرة الجزائرية محدودة زمنياً، ومرتبطة بإرادة جزائرية لجعل القمة المقبلة "قمة فلسطين"، ودفع القاهرة إلى تفهم الدور الجزائري في الملف الفلسطيني، مع إمكانية دمج جهود الطرفين لتصحيح الوضع الفلسطيني.
ليبيا... ملف مفصلي
ولا يقل موضوع المصالحة الفلسطينية حساسية بالنسبة للجزائر ومصر، عن الملف الليبي الذي يعد أحد الملفات المفصلية في العلاقة المصرية - الجزائرية، لكون البلدين من دول الجوار الليبي.
وتبحث الزيارة عن التوصل إلى رؤية مشتركة حول ليبيا تخدم مصلحة البلدين، على الرغم من الاختلاف في التفاصيل، لضمان انتقال سياسي عبر الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة في هذا البلد، والحرص على توفير الأجواء المناسبة لها، والتعهد باحترام نتائجها من قبل الجميع.
وتعد هذه العملية معقدة، ولا تريد مصر كما الجزائر أن تفلت من يديهما. ولذلك يبدو من الضروري أن يتفق البلدان بينهما على حد أدنى من الشروط، لكن دون ذلك فارق في التصورات السياسية.
ففيما تركز الجزائر على البعد الأمني في الأزمة الليبية (980 كيلومتراً من الحدود مع ليبيا)، وتعلن تعاملها مع جميع الأفرقاء الليبيين على مسافة واحدة، وتدعم خطط الحوار السياسي الذي يشمل جميع القوى الليبية، بما فيها الإسلامية، وإجراء انتخابات شفافة تعيد توحيد المؤسسات الليبية، تضع مصر حساباتها السياسية باتجاه منع صعود قوى ليبية لا تروق توجهاتها للقاهرة. ودفع ذلك مصر إلى لعب أوراق كثيرة لبعثرة الانتخابات الليبية وإعادة هندستها بما يضمن تفوقاً للقوى التي تدعمها.
سياق للعلاقات الجزائرية - المغربية
وتضع بعض القراءات السياسية زيارة تبون إلى القاهرة ضمن سياق استكشاف الجزائر لطبيعة الموقف المصري من عدد من القضايا الإقليمية، ومن ثم التأمل في دور مصري يلعب لصالح إنجاح القمة العربية في الجزائر.
تبحث الجزائر عن مداخل ممكنة لدور مصري في إقناع المغرب بتعديل خياراته الإقليمية
وتريد الجزائر أن يحصل ذلك وفقاً للاشتراطات التي تطرحها من جهة، والبحث عن مداخل ممكنة لدور مصري (دون أن يرقى إلى وساطة) في إقناع المغرب بتعديل مواقفه وخياراته الإقليمية بما يسمح بإعادة العلاقات الجزائرية المغربية، بنفس القدر الذي سمح للمغرب بالمشاركة في قمة الجزائر عام 1988، على الرغم من التوترات التي كانت قائمة حينها بين البلدين.
وفي هذا الإطار، يعتبر الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية، أحسن خلاص، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الرئيس تبون هو أقل الرؤساء الجزائريين تنقلاً خارج البلاد، وقد عوض عن ذلك بوضع رمطان لعمامرة مجدداً على رأس الدبلوماسية الجزائرية، لكن في موضوع زيارة مصر التي أعلن عنها وجرى الترتيب لها بعناية منذ أكثر من شهر، يبدو أن الرئاسة الجزائرية تريد أن تعطي زخماً سياسياً خاصاً لها".
ويأتي ذلك، بحسب رأيه، خصوصاً أن البلدين "أرسيا في الفترة الأخيرة إطاراً للتشاور حول القضايا الإقليمية بعيداً عن الأطر العربية والأفريقية التقليدية، على الرغم من وجود بعض التباين الواضح في المواقف، لا سيما بشأن الملف الليبي".
ويضيف خلاص أن "الجزائر ترى أنه من مصلحتها ضمان حد أدنى من التوافق الذي هو ممكن مع مصر، عكس دول الخليج، خصوصاً في بعض الملفات كعودة سورية إلى العمل العربي المشترك وإمكانية تهيئة الأجواء لجعل مشاركة المغرب في القمة المقبلة فرصة لإعادة قطار العلاقات الجزائرية المغربية إلى وضعها الطبيعي".
ويرى أن مصر يمكنها أن تلعب دوراً في هذا الملف لطبيعة موقفها المتوازن بخلاف دول الخليج التي تميل مواقفها لصالح الرباط. ويعرب خلاص عن اعتقاده بأن هذه الزيارة "هي محاولة أخيرة قبل الفصل النهائي في انعقاد اجتماع القادة العرب من عدمه".
العلاقات الاقتصادية... ملف هامشي
أما خارج المحور السياسي، فتبقى القضايا الاقتصادية والتعاون في مجالات التجارة والطاقة، وخصوصاً الغاز، هامشية في سيرورة هذا المستوى من الزيارات بين البلدين، وحتى وإن حرص التلفزيون الحكومي الجزائري على إبراز عدد من تجارب الشركات المصرية العاملة في الجزائر تزامنا مع زيارة تبون.
إذ يبقى حجم التعاون الاقتصادي والمبادلات التجارية بين مصر والجزائر ضعيفاً، وهو قدّر بـ747 مليون دولار خلال عام 2021. ويفترض أن تتولى اللجنة العليا المشتركة بين البلدين برئاسة رئيسي حكومتيهما، مناقشة هذه الجوانب، عندما تعقد هذه اللجنة اجتماعها خلال العام الحالي، وذلك للمرة الأولى منذ 8 سنوات.