أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، اليوم الجمعة، أن بلاده "لن تفرط مطلقا في حقوقها التاريخية" المرتبطة بالمطالبة باستعادة الأرشيف الوطني المنهوب من فرنسا، والحصول على تعويضات تخص إجراءها تجارب نووية في الصحراء الجزائرية خلال حقبة الاستعمار، وكشف "مصير أكثر من ألفي مناضل مفقود"، تعتبر الجزائر السلطات الاستعمارية الفرنسية مسؤولة عن مصيرهم.
وقال تبون، في رسالة عشية ذكرى التوقيع على اتفاقيات إيفيان لوقف إطلاق النار بين قيادة الثورة الجزائرية والحكومة الفرنسية، في 19 مارس/ آذار 1962، إن الجزائر مستمرة في المطالبة بـ"تعويض ضحايا التجارب النووية" التي نفذتها فرنسا منذ عام 1958 في الصحراء الجزائرية، والتي خلفت مئات الضحايا وآثارا وخيمة على البيئة في المنطقة، ما تسبب في أمراض وراثية وسرطانات.
وتتشبث الجزائر بمطالبة باريس بتحمل مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية في تطهير المنطقة من الإشعاعات النووية المتبقية، وتعويض الضحايا وعائلاتهم.
كما تطالب منذ مدة الجانب الفرنسي بمدها بخرائط التفجيرات النووية، إذ كان قائد الجيش الجزائري، سعيد شنقريحة، قد طالب، خلال لقائه نظيره الفرنسي، فرانسوا لوكوانتر، بتسليم الجزائر الخرائط المتصلة بالتفجيرات النووية للمساعدة على تحديد مناطق آثار الإشعاعات النووية وتطهيرها.
وشدد الرئيس الجزائري: "سنواصل بدون هوادة، وبلا تفريط، استكمال مساعينا بالإصرار على حق بلادنا في استرجاع الأرشيف، واستجلاء مصير المفقودين أثناء حرب التحرير المجيدة، وغيرها من القضايا المتعلقة بهذا الملف".
وبرز في الفترة الأخيرة ملف المفقودين الجزائريين، والذين اغتالتهم فرنسا خلال ثورة التحرير الوطني دون أن يكشف عن مصيرهم، كأحد الملفات العالقة، إذ تطالب السلطات الجزائرية نظيرتها الفرنسية بتقديم المعلومات الكافية المتعلقة بأكثر من "ألفي شهيد مفقود"، وفق إحصاءات الحكومة الجزائرية، أبرزهم الشيخ العربي التبسي، أحد أبرز المراجع الدينية وشيوخ جمعية العلماء المسلمين خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
وأبدى الرئيس الجزائري عدم اقتناعه بجدية بعض الخطوات التي اتخذتها باريس إزاء ملف الذاكرة، واعتبر انه يتعين على الجانب الفرنسي "التحلي بالمسؤولية لدى معالجة ونقاش ما جرى خلال الحقبة الاستعمارية".
وقال تبون: "لا مناص من المعالجة المسؤولة المنصفة والنزيهة لملف الذاكرة والتاريخ في أجواء المصارحة والثقة، هذه المسألة ستظل في صلب اهتماماتنا".
ويأتي موقف تبون على الرغم من جملة خطوات اتخذها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على علاقة بملف الذاكرة والتاريخ الاستعماري الفرنسي في الجزائر، على غرار الإقرار بمسؤولية الدولة الفرنسية في اغتيال عدد من المناضلين، كعالم الرياضيات موريس أودان، والمحامي علي بومنجل، وحوادث قمع المهاجرين الجزائريين في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، ومجازر الثامن مايو/ أيار 1945، إلا أن السلطات الجزائرية ترى فيها "خطوات غير كافية ولا ترقى إلى مستوى النزاهة المطلوبة لمعالجة ملفات الذاكرة".
وكان وزير المجاهدين (قدماء محاربي ثورة التحرير) العيد ربيقة قد أعلن، في يناير/ كانون الثاني الماضي، في جلسة مساءلة في البرلمان، أن "المفاوضات الجزائرية الفرنسية حول ملفات الذاكرة تصطدم بتعنت من قبل الجانب الفرنسي لأجل ربح الوقت واللعب على متغيرات الزمن، ومن أجل تغيير النظرة إلى حقيقة الوجود الاستعماري في الجزائر وباقي الدول، وتصويره على أنه نقل للحضارة".
ومازالت أحداث ثورة التحرير الجزائرية ووقائع متصلة بممارسات الاستعمار الفرنسي في الجزائر تلقي بتأثيراتها السياسية حتى الآن على العلاقات الجزائرية الفرنسية، إذ كثيرا ما تتأزم العلاقات بسبب ذلك.