تجاذبات الفرنسيين اليهود اليساريين

24 أكتوبر 2024
أنصار "تسيديك" بتظاهرة في باريس، 8 سبتمبر 2024 (توماس سامسون/فرانس برس)
+ الخط -

لم يبدأ التاريخ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. تسترجع مجلة أوريان 21 سنة كاملة من حرب الإبادة في غزة من زاوية خاصة، تركز الضوء عليها. يجد بعض اليهود في فرنسا أنفسهم في حيرة من أمرهم حيال التأييد الصاخب الذي تمنحه لإسرائيل المؤسسات الممثلة لهم، ولا سيما الدينية منها. يدلي حول هذا الأمر بعض الفرنسيين اليهود هنا بشهاداتهم، وهم من المطبوعين أساساً بقيم العدالة، المتخوفين من اليمين المتطرف، المرتابين إلى حد ما من اليسار. كما يحلل المفكر إدغار موران في حوار مع المجلة الأسباب العميقة لسكوتهم. جاك دريدا، نجم "النظرية الفرنسية" المعروفة بهذا الاسم في أميركا، والذي أصبح الهدف المفضل لانتقادات المعادين لحركة "الووك" (الحركة المناهضة للعنصرية والمطالبة بالعدالة الاجتماعية)، قالها بضع سنوات قبل وفاته عام 2004: نادراً ما يعترض أحدهم، في صفوف الطائفة اليهودية، على حق إسرائيل في الوجود. إلا أن الفيلسوف كان يمنح نفسه حق "الاعتراض، وفي العلن أحياناً، على سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، بل إنه ذهب أبعد من ذلك حين عبّر عن "حق التساؤل، في يقظة الأرق، عن ظروف قيام دولة إسرائيل الحديثة"1.

كم من الفرنسيين اليهود يشاطرون جاك دريدا أرقه هذا؟ منذ السابع من أكتوبر، وتدافع الأحداث الإجرامية التي شنتها الحكومة الإسرائيلية على غزة والأراضي المحتلة ولبنان "لم أعد أنام" تقول فرانسواز، ابنة الـ28 سنة، والعاملة في مجال صور الأزياء. ويضيف كلود المعلم المتقاعد البالغ من العمر 64 عاماً، "تنتابني الكوابيس من دون هوادة، الواحد بعد الآخر". في لقاءات الأسرة أو الأصدقاء، ينزع هؤلاء إلى الانطواء، يتمتمون "يا للفظاعة" أو "شيء مريع فعلاً"، ثم يتحول الحديث إلى أمور أخرى. دون أن يدرك أحدٌ ما هو رأي الآخرين. ويلجأ الكثير من الفرنسيين اليهود المتمسكين باليسار، ممن يشعرون بغضب عارم حيال الارتفاع الحاد في حالات معاداة السامية في فرنسا وفي الوقت نفسه بالنفور الشديد من الوحشية المفرطة التي تمارسها إسرائيل في حروبها، إلى الصمت المحفوف بالإحباط. وتضيف فرنسواز."لا أثير هذا الموضوع في محادثاتي العامة، تفادياً للعدوانية الجمّة التي يتسم بها المدافعون عن إسرائيل. هكذا ينقطع الحوار قبل أن يبدأ أساساً".


بول: لم أذهب يوماً إلى إسرائيل ولم أشعر يوماً بأي نوع من الانتماء

اليهود وصمت الحرج والخوف

في الأيام التي سبقت عيد الغفران (يوم كِبور بالعبرية) الموافق في 11 و12 أكتوبر الحالي وعشية الذكرى المروعة للسابع من أكتوبر، بدت الحرب المدمرة التي لم يسبق لإسرائيل أن شنت مثلها قط منذ 1948 وكأنها عملية لن تنتهي أبداً. حرب "بشعة، بشعة بالألفاظ أيضاً" هذا ما يوضحه لنا بول، خبير الإحصائيات البالغ من العمر 34 سنة، المولود من أم يهودية وأب غير يهودي، والذي ترعرع في أجواء عائلة اشتراكية التقاليد. "لم أذهب يوماً إلى إسرائيل، ولم أشعر يوماً بأي نوع من الانتماء". أما عن الدعوة لإبادة الفلسطينيين من قبل "ورثة المنادين بشعار لا تكرار لذلك بعد اليوم، فلم أعد أطيقهم". إلا أنه يكبت غيظه، ويراقب بشيء من الذهول مساندة أطياف من اليهود لإسرائيل، حيث شارك على ما يبدو في حرب غزة جنود من ذوي الجنسية المزدوجة، الفرنسية الإسرائيلية، كما يراقب الهوة السحيقة في تيار اليسار الممتد من قطب كارول دلغا إلى القطب المناقض له بشخص دانيال أوبونو، يسار متخبط في تصريحاته، عاجز عن توحيد صفوفه حيال المسألة الإسرائيلية الفلسطينية.

يبوح بـ"أنه يشعر بوحدة قاتلة"، ويهاله أن يصبح اليوم كل من جوردان بارديلا ومارين لوبان2 النجمين الجديدين لدى الطائفة اليهودية. لم يشارك بول في أية مظاهرة. كاد يشارك في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في المسيرة المناهضة لمعاداة السامية التي نظمتها رئيسة الجمعية العامة يائيل برون بيفي بالتعاون مع رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، لولا أن رحبت المسيرة بمشاركة اليمين المتطرف. في مناسبات أخرى كان يخشى سماع ما يزعم كل من المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا ووسائل الإعلام حدوثه من شعار "الموت لليهود"، فيمتنع عن المشاركة.

تعمل لورانس3 في مجال التجارة في إحدى المدن الكبرى في فرنسا، عمرها 58 عاماً. والداها من أتباع الصهيونية اليسارية المتأثرة جداً بالرئيس الراحل فرانسوا ميتران: "مرّت مراهقتي على وقع التظاهرات المتلاحقة، خصوصاً تلك التي كانت تنظمها جمعية مناهضة العنصرية"(SOS Racisme). أما اليوم فتفضل لورانس هي أيضاً أن تنطوي على نفسها. "لا علاقة لي بإسرائيل. لقد مثلت أحداث السابع من أكتوبر فترة عصيبة بالنسبة لي بطبيعة الحال، وبكيت، واتصلت بالأقارب. ولكن كيف لي، منذ ذلك الحين، أن أتماهى مع هذه المجازر؟ مع التخلي عن الرهائن؟ مع هؤلاء الوزراء العنصريين الذين يجرون العالم إلى المجهول بجنونهم؟ لن أفعل ذلك أبداً!".

تتفادى لورانس مشاهدة قناتي التلفزيون سي نيوز وآي 24 الإسرائيلية، وبالكاد تعلم ما يقول المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية الذي لا يُفوِّت فرصة إلا ويعلن فيها دعمه غير المشروط لإسرائيل، كما أنها ليست على اطلاع بتاتاً بما تقوم به بعض التجمعات، وبعضها حديث العهد، من اليهود الذين ينتقدون إسرائيل. مثل تجمع "تسيديك" Tsedek الذي يسعى إلى تشييد "جبهة يهودية مناهضة للعنصرية ومطالبة بزوال الاستعمار"، الذي يستقطب العديد من المناضلين الشباب (وثمة تجمعات أخرى مثل غولام Golem ويهوديات ويهوديون Juives et juifs، وشبكة النشاطات المناهضة لمعاداة السامية وسائر أشكال العنصرية RAAR، وهي تجمعات تركز بشكل خاص على مناهضة معاداة السامية). من ناحيتها، تراقب لورانس سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو باستنكار وصمت.

أما جان البالغ من العمر 47 سنة فهو مهندس، يتنقل بين منطقة إيل ـ دو ـ فرانس المحيطة بباريس، وتل أبيب، حيث اشترى شقة منذ بضع سنوات مع شقيقه ووالدته التي توفيت أخيراً. وكان في الانتخابات يُدلي بصوته للشيوعيين أو الاشتراكيين وذلك حتى سنة 2017، حين صوّت للرئيس إيمانويل ماكرون. وخلال وجوده في الحاضرة الإسرائيلية بدأ يشارك منذ نوفمبر 2022 بتظاهرات حاشدة مضادة لنتنياهو ومشروع قانون تعديل صلاحيات المحكمة العليا. ثم شارك في تجمعات تنادي بإطلاق سراح الرهائن وتندد بـ"الحرب القذرة" التي تخوضها الحكومة. ولكنه في فرنسا لا ينبس ببنت شفة، يلتزم الصمت المطبق. "لست أدري ماذا أقول، أتفهم طبعاً الانتقادات الموجهة لإسرائيل، شأني شأن العديد من المقربين إليّ، ولكنني لا أجد الإطار المناسب للتعبير، ولا أريد بأي شكل من الأشكال أن يقترن اسمي بمن يعادي السامية".


لورانس: كيف لي أن أتماهى مع هذه المجازر؟

ويشعر جان بشيء من القلق حيال جان لوك ميلانشون وحزب فرنسا الأبية، وما يسميه "كلامهم الملتبس" إلا أنه يعتبر أن عمدة باريس آن هيدالغو مفرطة في الانحياز لإسرائيل، سيما أنها كانت قد أمرت بإضاءة برج إيفل بألوان العلم الإسرائيلي، وهو الشيء الذي لم تقم به إطلاقاً بالنسبة لعلم فلسطين، ينتظر جان من اليسار أن ينشط لصالح حقوق الفلسطينيين والرهائن، إلا أنه يتردد من ناحيته في المشاركة. "نحن بعيدون عن إسرائيل وفي الوقت نفسه قريبون، وفي ذلك نفاق كبير"، هذا ما تقوله ميشيل سيبوني، وهي من الشخصيات العامة البارزة في الانتقاد اليهودي لإسرائيل، والناطقة بلسان الاتحاد الفرنسي اليهودي من أجل السلام UFJP. وتردف قائلةً: "صمت الفرنسيين اليهود القادرين على التعبير هو صمت الحرج، أما الآخرون فليس لديهم الأدوات المعرفية لاستيعاب ما يحدث". وتضيف: "لقد سعت فئة واسعة من الطبقة السياسية منذ السابع من أكتوبر من أمثال إيمانويل ماكرون وجيرار دارمانان إلى الخلط المستمر بين اليهود وإسرائيل. وبذلك وضعت اليهود عنوةً في المعمعة، مما يشكل خطراً كبيراً عليهم". بالنسبة لميشيل سيبوني فإن الفرنسيين اليهود يلتزمون الصمت قبل أي شيء "لأنهم يشعرون بالخوف".

أصوات يهودية معارضة تكاد لا تسمع

والأمر هنا يخالف موقف العديد من الأميركيين اليهود. هذه ملاحظة سجلتها أنجيلا ديفيس خلال حضورها عيد صحيفة أومانيته (بين 13 و15 سبتمبر 2024)، حين قالت: "حركة التضامن مع فلسطين في الولايات المتحدة يقودها يهود تقدميون وراديكاليون". ما من مثيل لهذا التحرك في فرنسا إلا بشكل هامشي يكاد يكون غير مسموع، فوسائل الإعلام الموالية لإسرائيل تستبعد من برامجها وصفحاتها الأصوات اليهودية المنددة بمنطق الإبادة الذي ينتهجه نتنياهو وجيشه. أصوات كصوت روني برومان على سبيل المثال، الطبيب، والشخصية المرموقة في منظمة أطباء بلا حدود، والمولود في مدينة القدس. عندما أصيب المغرب بهزات أرضية استضافته البرامج التلفزيونية "خمس مرات في اليوم على مدار عشرة أيام". وبالمقابل، فمنذ سنة كاملة من الحرب، لم يجرِ استدعاؤه إلا نادراً، فيقول "لقد وضعوني على القائمة السوداء".

ويحمل برومان مع ذلك، شأنه شأن التقدميين الأميركيين، خطاباً يعارض "انزلاق المثقفين الفرنسيين إلى دعم الوجه الأكثر شراسة في إسرائيل". هذا التراجع في فرص تبادل الآراء في فرنسا يؤثر أكثر ما يؤثر سلباً على الفرنسيين اليهود، في حين أن المناقشات في الولايات المتحدة تجري بشكل منفتح وتسمح للرأي العام بالمشاركة في الآراء المتداولة. أما هنا فمن ينقذ شرف البلد هي وسائل الإعلام المستقلة، ولا عجب في أن تكون وسائل الإعلام هذه وبشكل متزايد عرضة لحملة شعواء من قبل اليمين المتطرف الموالي لإسرائيل.

يتذكر روني برومان زمناً كان فيه المثقفون من أمثال بيار فيدال ناكي ودانيال بن سعيد وشخصيات من أمثال جيزيل حليمي وليون شفارتزنبرغ يعبرون عن مواقفهم بصفتهم من "اليهود". وبذلك كانوا يمنحون الطائفة "مراجع فكرية"، ناهيك عن كون الطائفة أساساً ميالة إلى اليسار في ذلك الحين. وفي عريضة نشرتها صحيفة لوموند عام 2002 للتنديد باحتلال فلسطين، أضاف فيدال ناكي على توقيعه صفة "يهودي"، وهو الأمر الذي لم يكن يفعله من قبل، إلا أن "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية جعل صبرنا ينفد"، حسب ذكريات روني برومان. ففيدال ناكي، مثله مثل سائر الملتزمين باليسار، لم يكن لِيُجاهر بهويّته الطائفية إلا ليدافع عن قيم يرى أنها انتُهِكت. وقتها كان فيدال ناكي يُدعى إلى العديد من القنوات التلفزيونية، ويطول الاستماع لحديثه.

بعد تلك العريضة باثنين وعشرين عاماً، في سبتمبر/أيلول 2024، نشر روني برومان، بالاشتراك مع شخصيات يهودية أخرى، نصاً في صحيفة ليبراسيون، يعرب فيه عن قلقه حيال تصريحات الحاخام الأكبر الفرنسي حاييم كورسيا الذي طالب بـ"أن تُنجِز إسرائيل المهمة" (راجع عدد 10 سبتمبر 2024 وكان عنوان المقال الفرنسي: لا يجوز لكبير الحاخامين أن يبرر المجازر في غزة). ويضيف برومان قائلاً: "لم يُقابَل النص بأية ردة فعل، شيء مُدَمِّر فعلاً، يبعث على الإحباط". ويعتبر أن هذا الصمت مُفتعل، في حين أن العديد من الفرنسيين، ليس فقط في صفوف اليهود، لا شك يهتمون بتحليلاته.

كما أننا لم نصوت لما يحصل في غزة

ما من صوت ديني، ما من صوت سياسي، ما عدا النائب إيمريك كارون وكلا من تجمّعيْ "غولام" و "تسيديك" ورفاق برومان، ما من أحد اعترض على كلام الحاخام الأكبر المشؤوم. في مواجهة هذا الكلام الذي "لا يُعْقَل أخلاقياً" برأي برومان، لم تحدث أية مبادرات تُذكر. مع أن الأمر كان يستأهل تظاهرة أمام المجلس الكنيسي. إلا أن الرأي العام اليهودي، بغض النظر عن شطره الموالي لإسرائيل والذي يقدر عدده بـ200 ألف من أصل 600 ألف فرنسي يهودي، يلتزم أعلى درجات الحذر. وبالتالي فإن هذه الحرب بالنسبة للفرنسي اليهودي هي بمثابة صدمة صامتة، "عذاب وجداني". إذ يُفترض أن الحرب جارية باسمه، ولا بد لمسألة الهوية أن ترقى مجدداً إلى فكره. الصمت في هذه الحالة نابع في الوقت نفسه من الحذر الطوعي ومن الأمر المفروض فرضاً، وهو بالضبط الأمر الذي كان العديد من الفرنسيين اليهود يودون تفاديه. كان من المفترض أن تكون هوية اليهودي في فرنسا مدعاة اعتزاز لا مدعاة خوف.

"مهلاً، لا تتوقع أن أبكي على مصير مجرمي حماس"، هذا ما توضحه فرنسواز وتتابع" إلا أنني لا أقبل منطق العقاب الجماعي هذا، لا يمكنني أن أتفهم المجزرة بحق المدنيين". ويقول كلود "علينا بالأحرى أن نكون جنوداً للسلام"، وتجول في الخاطر مقولة برنار لازار الذي كان يطالب اليهود بأن يكونوا "جنود العدالة والأخوة". وتضيف كارولين "أنا بصفتي يهودية أشعر بأنني بين فكّي كمّاشة قاتلة". وترفض كارولين انتماءً يهودياً لدولة انعدام القانون. تشعر بأنها في وضع يشبه الكمين، فتسكت.


ترفض كارولين انتماءً يهودياً لدولة انعدام القانون

مع ذلك كله، لا بد في نهاية المطاف من شيء من الجسارة في فرض كلمة جماعية تخالف الخطاب الموالي لإسرائيل، بل ولا بد من مواجهة هذا البلد، فرنسا، الذي اجتاحته المظالم وتم تسليمه لليمين المتطرف. ولا بد للمعركة ضد معاداة السامية أن تكون معركة ضد كل أنواع التمييز. فلقد حاول استطلاع أجرته صحيفة لو باريزيان إجراء فرزٍ بين أنواع العنصرية، على خلاف الفرنسيين أنفسهم. 83% من الفرنسيين قلقون حيال الأفعال المعادية للسامية، و79% حيال الأفعال العنصرية، و78% حيال الأفعال المعادية للمثليين، و71% حيال الأفعال المعادية للإسلام. حيال هذا الأمر ثمة ضرورة لمن يشعر بأنه يتيم أفكار الأممية ومبادئ العالمية أن يفكر ملياً بأنواعٍ جديدة من الالتزام، حيث إن بقايا الماكرونية (نسبة لماكرون)، واليمين واليمين المتطرف، كلها حالياً في حالة من الهستيريا المضادة للعرب. أما في الطرف الآخر، فالانشقاقات في صفوف اليسار رهيبة. وحرية النقاش في الحضيض. إلى درجة جعلت دومينيك دوفيلبان هو من يُلقّن اليسار درساً، خلال حضوره عيد الأومانيتيه. لا يجوز التخلي عن الفلسطينيين في مصيبتهم، هذا ما قاله رئيس الوزراء الأسبق في عهد جاك شيراك. باتت استعادة القدرة على الكلام عن الوحشية الإسرائيلية ضرورة ملحة. وكما تقول كورين بسخرية مريرة "كما أننا لم نصوت لما يحصل في غزة".

إدغار موران: أوجه الشتات الثلاثة

يحافظ إدغار موران على مسار واضح، فلا يكفّ في مداخلاته النادرة عن التعبير عن سخطه للمصير المفروض على الفلسطينيين. كاتب "إشاعة مدينة أورليان" و"فيدال وأهله" بلغ اليوم من العمر 103 سنين، ولقد أجرت مجلة أوريان 21 معه حواراً عبر التراسل الإلكتروني. يُعبّر موران عن سخطه حيال "سكوت العالم" أمام ما يتكبده الفلسطينيون من ويلات في غزة، وحسب تحليله "ثمة فئة من الشتات لا تتماهى مع إسرائيل، وفئة أخرى تتماهى معها وتوفر لها تبريرات غير مشروطة وفئة أخيرة تشعر أنها مرتبطة بها وتتفادى إدانتها". ولم يفاجأ المفكر بسؤالي حول صمت الفرنسيين اليهود: "لقد حلّ حب إسرائيل والولاء غير المشروط لسياستها محل مبدأ العالمية وهموم المظلومين، لدى العديد من المثقفين اليهود".

ويذكرنا إدغار موران بما كان قد كتبه عام 2006 في كتابه "العالم المعاصر والمسألة اليهودية": "الخطر والحرب وتبرير التفوُّق، كل ذلك يحفّز النزعة الإسرائيلية المنغلقة، اليهودية المنغلقة. لقد ذاب التيار المنادي بالخلاص اليهودي في القومية المتطرفة. وازدادت حدّةً تصوير الأمور صراعا بين الخير والشر مع التبرير المطلق لتصرفات إسرائيل (...) ولقد تعززت الفكرة القائلة بأن الموقف الناقد لإسرائيل إنما طبيعته الفعلية معاداة اليهود، وكذلك تعزز بحدة الاعتقاد بأن التعاطف مع مصيبة الفلسطينيين إنما يشي بغياب التعاطف مع مصير اليهود". ويحلل موران كذلك تحول مواقف العديد من الفرنسيين اليهود حول المسألة الإسرائيلية الفلسطينية. فيكتب "معاداة السامية هي التي جعلت الناس يعودون إلى الدين اليهودي وهي التي نشّطت الصهيونية، وهذه بدورها عززت الهوية اليهودية لدى "اليهود ـ غير اليهود" (وهو مفهوم وضعه إدغار موران ليعني به الفئة اليهودية المندمجة بالثقافات الأخرى). ويضيف: "لقد استعادت كلمة يهودي في إسرائيل المعنى الغابر الذي يدمج بين مفاهيم القومية والشعب والدين، وهو المعنى الشائع اليوم في الشتات".

1 راجع كتاب أوكتاف لارمانياك ماترون: "دريدا في مواجهة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني"، مجلة "فيلوزوفي" (فلسفة) الفرنسية، عدد الـ12 من أكتوبر2023

2 هما قادة حزب "التجمع الوطني" ذي التاريخ المشبوه في معاداة السامية

3 لقد جرى تغيير أسماء المتحدثين

يُنشر بالتزامن مع "أوريان 21"
https://orientxxi.info/ar

 

تقارير دولية
التحديثات الحية
المساهمون