اعتبرت حركة "النهضة" التونسية، اليوم الأربعاء، أن ما ذكرته تقارير إعلامية بخصوص توجيه دعوة لاستنطاق رئيسها، راشد الغنوشي، لاتهامه مع عدد من القيادات والشخصيات في القضية المتعلقة بجمعية "نماء تونس" الخيرية، يأتي في "سياق التشويه وتلفيق التهم الكيدية بغاية خلق حالة استقطاب وتخويف الناس من مغبة فشل الاستفتاء على الدستور".
وأعلنت لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي التونسي، أمس الثلاثاء، تجميد حسابات بنكية وأرصدة مالية للغنوشي و9 أشخاص آخرين.
وذكرت تقارير إعلامية أنّ قاضي التحقيق الأول بالمكتب 23 بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب قرّر استنطاق الغنوشي بصفته "متّهما" يوم 19 يوليو/ تموز الجاري مع توجيه إعلام الاستدعاء له من قبل الوحدة المركزية لمكافحة الإرهاب والجرائم الماسة بسلامة التراب الوطني.
وأصدر قاضي التحقيق الأول قرارا بتجميد أرصدة وأموال عدد من الشخصيات في نفس القضية شملت الغنوشي وابنيه معاذ وسمية الغنوشي وصهره وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، ورئيس الحكومة الأسبق وأحد مؤسسي "النهضة"، حمادي الجبالي وابنتيه وزوج ابنته وآخرين.
وأكدت حركة "النهضة" في بيان إعلامي، أن "إصرار سلطة الانقلاب على حشر اسم رئيس حركة النهضة الأستاذ راشد الغنوشي في ملف جمعية نماء التنموية وغيرها من القضايا يتنزل في سياق التشويه وتلفيق التهم الكيدية بغاية خلق حالة استقطاب وتخويف الناس من مغبة فشل الاستفتاء على الدستور".
وأضافت أن ذلك يأتي في سياق "الإيهام بعودة حركة النهضة إلى السلطة في هذه الحالة رغم تفنيد الواقع السياسي لذلك وتأكيد الحركة مرارا عن إرادتها الجازمة في استعادة المسار الديمقراطي وليس العودة إلى السلطة أو العودة إلى ما قبل 25 جويلية (يوليو/ تموز)"، في إشارة إلى تاريخ بدء الرئيس التونسي، قيس سعيّد، الاستفراد بالحكم.
وأكدت "النهضة" أن الغنوشي، رئيس البرلمان المجمدة أعماله بقرار من سعيّد، "قام بالتصريح بممتلكاته وأن معاملاته البنكية قانونية ولم يتلقّ أي أموال من أي جهة خارجية كانت أو داخلية بما فيها جمعية نماء محل التحقيق القضائي ولم يقم بأي تحويلات مالية لصالح أي جمعية".
واستنكرت "النهضة" إصرار "سلطة الانقلاب على الزج باسم رئيسها الأستاذ راشد الغنوشي في قضية ليس له علاقات مالية بأي من الأشخاص المذكورين فيها كما تدين محاولة تطويع القضاء لتصفية الخصوم السياسيين في سياق حسابات انتخابية ضيقة لا تخفى على أحد"، بحسب البيان.
وفي حديث لـ"العربي الجديد" أكد وزير الخارجية الأسبق وعضو مجلس شورى حركة "النهضة"، رفيق عبد السلام، أن "قضية جمعية نماء مفتعلة لإثارة الضجيج السياسي والإعلامي، عبر استخدام القضاء لأهواء قيس سعيّد وحساباته الخاصة"، مضيفا: "يكفي أن تنعقد الجلسات القضائية على وجه السرعة وفي وقت ينفذ فيه القضاة إضرابهم، حتى تتأكد من البصمات السياسية في الملف".
وأوضح: "هذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يستخدم فيها قيس سعيّد مؤسسة القضاء لضرب خصومه"، مضيفاً: "أنا شخصيا لا صلة لي بمؤسسة نماء سوى التواصل العام في إطار مهمتي التي كنت أشغلها في النهضة كمسؤول العلاقات الخارجية لا غير، ولم أتعامل معهم بمليم واحد. أقحم اسمي هنا كما أقحم في ملف شركة ستانلجو التي سمعت باسمها عبر وسائل الإعلام".
واعتبر عبد السلام أن "حشر اسمه واسم الغنوشي والجبالي، هو استهداف للنهضة وللجبهة المعارضة ومحاولة لضرب جبهة المعارضة عبر ممارسة الضغط وإلهائها بملفات قضائية مفتعلة"، مشيراً إلى أن "هذه لن تكون المحاولة الأولى ولا الأخيرة لهذه المعارك المفتعلة يصنعها الانقلاب للتغطية على فشله في جميع المستويات".
وأكد عبد السلام أن "مشروع استفتاء قيس سعيّد يواجه مأزقا كبيرا والأرجح أن تكون هناك مقاطعة شعبية واسعة بعدما رفضته أغلب القوى السياسية والاجتماعية ولن يكون وضع الاستفتاء أفضل حالا من الاستشارة الإلكترونية التي لم يشارك فيها أكثر من 5%".
وقال إن "الانقلاب يريد الآن تسخين جبهة الصراع مع النهضة عله يستميل بعض الأطراف الحاقدة على الثورة والديمقراطية في إطار لعبة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي المعروفة جدا. لكن أؤكد لكم أن مشروع الاستفتاء فاشل ولن يعترف الشعب بدستور سنه قيس سعيّد على مقاسه ويريد أن يغتصب بموجبه كل السلطات، ولا وجود إلا لدستور الثورة لسنة 2014 وما بني على باطل فهو باطل".
وحول تواتر استهداف قيادات من "النهضة"، قال عبد السلام إن "قيس سعيّد يرى النهضة وجبهة المعارضة السياسية العقبة الأساسية أمامه لتركيز حكمه الإمبراطوري المطلق، ومثلما استهدف البحيري سابقا وخرج منتصرا، فهذه القضايا لن تصمد أمام قضاء عادل ومستقل ومصيرها سلة المهملات. قيس سعيّد يدعي مقاومة الفساد بينما الفساد يعشش عنده في قصر قرطاج وفي محيطه العائلي الأقرب، ولا يوجد فساد أعظم من الانقلاب وجمع السلطات بيد شخص واحد مهووس بالسلطة ولا قدرة ولا كفاءة له في إدارة شؤون الدولة".
وسبق أن أوقفت السلطات التونسية رئيس الوزراء السابق حمادي الجبالي في 23 يونيو/ حزيران الماضي، في نفس القضية قبل أن يطلق قاضي التحقيق سراحه في 27 يونيو /حزيران ويبقيه في حالة سراح.
وهي المرة الثانية التي يتم فيها إيقاف الجبالي وإطلاق سراحه حيث سبق في 12 مايو/ أيار الماضي، توقيفه هو وزوجته بتهمة "حيازة مواد خطيرة"، ثم جرى الإفراج عنهما في اليوم نفسه إثر ضغوطات حقوقية.
وكانت السلطات التونسية، قد وضعت نائب رئيس حركة "النهضة" ووزير العدل الأسبق، نور الدين البحيري قيد الإقامة الجبرية لنحو 67 يوما بسبب "شبهة إرهاب"، فيما وصفه حقوقيون بالملف السياسي والاحتجاز القسري لتطلق سراحه في 9 مارس/ آذار الماضي.
وتلاحق الغنوشي وعائلته اتهامات بالحصول على أموال غير مشروعة وتلقيهم تمويلات خارجية لم يتم إثباتها قضائيا بعد في وقت عمد أنصار للرئيس ولأحزاب يسارية بالاحتجاج أمام منزل الغنوشي في مناسبات متفرقة والاعتداء عليه ومهاجمته خلال شهر رمضان.
منذ إعلان التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/ تموز 2021، شهدت تونس حل البرلمان ورفع الحصانة على البرلمانيين ثم حل المجلس الأعلى للقضاء وعزل نحو 57 من القضاة، وسط اتهامات من القضاة ومعارضين لسعيّد بوضع اليد على السلطة القضائية وتوجيهها ضد خصومه.
واعتبر المحلل السياسي ماجد البرهومي في تدوينة على حسابه بـ"فيسبوك"، أن "استهداف الغنوشي وأفراد عائلته على الأرجح، ذر رماد على العيون سينتهي بعد 25 جويلية (يوليو/ تموز)".
وصباح أمس نشر الرئيس التونسي، بياناً انتخابياً، دعا فيه التونسيين، من دون الالتزام بمبدأ الحياد الانتخابي، إلى التصويت بـ"نعم" على مشروع الدستور الجديد في الاستفتاء الذي سيُجرى يوم 25 يوليو/ تموز الحالي.