تحديات "الإرهاب المحلي" والعنف السياسي في أميركا

29 يناير 2021
أحد أنصار ترامب يحمل درعاً وعصا في وجه عناصر الأمن خلال اقتحام الكونغرس (Getty)
+ الخط -

تزايد الحديث داخل الولايات المتحدة، في الآونة الأخيرة، عن "الإرهاب المحلي". توالي تعبيراته الفاقعة التي بلغت ذروتها في غزوة الكونغرس يوم 6 يناير/ كانون الثاني، أثار مخاوف جدية من أن يكون ذلك بداية موجة من "التمرد" الذي يتوسل العنف المسلح لتحقيق تغييرات سياسية.

تحوّل الانقسام إلى تناحر مع وجود احتقان مزمن وخطاب ناري في ظل توفر وحمل السلاح بحماية القانون، كل ذلك يشكّل خلطة حملت جهات كثيرة على التحذير من الأدهى؛ فالمسألة جدّية، وإن كانت فيها بعض المبالغة، على أساس أن المؤسسات أثبتت تماسكها بانتقال السلطة بصورة سلمية من دونالد ترامب إلى جو بايدن، وأن الاحتياطات الأمنية بدت قادرة على رد الهجمة وردعها. لكن المسلّم به أن الاشتباك لم يحسم بعد، وحالة الانشطار ما زالت تتفاقم وتهدد بتطورات قد تزيد من تسميم الوضع. وأكثر ما يستوقف في هذا الخصوص تحذير رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، أمس، من أن "العدو صار من بيننا في داخل الكونغرس ".

كلامها، أو بالأحرى إنذارها، عزّز ما تردد عن أن عدداً من النواب قد تواطأ أو تعاون مع أنصار ترامب الذين اجتاحوا الكونغرس. كما أنها تلمّح في ذلك إلى خطاب وتصرفات غير مسبوقة لاثنتين من النائبات الجمهوريات، مارغوري تايلور غرين ولورن بوبارت. الأولى هددت في مقطع فيديو بـ"تصفية بيلوسي وديمقراطيين آخرين"، والثانية أصرت على الدخول بمسدسها إلى الكونغرس، ما أثار جدلاً حول هذا السلوك ومخاطره وفي هذا الظرف بالذات.

كلام بيلوسي عزّز ما تردد عن أن عددا من النواب قد تواطأ مع أنصار ترامب الذين اجتاحوا الكونغرس

 

وعلى ضوء ذلك، طالب عدد من النواب بتجريدها من منصبها وطردها من الكونغرس. كذلك طالبت بيلوسي بزيادة الحماية لنواب وصلتهم تهديدات مباشرة بالقتل. وكانت وزارة الأمن الداخلي قد نبّهت قبل يومين من احتمالات وقوع "عنف سياسي"؛ أي من اغتيالات سياسية ضد أعضاء الكونغرس الذي تحول إلى قلعة محصنة مع اقتراحات بتزنيره بسياج يمنع الاختراق إلى داخله ولأول مرة في تاريخه. وكأن في ذلك بدايات تحول أميركا من ديمقراطية مفتوحة إلى ديمقراطية مهددة من داخل بيتها.

 

لكن هذا العنف ليس بجديد في أميركا. فقد سبق لها أن مرت بتجارب من هذا النوع وتجاوزتها قبل وبعد الحرب الأهلية، مثل مجازر عصابات الوسط الغربي الأميركي أواسط القرن التاسع عشر، ثم عنف العنصريين البيض، مثل منظمة "كلو كلاكس كلان" في عزّ فورتها خلال عشرينيات القرن الماضي، ثم عشية إقرار الحقوق المدنية في الستينيات الأخيرة. ولكن في كل تلك التجارب حافظت سلطات الاتحاد الرئيسية، خاصة البيت الأبيض والكونغرس، على تماسكها ووحدتها. الكونغرس بقي كذلك حتى أثناء الحرب الأهلية، على الأقل خلال أول سنتين منها. الفارق الآن أن التناحر السياسي خلخله إلى حد دخول سيناريوهات الاغتيال على خطه، فضلاً عن تجاهل حوالى نصف أعضائه لعملية انتهاكه واستباحته وما أدت إليه من وقوع ضحايا وتخريب، وبما شكل سابقة مفتوحة طالما بقيت بدون إجماع على معالجة أسبابها ومحاسبة مسببيها.

العنف يعود الآن إلى السياسة في بلد تتوفر فيه حوالى 400 مليون قطعة سلاح، منها ما يعتبر حربيا، وتملكه ميليشيات يربو عديدها على 370، ويخضع عناصرها للتدريب

العنف في أميركا قديم ومتجذر. السناتور الجمهوري الراحل جون ماكين كان يقول "نحن شعب عنيف ". وشمل ذلك السياسة. 4 من أصل 46 رئيساً تم اغتيالهم. والعنف يعود الآن إلى السياسة في بلد تتوفر فيه حوالى 400 مليون قطعة سلاح، منها ما يعتبر حربيا، وتملكه مليشيات يربو عديدها على 370، ويخضع عناصرها للتدريب، وقد عادت بصورة مكشوفة إلى الساحة في الآونة الأخيرة، إحداها خططت قبل الانتخابات لخطف حاكمة ولاية ميشيغن والدخول إلى كونغرس الولاية بالقوة. وبعد الانتخابات هدد بعضها بتظاهرات مسلحة في واشنطن حالت التدابير الأمنية – العسكرية دون ترجمتها. لكنها بقيت سيفاً مسلطاً على الوضع. والأخطر أنه تبين خلال حدث الكونغرس أن بعض الشرطة تعاطف مع التمرد، وأن بعض العسكريين المتقاعدين شاركوا في هجمته.

مع ذلك، تبقى المؤسسات ممسكة بزمام الأمور. الأسبوع الأول من رئاسة بايدن مر بسلام، وليس هناك ما يشير إلى احتمال تكرار حدث السادس من يناير. لكن مع ذلك الأجواء لا تزال مضطربة ولا يخفى فيها التحسّب والخوف من مفاجآت عنيفة وإرهابية.