تحديث القطاع العام الأردني... محاولة للهروب من أزمة فشل الإدارة

07 اغسطس 2022
الخصاونة في ميناء العقبة، يونيو الماضي (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

يتصدّر ملف تحديث القطاع العام الذي أعلنته الحكومة الأردنية الأحد الماضي، اهتمام المواطنين الذين وجهوا انتقادات سريعة للمخرجات، وخصوصاً في ظل الإعلان الحكومي الذي ركز على دمج وإلغاء بعض الوزارات التي تعتبر مهمة، فيما لم يُركَّز على الهيئات المستقلة، التي هي أحوج إلى الدمج أو الإلغاء، وكانت دائماً المثال الأكثر تداولاً في أدبيات الأردنيين عند حديثهم عن الفساد المالي والإداري.

واعتبر مختصون في حديثهم لـ"العربي الجديد" أن بعض المخرجات كانت في الاتجاه الخاطئ، وأن بعض التعديلات كانت شكلية، ولم تلمس الأسباب الحقيقية لضعف القطاع العام في الأردن.

محاولات سابقة للتحديث في الأردن

وفي الذاكرة الأردنية العشرات من الخطط والاستراتيجيات الهادفة إلى تطوير القطاع العام، إلا أن النتيجة كانت تراجعاً واضحاً في مستوى الأداء، ولا أدلّ على ذلك اليوم من ارتفاع إجمالي رصيد الدين العام إلى 50 مليار دولار، بحسب وزارة المالية، بنسبة 111 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما نسبة البطالة تتجاوز 22.8 في المائة من القوى العاملة.

غياب الرؤية المتعلقة بإصلاح القطاع العام والتطوير لدى راسمي السياسات أحدث حالة من الإرباك في مجال الإصلاح الإداري، إذ لم يكتب لغالبية المبادرات التي أُقرَّت، التنفيذ. كذلك لم يجرِ قياس نتائج وأثر ما طُبِّق، الأمر الذي أدى إلى تداخل وتكرار الكثير من الأهداف في المبادرات المتتالية.

حمدي قبيلات: التغير المستمر للقوانين في الأردن يخلق إرباكاً تشريعياً

ووفق رئيس الوزراء بشر الخصاونة، فإنه بموجب التحديث سيجري "دمج وزارات ودوائر حكومية خلال الفترة من عام 2022 حتى عام 2024، من دون المساس بحقوق العاملين أو الاستغناء عن خدماتهم"، مشيراً إلى أن "لجنة تحديث القطاع العام عملت على تقييم أوضاع 97 دائرة ومؤسسة حكومية، لا تشمل الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة والبلديات".

وقال العاهل الأردني عبد الله الثاني، خلال استماعه إلى إيجاز من لجنة تحديث القطاع العام الأحد الماضي عن المخرجات، إن "الغاية والهدف النهائي من تحديث القطاع العام تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين ورفع كفاءة الإدارة العامة".

وشدّد على أهمية التزام تنفيذ الإصلاحات وتحديد النتائج المرجوة منها، من دون الالتفات إلى المشككين في جدية التحديث، وضرورة أن تقوم الحكومة بشرح أهداف الخريطة للمواطنين ليكونوا شركاء في التنفيذ".

وتتضمن المخرجات 31 مبادرة في الهيكل الحكومي لتعزيز مرونته وكفاءته، بما في ذلك دمج بعض الوزارات والمؤسسات، و23 مبادرة ضمن بند الحوكمة الرشيدة والشفافية، فضلاً عن 42 مبادرة لخطط استشرافية مترابطة وعابرة للحكومات تستخدم الرقمنة وتقييم الأثر لدعم عملية صنع القرار، و22 مبادرة تتعلق بالتشريعات الداعمة للتغيير الإيجابي.

وتعليقاً على مخرجات لجنة تحديث القطاع العام، قال أستاذ القانون الإداري والدستوري حمدي قبيلات، في حديث مع "العربي الجديد" إنه يجب أن يركز الإصلاح على الإدارة العامة بعيداً عن أي اعتبارات سياسية ومتطلبات خارجية، موضحاً أن هناك أحياناً تداخلاً وازدواجية في العمل بين الوزارات والهيئات العامة وتضارباً بالمهام، وهي بحاجة للإصلاح.

وتابع قبيلات إن "أدوات الإصلاح الإداري هي التي تثير النقاش، فالأمر ليس تغيّر أسماء أو دمج مؤسسات وتفكيكها، فالمشكلة ليست بالعدد"، مضيفاً أن "هناك وزارات ضرورية لا مبرر لإلغائها كوزارة العمل. وقد يؤدي مثل هذا القرار مستقبلاً إلى تضارب وتداخل في المهام، وتكون النتائج عكس الطموحات".

سعيد ذياب: يجب إلغاء الهيئات والمؤسسات التي يزيد عجز موازناتها عن 1.5 مليار دولار

وحول الجانب القانوني، قال قبيلات إن التغير المستمر للقوانين في الأردن يخلق إرباكاً تشريعياً، وخصوصاً على مستوى الإدارة بشكل عام والقانون الإداري خصوصاً، وعدم الاستقرار التشريعي، يسبب غياب الأمن القانوني، ولا نعرف ما هي التعديلات التي قد تطرأ بعد سنة أو سنتين على القوانين، وهو ما ينعكس مباشرة على البيئة الاستثمارية، لأن المستثمر يخشى من التعديلات المستمرة على القوانين ويشعر بالأمان في ظل استقرار القوانين والتشريعات وثباتها.

وأوضح قبيلات أنه إذا أُقرّت التشريعات سيتغير نظام الخدمة المدنية وكل ما يتعلق بالموظفين الحكوميين، ومراكز الموظفين، وهذا يخلق حالة من القلق العام، ويربك أستاذ القانون والطالب والمحامي والقاضي، متسائلاً: "مع كل التعديلات القانونية التي تجري، هل كانت أغلب القوانين والأنظمة غير صحيحة، ولم نكن موفقين بصياغتها. وأضاف أنه لا يمكن اعتبار المخرجات إنجازاً، فهو أمر صوري ووهمي إذا لم يحدث تغير على الواقع، كحل مشكلة البطالة وطلبات التوظيف، فالحديث النظري لا تعني الناس ولا ينعكس على حياتهم اليومية.

بدوره، قال الأمين العام لحزب "الوحدة الشعبية الديمقراطي" الأردني، سعيد ذياب، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة تهرب من الواقع وتبحث عن مشاريع قرارات لا تكتسب صفة الأولوية في هذه اللحظة، فالقرارات والتوجهات الأخيرة كأن جميعها تأتي استجابة لمطالب خارجية وليس استجابة للواقع الداخلي ومتطلباته.

وأضاف أن "تحديث الدولة والإدارة هو مطلب، لكن أي قراءة لهذه القرارات يتبين أن الحكومة في واد والمواطنين بواد آخر"، مشيراً إلى أن "إلغاء عشرات الهيئات والمؤسسات المستقلة والتي يزيد عجز موازناتها على 1.5 مليار دولار هو مطلب المواطنين، وخصوصاً أن هناك تضارباً في العمل، فلماذا تكون هناك هيئة لقطاع النقل في ظل وجود وزارة للنقل والمواصلات وهذا يندرج على أغلب الهيئات الأخرى".

وبحسب ذياب، إن المؤسسات المستقلة في الدولة بالأساس وجدت كنوع من جوائز الترضية للفئات المتنفذة، وخلق نوعاً من التباين في الرواتب بين العاملين في الوزارات والعاملين في هذه المؤسسات، ومن الممكن أن يساهم إلغاؤها بتقليص حجم عجز الموازنة، ما يعني أن المسألة ليست مرتبطة بخلق قطاع عام رشيق وتقليص العجز أو تطوير الأداء الحكومي، بقدر ما هي استجابة لوصفات صندوق النقد الدولي بشكل أو بآخر ولا ترتبط بالواقع الحياتي للناس.

وأضاف ذياب: "على سبيل المثال، مقترح دمج وزارة التربية والتعليم بوزارة التعليم العالي جرى تنفيذه مرات عديدة، قبل التراجع عنه"، واصفاً ما تقوم به الحكومة بأنه "نمط تجريبي لا يقوم على رؤيا واقعية متكاملة محددة الأهداف". وحذّر من تبعات إعادة الهيكلة التي ستزيد من حجم البطالة، التي يعاني منها ربع السكان.

ترهّل مؤسسات الدولة الأردنية

أما المحلل فهمي الكتوت، فرأى أن هناك ترهّلاً إدارياً في مؤسسات الدولة بشكل عام، وهي لا تقوم بمهامها وواجبها بخدمة المواطنين كما ينبغي، فبعض المعاملات البسيطة تأخذ وقتاً طويلاً باستثناء عدد قليل منها، وذلك على الرغم من أن 36 في المائة من المشتغلين في الأردن هم في القطاع الرسمي الحكومي والعسكري، وتشكل الرواتب 67 في المائة من ميزانية الدولة.

وأضاف الكتوت في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن عدد الوزارات في الأردن لا يتناسب مع واقعها، والعدد يزيد على الحاجة، معتبراً على سبيل المثال أن إدماج وزارة التربية والتعليم بوزارة التعليم العالي قرار صحيح.

ولفت إلى أن هناك جانباً متعلقاً بالهيئات والمؤسسات المستقلة، التي أُنشئت في مرحلة معينة وارتبطت بخصخصة مؤسسات الدولة، مع وصول إلى 57 مؤسسة، مشيراً إلى أنه جرى استحداث مؤسسة أو هيئة على الأقل إلى جانب كل وزارة تقوم بجزء من دورها. وأشار إلى أنه على الرغم من اختفاء عدد منها، إلا أن تداعياتها بقيت على الاقتصاد. فمثلاً، إن رواتب موظفي هذه المؤسسات كانت أضعاف رواتب الموظفين العاملين على السلم الوظيفي لديوان الخدمة.

وقال الكتوت إن من أخطر الإجراءات، التوجه لتفكيك وزارة العمل، التي تقوم بربط الباحثين عن العمل بفرص العمل والمراقبة والتفتيش، والعمل على حل النزاعات العمالية والعمالة الوافدة، معتبراً أن تحويل جزء من مسؤولياتها إلى وزارة الداخلية وتحول بعض القضايا إلى قضايا أمنية حتى بخصوص العمالة الأجنبية غير مناسب.

وأضاف أن نسبة البطالة والفقر في ارتفاع، وبالتالي يجب أن يكون هناك مظلة اجتماعية لتجنب أي انفجارات اجتماعية مستقبلاً. مع العلم أن عدد العاملين في الجهاز الحكومي بأكثر من 215 ألف شخص يعملون في مختلف الوزارات، ويشكلون ما نسبته 36 في المائة من إجمالي القوى العاملة في الأردن، إلى جانب آلاف العاملين في الوحدات الحكومية المستقلة. وتبلغ تكلفة رواتب العاملين في الجهاز الحكومي حوالى 5.8 مليارات دولار سنوياً.

 

المساهمون