حذر التقرير الاستراتيجي السنوي لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، برئاسة الجنرال المتقاعد تمير هايمان، من تداعيات "الإصلاحات القضائية والقانونية" التي تعتزم الحكومة الإسرائيلية الحالية تنفيذها، على الوضع الداخلي في إسرائيل والحريات فيها، مما قد يهدد بدوره الأسس "القيمية المشتركة" مع الولايات المتحدة الأميركية، ويضرب العلاقات بين الطرفين، ويهدّد مستقبل الدعم الأميركي لإسرائيل.
كما حذر التقرير الذي رُفع أمس للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، من أن الجبهة الفلسطينية هي الأكثر قابلية للاشتعال خلال العام الحالي.
ويرصد التقرير على الساحة الداخلية الإسرائيلية وفي محيطها الإقليمي أيضاً، عمليات لا تقل خطورة على الأمن الإسرائيلي، تسارعت وتيرتها هي الأخرى خلال العام 2022، وهي تضع إسرائيل أمام تحديات مضاعفة ومزدوجة، وعلى رأسها ما يحدث على الساحة الفلسطينية.
تراجع مكانة السلطة وارتفاع قابلية اندلاع مواجهة
ويرى التقرير الاستراتيجي لمركز أبحاث الأمن القومي، استمراراً في تراجع هيبة وقدرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، "بالتوازي مع اقتراب نهاية عصر محمود عباس كرئيس للسلطة، من دون أن تبرز هوية من سيخلفه في المنصب، أو آلية لتنصيب خليفة له يكون متفقاً عليه، وبالتالي فإن تراجع قدرة السلطة على فرض سيطرتها، وغياب الأفق السياسي عززا وحركا سلسلة عمليات المقاومة، وظهور مجموعات عسكرية مثل "عرين الأسود".
ويتابع التقرير: "رد جيش الاحتلال على نشاط هذه المجموعات، ما زاد من قابلية الاشتعال واندلاع مواجهة واسعة النطاق بينها وبين جيش الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، خصوصاً في ظل ازدياد توسع المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، مع بدء الزحف باتجاه تبلور "دولة واحدة"، وهو ما يهدد خيارات مستقبلية أمام إسرائيل للتوصل لتسويات سياسية، ويشكل تهديداً لهويتها كدولة يهودية وديمقراطية".
وبحسب المركز، فإن "هذه المخاطر كلها قد تتفاقم وتتعاظم تحت الحكومة الحالية التي ترفع صراحة راية السيطرة على كل مناطق "أرض إسرائيل" وضمّها. ومن شأن هذا الأمر أن يضع أمام إسرائيل صعوبات في الحلبة الدولية، لا سيما في سياق التعامل مع الخطر الإيراني".
احتدام التوتر الداخلي
وعلى صعيد التطورات الداخلية والعلاقات داخل المجتمع الإسرائيلي بشرائحه وطوائفه المختلفة، وتباينه السياسي والحزبي، يشير التقرير إلى احتدام التوتر الداخلي في السنة الأخيرة، والذي كان مصحوباً أيضاً بتطرف سياسي وتقطب شديدين.
ويقرّ التقرير بأنّ الائتلاف الحكومي الجديد برئاسة بنيامين نتنياهو يحمل أجندة يمينية صرفة، يعتبرها قسم من الجمهور متطرفة للغاية، وتهدد بنيان دولة إسرائيل وميراثها كدولة يهودية وديمقراطية.
وبحسب التقرير، إن ما يصاحب هذه الأجندة من مخاوف على استقلال السلطات الثلاث، والتوازنات بينها، يشكل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي، سواء في حال اندلاع أحداث كالتي صاحبت عدوان "حامي الأسوار" (في إشارة إلى هبّة الكرامة في الداخل والتظاهرات ضد العدوان المذكور)، أو في حال اندلاع قلاقل بفعل الشعور بفقدان اللحمة الوطنية والتضامن بين مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي.
تهديد العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية
وتطرق التقرير بطبيعة الحال إلى مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة، في ظل الحكومة الحالية والاتجاه لتغييرات قضائية وقانونية قد تمسّ بما يعتبر "القواسم المشتركة والقيم المشتركة للحرية والليبرالية"، بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وأكد التقرير مركزية التعاون العسكري والدعم الأميركي لإسرائيل، كأحد أسس الأمن القومي الإسرائيلي التي باتت مهددة بفعل التغييرات الداخلية الديموغرافية، والسياسية الداخلية في الولايات المتحدة نفسها، وابتعاد الجاليات اليهودية وجماعات يهودية كثيرة مختلفة عن إسرائيل، بشكل متصاعد، رداً على ما يحدث داخل إسرائيل نفسها.
وبيّن التقرير أيضاً أن نمو قوة التيار التقدمي في "الحزب الديمقراطي" الأميركي من جهة، والتحديات التي يفرضها اليمين الأميركي في حربه ضد النخب (حيث ينتمي معظم اليهود الأميركيين إلى هذه المجموعة) قد زعزعت وهزت أسس التأييد في هذه المحافل لإسرائيل، خصوصاً مع وجود إدارة أميركية ليبرالية تقابلها حكومة يمينية في إسرائيل"، مضيفاً: "هذه العمليات والسيرورات الاجتماعية والسياسية تؤثر سلباً في الدعم الأميركي التقليدي لإسرائيل، في كافة المجالات".
واعتبر التقرير أن العام المنصرم شهد تعاظماً في التحولات والتغييرات العالمية والإقليمية والداخلية التي تزيد من التحديات التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي، وينبغي بالتالي الاستعداد لمواجهتها، ووضع استراتيجية مناسبة لهذه الغاية.
وأبرز التقرير، على الصعيد العالمي، احتدام المنافسة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، والحرب الروسية على أوكرانيا، التي يكتفي المعهد بوصفها بخطوات القوة التي اتخذتها روسيا ضد أوكرانيا، ووضعية الاتفاق النووي مع إيران. وهي ثلاث عمليات اعتبرها المركز متداخلة في ما بينها، وتهزّ في الوقت نفسه أسس السياسة الخارجية والأمنية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً مع وصول إيران فعلياً إلى مكانة دولة حافة نووية.