أكّد وزير الدفاع ورئيس الأركان الأميركيان، الجمعة، أنّ اندلاع نزاع بين موسكو وكييف "ليس أمراً حتمياً"، لكن إذا حصل فإنّ كلفته البشرية ستكون "مروّعة"، محذّرين من أنّ روسيا حشدت على حدود أوكرانيا ما يكفي من القوات لاجتياح جارتها.
وخلال مؤتمر صحافي مع وزير الدفاع لويد أوستن، قال رئيس الأركان الجنرال مارك ميلي إنّه "بالنظر إلى نوع القوات المنتشرة: قوات برية، مدفعية، صواريخ بالستية، سلاح الجو... يمكنكم تخيّل ما قد يبدو عليه الوضع في مناطق حضرية مكتظة بالسكّان"، متوقّعاً سقوط "عدد كبير من الضحايا" في حال اجتياح القوات الروسية أوكرانيا.
وشدّد رئيس الأركان الذي نادراً ما يعقد مؤتمرات صحافية، على أنّ "الأمر سيكون مروّعاً، سيكون فظيعاً"، مؤكّداً أنّ حصول "هذا الأمر ليس ضرورياً. نحن نعتقد أنّ الحلّ دبلوماسي".
بدوره، اعتبر وزير الدفاع أنّه "لا يزال هناك وقت ومجال للدبلوماسية"، مشدّداً على أنّه ليس هناك "أيّ مبرّر" ليفضي هذا الوضع بالضرورة إلى نزاع عسكري. وقال أوستن: "يستطيع السيد بوتين أيضاً أن يفعل ما ينبغي القيام به". وأضاف: "يمكنه اختيار وقف التصعيد. يمكنه أن يأمر قواته بالانسحاب".
ورجّح أوستن أنّ الرئيس الروسي لم "يتّخذ بعد قرار استخدام هذه القوات ضدّ أوكرانيا"، محذّراً من أنّ بوتين " لديه الآن إمكانية واضحة" لغزو أوكرانيا لأنّه حشد على حدود جارته ما يكفي من القوات لغزوها، و"لديه خيارات عدة، بما في ذلك الاستيلاء على مدن كبيرة وأراضٍ شاسعة".
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، الجمعة، أنّه سيُرسل عدداً صغيراً من الجنود الأميركيّين إلى أوروبا الشرقيّة "قريباً"، وسط تصاعد التوتّر مع موسكو في شأن أوكرانيا. وسيُشكّل إرسال قوّات إلى دول أوروبا الشرقيّة وسيلة إضافيّة للضغط على بوتين.
وكان الرئيسان، الروسي فلاديمير بوتين، والفرنسي إيمانويل ماكرون، قد اتفقا الجمعة، على "ضرورة نزع فتيل التصعيد" ومواصلة "الحوار" لحلّ الأزمة بشأن أوكرانيا، فيما أكّد البنتاغون أنّ الحرب "ليست حتمية"، لكن إن وقعت فستكون كلفتها البشرية "مروّعة".
ووفق بيان للإليزيه، أجرى ماكرون وبوتين مكالمة استغرقت أكثر من ساعة الجمعة، لافتاً إلى أن "الرئيس بوتين لم يُبدِ أي نية عدوانية (...) لقد قال بوضوح إنه لا يسعى إلى المواجهة".
ومساءً، جدّد ماكرون في مكالمة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، التعبير عن "تضامن فرنسا الكامل مع أوكرانيا"، مؤكّداً "تمسّكه بالحفاظ على سيادة هذا البلد ووحدة أراضيه"، وفق الإليزيه.
من جهته، لفت الكرملين إلى أنّ بوتين شدّد على مسامع ماكرون على أنّ الغرب يتجاهل المطالب التي حددتها روسيا لخفض التوتر في الأزمة حول أوكرانيا.
ورفضت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي رسمياً، الأربعاء، مطالب تعتبرها روسيا حيوية لضمان أمنها، في مقدمها إنهاء سياسة التوسع التي ينتهجها الحلف الأطلسي، وعودة الانتشار العسكري الغربي إلى حدود 1997.
ونقل الكرملين عن بوتين قوله لماكرون إنّ "أجوبة الولايات المتحدة والحلف الأطلسي لم تأخذ بالاعتبار مخاوف روسيا الجوهرية (...) لقد جرى تجاهل المسألة الأساسيّة، وهي كيف تعتزم الولايات المتحدة وحلفاؤها... تطبيق المبدأ القائل إنه يجب ألّا يعزز أي طرف أمنه على حساب دول أخرى". وأشار الكرملين إلى أنّ روسيا "ستحدّد ردها المقبل" بعد أن تدرس بالتفصيل ردّ خصومها.
جونسون يسعى لتجنّب إراقة الدماء
في غضون ذلك، يسعى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لتجنّب "إراقة الدماء" في أوكرانيا، وفق ما أكّدت متحدّثة باسم داونينغ ستريت مساء الجمعة، مشيرة إلى أنّه سيتّصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضّه مرّة جديدة على "التراجع والانخراط دبلوماسياً". وقالت المتحدّثة في بيان إنّ "رئيس الوزراء مصمّم على تسريع الجهود الدبلوماسيّة وتعزيز الرّدع لتجنّب إراقة الدماء في أوروبا". وأضافت: "سيؤكّد (جونسون) مجدّداً ضرورة تراجع روسيا وانخراطها دبلوماسياً، عندما يُجري محادثات مع الرئيس بوتين هذا الأسبوع".
وبالإضافة إلى هذه المكالمة الهاتفيّة، يُجري رئيس الوزراء البريطاني جولة في المنطقة خلال الأيّام المقبلة.
ونشرت روسيا عشرات آلاف القوّات على حدود أوكرانيا في الأشهر الأخيرة، ما أثار مخاوف من حدوث غزو. وبينما تنفي الحكومة الروسيّة أيّ خطط من هذا القبيل، فإنّها تُصرّ على الحصول على ضمانات مكتوبة في ما يتعلّق بأمن روسيا، بما في ذلك عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي.
ويُرتقب أن تُعلن لندن الاثنين، تشديد نظامها الخاصّ بالعقوبات، من أجل أن تتمكّن المملكة المتّحدة من استهداف مصالح استراتيجيّة وماليّة لموسكو، في ضوء اتّهامات موجّهة إليها بغضّ الطرف عن تدفّق الأموال الروسيّة على أراضيها. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، النائب المحافظ توم تاغندهات، إنّ التهديد الروسي لا يأتي فقط من "الدبّابات"، ولكن أيضاً من "الأموال". وأشار في حديثه لصحيفة "سيتي إيه إم" الاقتصادية، إلى أنّ "الأموال المخبأة في حسابات وممتلكات تُستخدم لتقويض أمن المملكة المتحدة والشعب البريطاني".
وكان رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، قد أكد في مؤتمر صحافي الجمعة، أنّ التوتر مع روسيا لا يشهد تصعيداً في الوقت الراهن، لكنه لم يستبعد حدوث تطورات من هذا النوع في مرحلة لاحقة، مضيفاً: "لسنا بحاجة إلى الفزع".
من جانبه، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إنّ الغرب مستعد لأشكال مختلفة من "العدوان الروسي" على أوكرانيا، وليس بالضرورة وقوع هجوم بري. وذكر ستولتنبرغ، على الإنترنت من بروكسل، في نقاش ينظمه مركز أبحاث في واشنطن، أنّ حشد روسيا قوات على حدود أوكرانيا وفي بيلاروسيا يمكن أن يؤدي إلى "غزو روسي شامل" لكن هناك أساليب أخرى.
وأشار ستولتنبرغ إلى أمثلة، منها هجوم إلكتروني، ومحاولة انقلاب، وعمليات تخريب، قائلاً: "نحتاج إلى أن نكون مستعدين لسلسلة واسعة من أشكال العدوان المختلفة".
(فرانس برس، العربي الجديد)